الداودي يشرح أوراش إصلاح التعليم العالي لأسبوعية “تشالانج”

12-05-23
أجرت أسبوعية “شالانج”، مقابلة  مطولة مع لحسن الداودى، وزير التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، تناول فيها مجموعة من القضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام، على رأسها أوراش إصلاح التعليم العالي، وتنامي الطلب على القطاع وتحسين جودته.
في ما يلي نص الحوار:
كيف تقيمون قطاع التعليم العالي ؟
بعد دراسة معمقة للملفات وجولة على المعايير الدولية في هذا المجال، لاحظنا أن الجامعة المغربية لا تحظى بالتأطير المطلوب. إذ لم يتمكن المغرب من جذب الحد الأدنى من الطلاب إلى الجامعات؛ هناك فقط  480.000 طالب جامعي وهو رقم هزيل بالنسبة لساكنة تقدر بثلاثين مليون نسمة. بالموازاة مع هذا، لا نتوفر إلا على عدد ضئيل من أساتذة السلك العالي إذ لا يتجاوز 10.000 أستاذ لتدريس 480.000 طالب. في الوقت الذي توفرت تونس سنة 2010 على 20.000 أستاذ  لـــ 350.000 طالب. وبالنظر إلى هذا الوضع، تم إطلاق خلية للتفكير حول كيفية الرفع من مستوى الطلاب.
مع الأسف، ميزانية الدولة لم تخصص لنا سوى 300 منصب مالي وهو رقم هزيل جدا، وفي حالة تجاوز عدد الحاصلين على شهادة الباكلوريا برسم السنة القادمة عتبة 30 في المائة، لا نعرف أين سنضعهم ؟ ومن ثم فإن الوضعية متأزمة للغاية.
 تعيش الجامعة المغربية تناقضا حقيقيا. فهي تعاني من معدل تأطير منخفض من جهة، و طلاب جامعيين دون العدد الكافي، من جهة أخرى، كيف السبيل لحل هذا التناقض على الأرض؟
ليس لدينا عصا سحرية حتى نحل مشكلا بهذه الدرجة من التعقيد، وبالتالي، سوف نعمل على رفع مستوى العرض عن طريق إجراء هو الآن حيز التطبيق. كما أن المنطق يستوجب دعوة الجامعات العالمية الكبيرة للاستقرار بالمغرب . ولهذا الشأن، استقبلنا في 17 من ماي معهد العلوم التقنية المتعدد الاختصاصات لمدينة برشلونة لفتح النقاش في هذا الموضوع. كما أن هناك اتصالات مع معهد باريس التقني ومع جامعات كندية وألمانية  كما دخلنا في محادثات مع جامعتين في كوريا الجنوبية والهند، حصلنا من خلال الأولى على منحتين ارتأينا أن نوجهها في مجالي صناعة السيارات والطائرات، وحصلنا من خلال الثانية على13 منحة لإعادة تكوين مهندسين في المعلوميات. ولحسن الحظ، هناك عدد كبير من المغاربة يريدون الاستثمار في الجامعات الحرة.
تكمن الفكرة في تنويع العرض لضمان مستوى عال كمّا وكيفا. سوف تخصص هذه الجامعات الحرة 20 في المائة من مقاعدها للطلبة المستحقين الذين لا يتوفرون علي إمكانيات مادية، لأن هذه الجامعات الحرة هي نتيجة شراكة بين القطاعين العام والخاص. فهذه هي نقطة القوة التي نعتمد عليها من أجل تحسين العرض، كما أن المنطق يستوجب جلب الجامعات التي تستجيب لحاجياتنا. وبمفهوم أخر، لن نستدعي كليات القانون والأدب مثلا. وأقول بأن هذا الاختيار من شأنه أن يجعل من المغرب مجمعا أكاديميا يجذب عددا أكبر من الطلاب الأفارقة الذي وصلوا حاليا إلى 8000 طالب.
يزعم الكثير بأن الجامعات المغربية تخرج أفواجا من المعطلين، وبالتالي جلب جامعات حرة لا يشكل في نظرهم أولوية، ألا تظنون بأن الرفع من مستوى الجامعات الموجودة أصلا سيكون أكثر إفادة ؟
صحيح أن هناك حاملي دكتوراه وماستر في عداد المعطلين، ليس لأنهم يشكلون فائضا بل فقط لأن الاقتصاد لا يعمل بكيفية جيدة. فالحاجة إليهم جد ملحة على مستوى جميع الإدارات ولكن ليس لدينا موارد كافية لسدها. لو كانت عجلة الاقتصاد تدور بشكل طبيعي لما كان هناك عاطل واحد في الشارع. وأكثر من هذا، لو كانت المدارس الحرة تُشَغِّل، لما وجد دكتور واحد معطل عن العمل. ولهذا نوجه دعوة إلي المدارس الحرة بأن تقوم بمجهود على مستوى التشغيل. كل هذا لا يجب أن يمنعنا من الاستمرار في التكوين، فحاجيات المغرب ضخمة والعرض الحالي لا يسمح لنا بتلبية الطلب.
