حامي الدين : لم يسبق أن حظيت حكومة معينة بالثقة الشعبية التي حظيت بها الحكومة الجديدة

12-04-06
قال عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إنه “لم يسبق في تاريخ المغرب أن حظيت حكومة معينة بالثقة الشعبية التي حظيت بها هذه الحكومة”، مؤكدا أن بعض الاختلافات التي تبرز من حين لآخر هي اختلافات عادية وطبيعية، وأن الممارسة اليومية داخل الحكومة والبرلمان هي التي ستكشف عن مدى تماسك الأغلبية من عدمه.
وأضاف حامي الدين في حوار مع أسبوعية “الأيام” في عدد يوم الخميس 05 أبريل 2012، أن المغرب اليوم اختار التعامل مع رياح الربيع العربي بطريقة مختلفة عن البلدان العربية الأخرى وقد نجح في الشوط الأول، والجميع يترقب نتيجة الشوط الثاني لتأكيد أطروحة الاستثناء المغربي، مشيرا إلى أن النتيجة الطبيعية لتأكيد ذلك هي نجاح التجربة الحكومية الحالية، ووضع المغرب في سكة الديموقراطية الحقيقية وفي سكة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والقطع مع جذور الفساد والإفلات من المحاسبة والمراقبة.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا :
كنتم في الحزب خارج الحراك الذي عاشه المغرب، ورغم ذلك هناك من يعتبركم أكبر مستفيد منه، ما تعليقك؟
 لا أتفق معك على أن الحزب كان خارج الحراك الذي عاشه المغرب، واسمح لي أن أذكر ببعض المحطات الأساسية في هذا الباب، فالجميع يتذكر أن حزب العدالة والتنمية كان يعيش معركة شرسة ضد مجموعة من مراكز النفوذ، خصوصا بعد أحداث 16 ماي الإرهابية، وتعرض لضغوطات قوية من أجل الحد من حضوره السياسي، ترجم ذلك في الانتخابات الجماعية للعام 2003 والانتخابات التشريعية لسنة 2007، وتوج بتأسيس حزب السلطة الذي رفع منذ اليوم الأول شعار محاربة حزب العدالة والتنمية، قبل أن ينخرط في توجه هيمني واضح مع تمكينه من الرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية لـ2009.. في خضم هذه الضغوطات لم يستسلم حزب العدالة والتنمية وإنما ظل وفيا لبرنامجه السياسي المتمثل في أطروحة النضال الديموقراطي التي صادق عليها المؤتمر الوطني السادس.
وحينما اندلعت الثورات العربية في كل من تونس ومصر، ونزل شباب 20 فبراير إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الفساد والاستبداد، وقع نقاش كبير داخل حزب العدالة والتنمية حول المشاركة في هذه المسيرات.. وأذكر في هذا الصدد أنني شخصيا رفقة مجموعة من القيادات الحزبية انخرطنا في مساندة مسيرات 20 فبراير وأصدرنا بيانا نوضح فيه للرأي العام أن مطالب 20 فبراير تتقاطع مع أطروحة النضال الديموقراطي لحزب العدالة والتنمية ووضعنا سقفا لنضالنا الميداني، وهو المتمثل في تحقيق ملكية برلمانية حقيقية، كما وقعت مجموعة من القيادات الحزبية بيان “التغيير الذي نريد” رفقة مجموعة من الشخصيات السياسية والحقوقية المساندة لحركة 20 فبراير. للأسف حصل أن مجموعة من القوى السياسية والإسلامية رفضت الاتفاق على سقف محدد للمطالب، وهو ما ساهم في إضعاف انخراط حزب العدالة والتنمية في احتجاجات 20 فبراير بشكل بارز، مفضلا النضال بطريقة مختلفة تمثلت في الحركية السياسية القوية التي برزت في صياغة مذكرة الإصلاحات الدستورية التي كانت من أجود الوثائق باعتراف العديد من المراقبين، وقد كان لحزب العدالة والتنمية تأثير واضح في إقناع المغاربة بخيار الإصلاح في ظل الاستقرار، وهو ما تجاوب معه الشعب المغربي يوم 25 نونبر 2011 وبوأ لحزب العدالة والتنمية الرتبة الأولى، ما مكنه من قيادة الحكومة لأول مرة في تاريخ المغرب.

