الريسوني يكتب : النظام السوري بين الممانعة والمخادعة

11-11-02


أحمد الريسوني*
قام النظام العائلي الأسدي الحاكم في سوريا منذ أربعين عاما على السلاح والعساكر، وعمدته في البقاء السلاح والعساكر.
والسلاح في سوريا ليس مجرد احتياط ترهيبي لحفظ هيبة الطبقة الحاكمة ونظامها، بل هو سلاح شغال فعال على الدوام وعلى مدار العام..لكن هذا النظام يعزز كيانه العسكري بمجموعة من الخُدَع الدعائية التي تآكلت في الشهور الأخيرة من الحكم الاستبدادي الأسدي.
ومع ذلك ما زالت بعض الأبواق ترددها داخل سوريا وخارجها. ولذلك لا بد من مزيد من التعرية لهذه الخدع حتى لا تنطلي على أحد.
1 – خدعة الممانعة
هذه كبرى الخدع وأقدمها عند النظام السوري، وبها عاش وانتفش على مدى أربعة عقود. والحقيقة أن هذه الممانعة إنما هي ممانعة كلامية خطابية إعلامية. أما على الأرض فلم تزحزح هذه الممانعة العدو الإسرائيلي شبرا واحدا، ولا انتزعت منه ذرة واحدة، مما يحتله من أرض سوريا ولا من أرض فلسطين. والعالم كله يرى ويشهد أن الجيش السوري لايتحرك إلا لقتل الأبرياء من المعارضين للنظام السوري، من السوريين والفلسطينيين واللبنانيين. فهذا هو المعنى الفعلي للممناعة. وها هو جيش النظام الأسدي يشهد اليوم أكبر انتشار له وأطول عملية قتالية في تاريخه، لكنه قتال في مدن سوريا وأحيائها وقراها.
والحقيقة الأخرى هي أن الممانعة المزعومة حتى لو كان فيها تحرير فلسطين والجولان، لما كانت مبررا لاستعباد الشعب السوري وإذلاله وخنقه وتقتيل خيرة أبنائه والعبث بثرواته. فكيف بممانعة إنما هي كلام في كلام وسراب في ضباب
2- خدعة التأييد الشعبي للنظام
من حين لآخر يطلع علينا النظام السوري بمظاهرات موالية في قلب دمشق، وببيانات مؤيدة للرئيس ومنددة بالمارقين عليه، ليقول لنا بعد ذلك :انظروا، ها هو الشعب السوري الحقيقي يهتف لقائده ويفديه… وها هم علماء سوريا الحقيقيون يبايعون الرئيس المؤمن المجاهد…
ونحن لا نعجب من هذه المظاهرات النظامية الدمشقية، ولامن بيانات بعض المشايخ، لأن معظم هؤلاء ليس لهم وليس أمامهم إلا أن يفعلوا ذلك، خوفا على أنفسهم وأرزاقهم، وعلى آبائهم وأبنائهم وأزواجهم. فالآلة الحزبية والأجهزة الاستخباراتية تحصي عليهم أنفاسهم وحركاتهم وسكناتهم.
وقد رأينا بأم أعيننا كيف كانت “الساحة الخضراء” بطرابلس الغرب تعج ليل نهار ولعدة شهور متتالية، بالآلاف من النساء والرجال، من عشاق الأخ القائد الثائر معمر القذافي، الشقيق الأكبر لبشار الأسد… لقد كانوا محتشدين معتصمين صامدين متحمسين، أكثر بكثير من نظرائهم السوريين في دمشق. نعم كانوا كذلك يوم لم يكن لهم بد ولا خيار ولا حولٌ ولا قوة.
ولكن ما إن دقت ساعة الحقيقة، ودق الثوار أبواب طرابلس، في العشر الأواخر من رمضان، حتى انقلب السحر على السحرة المجرمين (فَوَقَع َالْحَقُّ وَبَطَلَ مَاكَانُوا يَعْمَلُون) سورة الأعراف، الآية : 118
3- خدعة الإصلاحات والحوار
يذكر المتتبعون للحالة السورية أن مستشارة الرئيس الناطقة باسمه بثينة شعبان، طلعت على وسائل الإعلام – عند اندلاع الحركة الاحتجاجية – فأكدت أن الإصلاحات في سورية ستتم “بالسرعة الكلية”، وبدأنا نسمع عن مراسيم تشير إلى الإصلاحات الموعودة، ثم بدأ الإعلان عن قرب انطلاق الحوار الوطني، وبدأ هذا الحوار المسرحي بعُجره وبُجره، وتمت إقالة محافظ هنا ومحافظ هناك، وذهب وزير وجاء وزير… ولكن هذه الجعجعة كانت تجري في الوقت الذي يستمر فيه اجتياح الجيش للمدن والقرى، وتمشيطه لأحيائها وبيوتها، وتقتيله لشبابها، إضافة إلى ما تقوم به الأجهزة المختصة من الشرطة والشبيحة…
وهكذا ظهر واضحا أن ما يعلنه ويدعو إليه النظام السوري من إصلاح وحوار، إنما هو خدعة أخرى، وأنه لن يكون سوى نسخة أخرى من حوار إسرائيل للفلسطينيين ووعدها لهم بدولة فلسطينية غير قابلة للتحقيق، وإذا تحققت فلن تكون قابلة للحياة…
نعم هكذا يريد النظام السوري: حوار لانتيجة له، وإصلاحات غير مضمونة التنفيذ، ولو نفذت فهي غير قابلة للحياة؛ لأن سوريا في النهاية ستبقى من “نصيب الأسد” وبين فكيه.
لقد افتك الشعب السوري جزءا من حريته وإرادته من بين أنياب الأسد، وليس أمامه إلا أن يستمر ويستكمل التحرير.


*خبير أول بمجمع الفقه الإسلامي بجدة

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.