حزب العدالة والتنمية وتحديات المرحلة

12-03-14
لم تمر سوى مائة يوم على تعيين الحكومة الجديدة برئاسة حزب العدالة والتنمية، حتى بدأ حزب “المصباح” يجني ثمار موقعه الجديد الذي تراود أصحابه أحاسيس الفرح الممزوجة بالقلق بخصوص قدرة هيئتهم على استقبال الوافدين الجدد على حزبهم، فضلا عن قلق آخر يتعلق بقدرتهم على تدبير الشأن الحكومي.
وهذا طبيعي، لأن الحزب يعيش تحولات لم يسبق له أن عرف مثلها في السابق، ابتداء بتوافد أفواج من الراغبين في الالتحاق بصفوفه، مرورا بإرهاصات في زيادة موارده المالية، وانتهاء ببعض “هفواته” التي يتربص بها خصومه للنيل منه، أو يلتقطها حلفاؤه في التشكيلة الحكومية الحالية للعتب عليه.
هل يعيش الحزب فراغا تنظيميا ؟
وفي هذا الصدد، يقول سليمان العمراني، نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، المكلف بشؤون التنظيم، والمشرف على الإدارة المركزية للحزب بالرباط ” بالفعل نعيش سابقة حزبية”، معترفا بأن حزب العدالة والتنمية يعيش مرحلة انتقالية، لا يريد لها أن تستمر”.
ويظهر هذا التحول بشكل جلي، على المستوى التنظيمي، حيث تحمل  11 عضوا من الأمانة لحزب العدالة والتنمية،  مسؤولية تدبير قطاعات حكومية، على رأسهم الأمين العام للحزب عبد الإله ابن كيران، ونائبين له (لحسن الداودي، وعبد الله بها)، ورئيس المجلس الوطني للحزب (سعد الدين العثماني)، وفي هذا الشأن، يقول وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، الذي طلب إعفائه من رئاسة لجنة السياسات العمومية “إنه من المنتظر أن يتخلى المستوزرون تدريجيا عن المهمات التي يشغلونها داخل الحزب”.
ومن جهته، يُوضح العمراني، بأنه إلى حُدود الساعة، فإن جميع هيئات الحزب المركزية تعقد اجتماعاتها باستمرار، ويحاول أعضاء الحكومة المنتمين للحزب القيام بمهامهم الحزبية المعتادة، رغم أن العملية ليست بالسهولة كما كانت في السابق”، مُشيرا إلى أن الصعوبة ظهرت في أحد الاجتماعات المنعقدة بتاريخ 19 فبراير 2012، الذي غادره بعض بعض الوزراء قبل إتمام جميع النقط المدرجة في جدول الأعمال، ويتابع العمراني ” لم يكن ممكنا لهم المواصلة، ومسايرة إيقاع اجتماعين في الشهر بالنظر إلى المهام الحكومية المنوط بهم “.
وفي هذا السياق، يرى لحسن الداودي، وزير التعليم العالي، والبحث العلمي وتكوين الأطر، بأنه يتعين على الوزراء خلال المؤتمر السابع المزمع عقده في يوليوز 2012 ، عدم تقديم ترشيحاتهم لمنصب الأمانة العامة ، “من أجل وضع مسافة بين الحزب والحكومة”.  
وهنا يفرض نفسه سؤال مهم، يتعلق بإمكانية ترشيح الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، “هل سيترشح ابن كيران لمقعد الأمين العام للحزب مرة أخرى؟ ” يجيب على هذا السؤال العمراني، بقوله “هذا الموضوع يتعلق بحالة خاصة، والمؤتمر هو المخول الوحيد للبت فيه، ذلك لأن القوانين  التنظيمية للحزب واضحة وصريحة في هذا الشأن، ومنها أن الحزب هو الجهة الوحيدة التي تختار ثلاثة مرشحين لمنصب الأمين العام، وبعد ذلك ينتخب المؤتمرون مرشحا من بين الثلاثة”.