بعد ذلك تعرض الحزب لوابل من الانتقادات عقب تعيين الحكومة وترهل في الأغلبية، هل يستطيع الحزب الإسلامي أن ينجح وسط هذه الضغوط والظرفية الاقتصادية الصعبة؟

 أولا، نحن لا نحبذ استخدام مفهوم الحزب الإسلامي، نحن نفضل مفهوم الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية، والفرق بين المفهومين يختزل الكثير من الدلالات المهمة. ثانيا، لا أتفق على وصف الأغلبية بالمترهلة، ربما لم يسبق في تاريخ المغرب أن حظيت حكومة معينة بالثقة الشعبية التي حظيت بها هذه الحكومة، صحيح أن الأغلبية الحالية هي إفراز لواقع انتخابي أكثر منه سياسي، لكن جرت مياه كثيرة من التفاهم والتوافق بين حزب العدالة والتنمية وبين الأحزاب المشكلة لليوم للحكومة، ويمكن أن أؤكد لك أن بعض الاختلافات التي تبرز من حين لآخر هي اختلافات عادية وطبيعية، غير الطبيعي هو أن يكون هناك تطابق تام في وجهات النظر وفي الخطاب السياسي بين أحزاب لم يسبق لها العمل المشترك من موقع التدبير الحكومي.. وأعتقد أن الممارسة اليومية داخل الحكومة والبرلمان هي التي ستكشف عن مدى تماسك الأغلبية من عدمه، أما الاختلافات في وجهات النظر فهذا أمر طبيعي وحيوي، بل ومطلوب في بعض الأحيان.
أما عن إمكانيات النجاح فهذه مسؤولية الحكومة بأكملها وليست مسؤولية حزب العدالة والتنمية لوحده، كما أنها مسؤولية جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، لأن المغرب اليوم اختار التعامل مع رياح الربيع العربي بطريقة مختلفة عن البلدان العربية الأخرى وقد نجح في الشوط الأول، والجميع يترقب نتيجة الشوط الثاني لتأكيد أطروحة الاستثناء المغربي، والنتيجة الطبيعية لتأكيد ذلك هي نجاح التجربة الحكومية الحالية، ووضع المغرب في سكة الديموقراطية الحقيقية وفي سكة الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي والقطع مع جذور الفساد والإفلات من المحاسبة والمراقبة.

هل صحيح أن تدبير العدالة والتنمية للمرفق العام استمرارية لبرنامج سابق، وليس للمصباح جديد في ساحة تسيير الشأن العام؟
من السابق لأوانه إصدار مثل هذه الأحكام، نحن في مرحلة انتقالية صرفة، والجميع مطالب بالتكيف معها بالشكل الذي يخدم مصلحة البلاد والعباد. هناك عناصر استمرارية في البرنامج الحكومي الحالي..هذا طبيعي، لكن من المؤكد أن البرنامج الحكومي حافل بالكثير من الإجراءات الجديدة التي تشكل قطيعة مع التجارب السابقة. لكن المهم أن الحكومة الحالية تشتغل في سياق سياسي جديد مختلف تماما عن التجارب الحكومية السابقة.
لقد أصبح مجلس الحكومة يقرر في السياسات العمومية والسياسات القطاعية وفي القضايا الراهنة المرتبطة بحقوق الإنسان وبالنظام العام وفي مشاريع القوانين، ومنها قانون المالية الذي تعرض توجهاته العامة بالمجلس الوزاري، وفي مراسيم القوانين وفي مشاريع المراسيم التنظيمية، وفي المعاهدات والاتفاقيات الدولية قبل عرضها على المجلس الوزاري، وفي تعيين الكتاب العامين ومديري الإدارات المركزية في الإدارات العمومية ورؤساء الجامعات والعمداء، ومديري المدارس والمؤسسات.
كما أن التعيين في بعض الوظائف داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك ينبغي أن يتم في دائرة المقترحين من طرف رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، وذلك في الوظائف المدنية التالية: والي بنك المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولون عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي، والمسؤولون عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية.
إن المكانة التي يحتلها رئيس الحكومة في الدستور الجديد تجعل منه الرئيس الفعلي للسلطة التنفيذية إذا حرص على ممارسة مهامه الكاملة كما هو منصوص عليها دستوريا.
كما أن تعيين والي بنك المغرب والولاة والعمال والسفراء ومديري المؤسسات العمومية الإستراتيجية لا يخرج عن دائرة الرغبة التي يعبر عنها رئيس الحكومة من خلال سلطة الاقتراح.
الحكومة مطالبة بممارسة سلطتها التنفيذية الكاملة في ما يتعلق بتحديد السياسة العامة للدولة، كما تتحمل مسؤوليتها الكاملة أمام البرلمان انسجاما مع قاعدة الربط بين تعيين رئيس الحكومة ونتائج الانتخابات التشريعية لمجلس النواب، ومع قاعدة ربط المسؤولية العمومية بالمحاسبة ومع تقوية سلطة رئيس الحكومة على الوزراء بصفته رئيسا للسلطة التنفيذية ويتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة وعلى الإدارة العمومية ويتولى قيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، كما يوقع على الأعمال الملكية بالعطف طبقا لما يحدده الدستور، حتى يتحمل رئيس الحكومة مسؤوليته الكاملة باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية.
طبعا علينا أن نذكر بأن الحكومة الحالية تشتغل في ظل الدعم الملكي المطلق لهذه التجربة، وهذا شيء أساسي، سيساعد على ترسيخ تقاليد سياسية جديدة تتجاوز منطق التنازع لتؤسس لمنطق التفاهم والتعاون انطلاقا من احترام تام لمقتضيات الدستور الجديد.

