سياقات انتصار العدالة والتنمية بالمغرب

إدريس بووانو

لم يتوان كل المتتبعين والدارسين والمراقبين عن كثب لتجربة العدالة والتنمية المغربي في الإعلان كم من مرة بأن هذه التجربة السياسية قد تحدث استثناء سياسيا في المنطقة شبيه بما قامت به تجربة حزب العدالة والتنمية التركي الذي استطاع أن يجيد بشكل عال إدارة دفة العملية السياسية في بيئة تركية جد معقدة ومتشابكة ومتقبلة.

قد نجزم بأن الأمر نفسه قد حصل مع حزب العدالة والتنمية بالمغرب الذي أحدث انتصاره في الرابع من الشهر الجاري رجة سياسية وشكل منعطفا سياسيا سيكون له ما بعده على الحياة السياسية المغربية.

هناك أسئلة عديدة تتبادر إلى الأذهان تحيط من كل جوانب هذا الانتصار السياسي الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية التي شهدها يوم الرابع من شتنبر 2015، ولعلني أكتفي بالجواب عن سؤال سياق الانتصار السياسي، واعتقد أن البحث في هذا الجانب سيساعد لا محال في وضوح الرؤية للجواب عن  أسئلة أخرى متعلقة بدلالات هذا الانتصار السياسي وبأبعاده وتداعياته على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي.

السياق الدولي

 

إن ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تقلبات وتغيرات وانعكاسات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قد أدى بجل دول المنطقة الى أن تعيش حالة من القلق السياسي لم تشهد مثيلا له منذ عقود خلت ، فقد تداعت على دول المنطقة القلاقل السياسية والاضطرابات وحالة اللاستقرار من مثل  ما تشهدها اليمن والعراق وسوريا أضف إلى ذلك اشتداد ضراوة الحرب على ما يسمى بالإرهاب ونزوح شظاياه على دول كانت إلى عهد قريب تعد أماكن آمنة بمنطقة دول الخليج كدولة الكويت والمملكة العربية السعودية .

إلى جانب ذلك الاتفاق الأمريكي الإيراني وما تلت ذلك من حالة القلق في أوساط دول الخليج استتبعتها حالة من التوتر غير المعلن داخل كل دول الخليج من انعكاسات هذا الاتفاق واستفراد إيران وتغولها على دول المنطقة .

ولم تكن قط منطقة شمال إفريقيا بمعزل عن هذه  القلاقل والاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، كما أن جل  دول المنطقة قد انشغلت بمواجهة تداعيات الربيع الديمقراطي وحالة اللاستقرار التي شهدتها بعض دولها  كما انشغلت بمواجهة الإرهاب الذي استوطن في منطقة قريبة منها ، ليأخذ في تهديد كل دول المنطقة واحدة تلو الأخرى .

 

السياق الإقليمي :

لم يعد خافيا على أحد ان يلمس القلق والتوتر الذي بدأ يسود منطقة شمال إفريقيا جراء تداعيات الربيع الديمقراطي وأيضا جراء تعاظم الإرهاب كما أشرت إلى ذلك آنفا.

والمغرب بحكم موقعه الجغرافي أصبح مطوقا بأحزمة التوترات التي تشهدها العديد من دول المنطقة بحيث أصبح محاصرا ببركان من النار المشتعلة في ليبيا، كما أصبح في مرمى نيران الميلشيات الإرهابية التي وجدت ملاذا آمنا في التربة الليبية.

وقد لا نغالي إن قلنا بان جميع دول شمال إفريقيا باستثناء المغرب عاشت وما تزال تعيش حالة من القلق السياسي والاحتقان الاجتماعي وبعضها الآخر كليبيا تعرف حالة من الفوضى السياسية جراء الفراغ السياسي الذي أحدثه جلاء نظام القذافي .

خيارات المغرب حيال الوضع المقلق بالمنطقة

قد تتعدد الخيارات عند بعض الدول البعيدة عن التوترات التي تعرفها المنطقة من حيث أنها قد تبقى مراقبة للوضع كما قد  تتخذ خطوات  تدخل في خانة الوقائية.