وفي تعليق له على هذه “الإشكالية” يرى محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية  في كلية الحقوق بالمحمدية، والمتخصص في الحركات الإسلامية، بأن هناك تيارا  من داخل حزب العدالة والتنمية يميل إلى تعيين أمين عام جديد غير عبد الإله  ابن كيران، “تجنبا لاحتمال ربط فشل الحكومة بالحزب”.
العدالة والتنمية  بعد 2016
غير أن هذا المنطق المتعلق بالتصويت العقابي ليس ديدن الناخبين المغاربة، ويظهر ذلك في  فوز حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في استحقاقات 2002، رغم قيادتهم، واحتلال حزب الاستقلال الرتبة الثانية بعد العدالة والتنمية في انتخابات 2011، رغم تدبيره الشان العام خلال الولاية الماضية، وأيضا من المرجح أن يفوز الإسلاميون مرة ثانية في الانتخابات مهما كانت نتيجة تجربتهم الحكومية، حينئذ سيعين سيتم تعيين رئيس حكومة جديد (من المفترض ألا يكون ابن كيران بالضرورة).
 واعتمادا على هذا السيناريو، من المحتمل جدا أن يظل حزب العدالة والتنمية بعد  تدبيره لهذه الولاية الحالية في2016، متربعا على كرسي الحكومة، حتى بدون أن يكون ابن كيران أمينا عاما له، غير أن الحديث عن هذه الاحتمالات، يظل موضوعا سابقا لأوانه.
يقول مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، ينكب الحزب في الوقت الراهن، على الاشتغال في ثلاثة أوراش، هي الانتخابات المحلية المقبلة، والمؤتمر السابع وتلبية طلبات الراغبين في الانخراط الذين تضاعف عددهم، كما يؤكد ذلك، سليمان العمرانى المسؤول عن التنظيم الحزبي، الذي أشار إلى “أنه في ظرف وجيز لا يتجاوز الشهرين أسس الحزب ما يناهز 12 فرعا محليا أغلبها في العالم القروي، مضيفا  “نحن أمام إقبال على مستويين : انفتاحنا على مقرات جديدة يتم تسييرها بشكل طبيعي من جهة، ومن جهة ثانية الاستجابة للأعداد الكبيرة من طلبات الانخراط “.
الآن، وحزب العدالة والتنمية يقود الحكومة الجديدة، يتابع العمراني “سيقوم الحزب بقبول انخراط  أكبر عدد ممكن من المواطنين”، موضحا “توجد رغبة لدى قيادات الحزب بقبول طلبات الانخراط”، مضيفا “لقد  ولى زمن التقنين وفرض شروط الاندماج، فبعدما تم إعلان الحرب على الحزب منذ 2003 إلى 2011، لم يكن الناس متحمسين للانضمام إلينا، أما اليوم فالأمور تغيرت، حتى أن نسبة مهمة من طلبات الانخراط تقدمت بها فئات اجتماعية كانت إلى وقت قريب غير معنية بخطاب الحزب ومرجعيته ” تقاطرت علينا طلبات بألوان الطيف، من خبراء و أطر عليا ورجال أعمال ، و نتوقع أن يلتحق بحزبنا برلمانيون ووزراء سابقون “.
وبعبارة أخرى، فإن التركيبة الاجتماعية للحزب في طريقها إلى إحداث نقلة من اقتصارها على الطبقة الشعبية والمتوسطة (معلمون، موظفون صغار، عمال، تجار، فلاحون…) إلى طبقة نخبوية، وهذا التحول من شأنه -بطبيعة الحال- تقوية الحزب في الاستحقاقات المقبلة وتعزيز مستوى مداخيله المالية التي بدأت تنتعش، فهل يمكن لحزب العدالة و التنمية أن يفخر بذلك ؟  يجيب محمد ظريف” هذا ليس بالشيء الجديد: فالثقافة السياسية للمغاربة ترتبط بمن يملك السلطة، فبعدما كان الناس يزهدون في الإسلاميين، بدأ الجميع يخطب ودهم بعدما صاروا في دائرة السلطة، حيث بدأ يقصدهم الجميع لكسب ثقتهم والالتحاق بصفوفهم”، مضيفا، ” استفادت كل الأحزاب من مشاركتها في الحكومة لتقوية صفوفها”.