القائلون بهذا الكلام يعتبرون أن الحكومة تخطو أولى خطواتها نحو “فشل متوقع”، هل تشاطرونهم أم تخالفونهم الرأي؟
 الذين يتوقعون الفشل لهذه الحكومة ينبغي أن يساهموا من موقع النقد البناء والمسؤول لتفادي سيناريو الفشل..المشكلة مع من يتمنون فشل الحكومة ويسعون إلى إفشالها عبر جميع الوسائل..هؤلاء ندعوهم إلى تقدير مصلحة الوطن قبل كل شيء والترفع عن الحسابات الأنانية والحزبية الضيقة..الغريب أن تلتقي إرادة بعض المستفيدين من الوضع السابق مع رغبة بعض القوى الراديكالية الموجودة في الشارع حول برنامج واحد هو: إفشال الحكومة. وهو أمر عجيب، فالتطرف الموجود في الشارع يخدم التطرف الموجود داخل بعض مؤسسات الدولة من حيث لا يشعر.

 هناك نقاش حول فصل قيادة الحزب عن التدبير الحكومي، هل تعتبر هذا الأمر واجبا؟ ولماذا؟ وربما أن التدبير الحزبي يمكن أن يختلط بالتدبير الحكومي كما حدث في عهد عبد الرحمان اليوسفي وعباس الفاسي، كيف يمكن تجاوز هذا الأمر؟ وما هي الحلول الممكنة؟
 النقاش داخل الحزب حول هذه النقطة لازال في بدايته، لكن هناك وعيا كاملا داخل قيادة الحزب بضرورة استمرار الحزب في القيام بوظائفه الحيوية والطبيعية المتمثلة في التأطير السياسي للمواطنين وفي تكوين الشباب على قيم العمل السياسي النبيل..بالموازاة مع الانخراط الكامل في دعم التجربة الحكومية الحالية..وأعتقد بأن المؤتمر الوطني السابع سيجيب عن هذه الأسئلة بشكل واضح.

الأرقام التي أعلنها الحزب والتصريح الحكومي بخصوص معدل النمو محيرة، وإعلان والي بنك المغرب توقعاته بأن نسبة نمو العام الجاري لن تتجاوز عتبة 3 في المائة في الوقت الذي تتوقع الحكومة أكثر من ذلك بنقطة مئوية، أليس هذا ضربا من ضروب الحيرة التي يعيشها الرأي العام؟
 الذين يغذون هذه الحيرة هم الذين يقومون بخلط الأوراق أمام الرأي العام، فالبرنامج الانتخابي للحزب تحدث عن رقم 7 في المائة كهدف ينبغي تحقيقه في نهاية الولاية الحكومية، أي بعد خمس سنوات، والبرنامج الحكومي تحدث عن رقم 4,4 في المائة بالنسبة للسنة الحالية فقط، أما دخول والي بنك المغرب على خط التوقعات فأعتقد بأن التصحيح الذي قام به الأخ إدريس الأزمي الإدريسي، الوزير المكلف بالميزانية، كفيل بتوضيح الالتباس أمام الرأي العام.

هناك من يقول بأن العدالة والتنمية يسير الدولة بمنطق الحزب، ما رأيك؟
 ليس من الممكن تسيير الدولة بمنطق الحزب، لأننا نتحدث عن مؤسسات مختلفة ولا مجال للمقارنة بينها، وإذا اعتمد حزب العدالة والتنمية هذا المنطق فسيكون مآل تجربته الفشل.

 هل توجد فعلا، كما يردد، جيوب مقاومة تحارب تنفيذ برنامج الحكومة؟ ومن تكون؟
 من الطبيعي أن هناك أطرافا معينة لا يروقها التحول الذي حصل في المغرب، وهناك أطراف كثيرة حاربتنا في السابق لا أعتقد بأنها ستتراجع بسهولة عن منطقها الاستئصالي وإن كانت رياح الربيع العربي قد حدت من شراسته وأثرت في فعاليته.
لكن هناك محاولات لإعادة تموقعها في الساحة عبر تسويق “نظرية الفشل الحكومي” حتى قبل أن تكمل الحكومة شهرها الثالث، وربما سمعتم عن البعض الذي يقول بأنه جاهز لملء فراغ الحكومة في حال فشل التجربة الحالية..وهذا الكلام ليس نابعا من فراغ..
كما أن هناك من يسعى إلى تغذية الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية وإلباسها لبوسا سياسيا لجر الحكومة إلى مواجهات ليست مسؤولة عنها، كما أن هناك عقليات داخل السلطة لم تتكيف بعد مع مستلزمات التحولات الجديدة من قبيل الإفراط في استخدام القوة ضد بعض التظاهرات بشكل سلمي.
لكن كل هذه المحاولات ستبوء بالفشل ـ إن شاء الله ـ إذا استمرت الحكومة المدعومة بإرادة المواطنين في نهجها الإصلاحي بوتيرة سريعة وبخطوات ثابتة لا مجال فيها للتردد والتراجع.

حاوره: مصطفى منصور

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.