أما في حالة الوضع بالمغرب فان الأمر تعدى الخطوات الوقائية إلى خطوات مواجهة  التقلبات السياسية  الآتية من الشرق الأوسط أو الاضطرابات السياسية القادمة  من دول الجوار بشمال إفريقيا .

تقوية البناء الديمقراطي

وأعتقد أن سياق تداعيات كل هذه الأحداث الجارية سواء الواقعة  بمنطقة الشرق الأوسط او الحادثة بدول الجوار كانت عاملا مساهما في حدوث كثير من التكتيكات السياسية سواء من قبل  المؤسسة الملكية أومن قبل الأحزاب السياسية المغربية.

من هناك إذن يمكن أن نقرأ تلك السرعة التي بادر بها النظام المغربي لاستيعاب تداعيات الربيع الديمقراطي خلال سنة 2011 بإقراره لدستور جديد وإجرائه لانتخابات برلمانية سابقة لأوانها بوأت حزب العدالة والتنمية المغربي إدارة دفة الحكومة .

وما استتبع ذلك من خطوات أخرى شملت توسيع هامش الممارسة الديمقراطية من خلال سهره  ودعمه لأن تمر الاستحقاقات الانتخابية المهنية و الجماعية و الجهوية  بأكبر قدر من الشفافية والنزاهة  من خلال حياد الإدارة والسلطة أمام جل المتنافسين ، لان ذلك من شانه أن يكرس الشرعية الديمقراطية داخل البيئة السياسية المغربية  كما يدفع باوراش الإصلاحات على مستوياتها المختلفة قدما نحو الأمام.

 

ومن هنا أيضا يمكن أن نقرأ جيدا سرعة الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية المغربي نحو تبني نظرية الإصلاح في ظل الاستقرار في إطار تناغم وتجاوب بين المؤسسة الملكية والفاعلين السياسيين .

ولعل ذلك كله ساهم ويساهم في تعزيز النسيج المجتمعي للمغرب وحال دون حدوث أي احتقان سياسي أو اجتماعي واسع من شانه أن يفسح المجال لاندلاع فتيل التوترات الاجتماعية والتحامها مع فتيل النار المشتعلة في بعض دول الجوار.

وقد أدركت أطراف داخل مربع السلطة أن فتح هامش الممارسة  الديمقراطية والسعي قدما لضمان نزاهة الاستحقاقات الانتخابية يقوي الجبهة الداخلية للمجتمع ، كما أدركت أطراف داخل مربع الأحزاب السياسية أن تبني خيار الإصلاح في ظل الاستقرار والمضي قدما فيه من شانه تعزيز مجال الحريات والديمقراطية ، ولعلها ذلك كله شكل خير وسيلة لمواجهة المخاطر الخارجية المحدقة بالمغرب سواء من الشرق الأوسط  أو من دول الجوار.

 

     طبعا ثمة سياقات أخرى  متعلقة بالداخل المغربي ، وأيضا ثمة عوامل أخرى مرتبطة بارتفاع منسوب الواقعية والبراغماتية السياسية التي طبعت  السلوك السياسي المغربي سواء عند المؤسسة الملكية أو عند الفاعل الحزبي حتى عند ذلك الذي  كان يصنف إلى عهد قريب بالراديكالي ، وهذه العوامل مجتمعة – إلى جانب عوامل أخرى  مرتبطة بالفاعل الحزب المنتصر وهو حزب العدالة والتنمية- قد ساهمت في حدوث هذا الحدث السياسي الاستثنائي بالمغرب الذي من شانه أن يرسم خارطة طريق جديدة للحياة السياسية المغربية كما قد يشكل منعطفا مهما في استعادة الصوت الانتخابي لدى المواطن المغربي لشرعيته وترسيم دوره الفاعل والمؤثر في اللعبة الديمقراطية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.