إن الهاجس الوحيد لدى حزب العدالة والتنمية حاليا، هو إنجاح التجربة التي يخوضها اليوم على رأس الحكومة، من أجل إنجاحها، يقول ظريف، “عليه أن يواجه تحديين، الأول محافظته على رصيده التعبوي الذي يستمد قوته من خطاب القيم والهوية، وهذا الخطاب طاغي عند حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، ويستشف ذلك في توجيههما لأصابع النقد للمهرجانات، وخير دليل على ذلك الجدل الساخن الذي يرافق هذا الملف اليوم”.
الرأي حر والقرار ملزم
وفي السياق ذاته، يتساءل البعض هل سيستمر الحزب الحاكم اليوم في الدفع بحجة حرية التعبير المضمونة لكل أعضائه لتبرير خرجاتهم ؟ من الواضح أن شعار “الرأي حر، والقرار مُلزم” لم يعد يبرر هذه الخرجات، يقول سليمان العمراني: “يجب أن نأخذ بعين الاعتبار مسألة أننا نشكل الحكومة، ولسنا الوحيدين، فتصريحاتنا لا يجب أن تخرج عن ميثاق الأغلبية وعن البرنامج الحكومي، والمواقف التي تكون مقبولة وفقا لمنطق حزبية ليست كذلك عندما تخرج عن نطاق هذه الالتزامات”.
أما التحدي الثاني، الذي يواجه حزب العدالة والتنمية، فيتعلق مباشرة برئيس الحكومة ويتجلي في مدى محافظته على انسجام وتماسك فريقه الحكومي. فما قالته بسيمة حقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية، بخصوص الإجهاض، وقبلها عزيز رباح وزير التجهيز والنقل عندما نشر لائحة رخص النقل، أغضبت بعض من حلفائهم في التقدم والاشتراكية، في الوقت الذي اتفق فيه الفريق الحكومي، ومنذ البداية، على العمل المشترك وتضافر الجهود.
إلا أنه يبدو أن الحزب يسهر دائما على تقديم توجهيات لوزرائه، إذ هنالك المجلس الوطني (برلمان الحزب) الذي يراقب أعمال الوزراء كأفراد، وكذلك عمل البرلمانيين، والكل خاضع للأمانة العامة.
ومن ناحية أخرى، فإن الفريق البرلماني ووزراء العدالة والتنمية التزموا بالعمل في إطار تضامن ودعم متبادل، وفي هذا الصدد، يقول مصطفى الخلفي “إن الحُكومة تدعم الفريق البرلماني حتى تتمكن المؤسسة البرلمانية من استرداد جميع الصلاحيات التي يخولها لها الدستور، ومن جهة أخرى فإن الفريق معبئ من أجل إنجاح التجربة الحكومية”، مُضيفا بأن القاعدة الأساسية في هذه المعادلة هي الوصول إلى تحقيق توازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ومن أجل الحفاظ على هذا التكامل، يتوفر الفريق البرلماني للحزب بمجلس النواب، على حق المراقبة والتدقيق في مشاريع القوانين التي يقدمها وزراء العدالة والتنمية، قبل إقرارها في المجلس الحكومي، وبالتالي، يقول العمراني “نتفادى المفاجآت التي قد تكون غير سارة، وحتى لا نقع في موقف نكون مضطرين فيه إلى رفض هذه النصوص”، وبصيغة أخرى  نتحدث عن إشراك النواب في عمل الوزراء، يضيف ذات المسؤول ” من غير المحتمل أن يفشل الحزب في إدارة الشؤون العامة، فنحن لسنا كبقية الأحزاب، وفي اليوم الذي سيصير  حضورنا في الحكومة غير منتج سننسحب، غير متخوفين من الرجوع إلى صفوف المعارضة”.
إنه تهديد يردده من حين لآخر، وزراء العدالة والتنمية في تصريحاتهم، ومن بينهم رئيس الحكومة، لكن لا نزال في الـ 100 يوم الأولى من عمر الحكومة الجديدة، ويقال “السلطة تلمع تارة…وتخفت تارة أخرى”.
 هل حزب العدالة والتنمية حزب غني ؟
في حزب العدالة والتنمية على الجميع الأداء والمساهمة في الصندوق، إذ تشكل المساهمة المالية أدنى درجات النضال، وهي نوع من الالتزام اتجاه الحزب، و يجب على أي أحد احترامه، يقول سليمان العمراني. لقد وضع الحزب سلما يتوافق مع جميع الفئات السوسيو- مهنية، وتحدد قيمة المشاركة حسب الدخل الشهري لكل منخرط على الشكل التالي: الملتحقين الجدد الذي يقدر دخلهم بأقل من 2000درهم يساهمون ب10 دراهم في الشهر، والدخل الذي يتجاوز 2000 درهم تبتدئ المساهمة انطلاقا من 50 درهم في الشهر، وبالنسبة للبرلمانيين، الذين بلغ عددهم 107 في هذه الولاية التشريعية، فسيبلغ قدر مساهمتهم ما بين 20 إلى 25 في المائة من راتبهم الشهري (ما بين 7200 و 9000 درهم) في الشهر وذلك حسب المسافة التي يبعد بها مقر سكناهم عن الرباط. في ما يتعلق بالنائبات أو النواب المنتخبين في اللائحة الوطنية، تتراوح مساهمتهم ما بين 25 و 30 في المائة، (ما يعادل 9000 و 12600 درهم في الشهر) وفقا مساهمتهم ما بين 25في المائة و 30 في المائة (ما يعني 9000 و 12600 درهم في الشهر) حسب نفس المعيار. أما الوزراء، فقد التزموا بضخ 20 في المائة من أتعابهم إلى خزينة الحزب، وهو ما يمثل 14000 درهم شهريا، وبذلك ستشكل مساهمات البرلمانيين والوزراء لوحدها مجموعا قدره 10 مليون درهم في السنة.
ويضيف العمراني، بأنه على الرغم من ذلك، فلا يزال دعم الدولة يشكل الجزء الأكبر من تمويل الحزب. فبالإضافة إلى الدعم المخصص للحملات الانتخابية، تستفيد الأحزاب السياسية، بدرجات متفاوتة، من الدعم السنوي لتغطية تكاليف إدارتها.
وتزداد أهمية هذا الدعم بالتناسب مع عدد الدوائر الانتخابية التي يغطيها الحزب، وارتفاع عدد المقاعد التي يحصل عليها. كما أن هناك دعم آخر تستفيد منه الأحزاب كل أربع سنوات لتغطية مصاريف عقد مؤتمراتها، ويساوي 50 بالمائة من مبلغ الدعم  السنوي.
وبذلك، يمكن للحزب أن يعتمد على غلاف مالي قدره 14 مليون درهم، 67 في المائة منه مخصص لتغطية تكاليف أكثر من 350 محطة محلية متفرقة في البلاد، ومن المتوقع أن تصل تكاليف تنظيم المؤتمر السابع إلى 4 مليون درهم، في الوقت الذي يحتفظ الحزب ب3 مليون درهم لسد احتياجات إدارته المركزية بالرباط.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية، قرر إرجاع 20 مليون درهم إلى الدولة، وهو المبلغ المتبقي من هبة الدولة التي منحت للحزب خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة. وبذلك يكون صرف 34 مليون درهم من 54 مليون درهم.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.