المغرب في حاجة إلى 3000  مهندس معماري ولا نستطيع تكوينهم في الظروف الحالية. كما أن المغرب في حاجة إلى أخصائيين في الطب وإلى مهندسين و 7000 طبيب عام، أما الممرضون فحدث ولا حرج. هذه كلها أسباب نحاول من خلالها مراجعة المناخ البيئي للتعليم العالي بهدف تحسين الوضع العام.
وكيف تنظرون لهذا المناخ البيئي ؟
ستضم سلسلة التعليم العالي : المدرسة الحرة والمدرسة العمومية – الحرة ثم المدرسة العمومية. سنبذل كل جهودنا لتطوير الشراكة العمومية والخاصة. ومع هذا سوف نفتقر لحلقة من هذه السلسلة وهي حلقة التعليم عن بعد. للأسف، القانون المغربي لا يأخذ بعين الاعتبار هذا المعطى الحيوي. لقد سافرت إلى إثيوبيا لحضور لقاء مخصص للتعليم عن بعد. ولدينا مشروع في هذا الاتجاه ونحن منكبون حاليا عليه. إذا نجحنا في تنويع العرض، سيصبح للمغرب إشعاع كبير وجامعات وطلاب من كل الأقطاب.
يبدو أن هناك مجهودا ضخما لجلب الجامعات الأجنبية، أليس هناك تفكير في فتح مؤسسات مغربية مائة بالمائة ؟
بكل تأكيد، سوف نخلقها هي بدورها، ولكن ليس بنفس الإيقاع لأنه بطيء للغاية. يجب أن نعرف بأن خلق مدرسة عمومية يتطلب دراسات مسبقة، و فتح أوراش لبنائها، تم بعد هذا كله، تخصيص ميزانية قارة لها و فاصل زمني لا يقل عن ثلاث سنوات. وهذا لا يخدم مصلحتنا في الظروف الحالية. نتوفر على مشروع بناء كليتين للطب في طنجة وأكادير. كما نعتزم خلق مدرسة وطنية للتجارة والتدبير في الداخلة و ملحق للقرويين في السمارة ومدارس تقنية مختصة أخرى، ولكن الإيقاع بطيء. إذا لم نتوفر على إمكانيات لتنفيذ سياستنا، فيجب أن تكون لدينا سياسة لإمكانياتنا، وهذا ما نقوم به. بما أنني لا أستطيع تلبية الطلب على التعليم اعتمادا على إمكانياتي الذاتية، سأفتح بوابات أخرى  أولها الشراكة بين القطاعين الحر والعمومي. إنها نافذة الإغاثة الوحيدة وليست هناك نوافذ أخرى.
إذا كنتم تفتقرون للإمكانيات، فكيف يمكنهم مواكبة الاستثمار في الجامعات الحرة ؟
نحن بصدد خلق صندوق بمساعدة البنوك لمواكبة الاستثمار الضروري لبناء هده الجامعات الأجنبية. ونواصل استعداداتنا إلى جانب القطاع الخاص المغربي.  
هلا أعطيتنا فكرة عن الغلاف المالي لهذا الصندوق؟
لا شيء تقرر لحد الآن، توصلت بأول عرض ونحن نتفاوض حاليا مع البنوك المغربية. وهناك بنك  بعث لنا بتصوره، ولدي لقاء مع بنك ثاني. ويمكن أن أؤكد لكم أن كل ما تم اقتراحه مهم جدا، والأهم من هذا، هو أن هناك مستثمرون مستعدون لتمويل القطاع. هناك مناخ جد ممتاز يخيم على القطاع، وإذا استطعنا ترجمته إلى الواقع، فسوف نحل إشكالية الجامعة المغربية.   
فيما يخص التعليم الحر، قمتم بعدة تصريحات أعلنت عبرها بأن وقت التطهير قد حان ، لكن هل لديكم جهاز للمراقبة وتحديد العقوبات، يمكنكم، في حالة تكرار الخطأ، من الذهاب بعيدا في هذا الإجراء الخاص بكم ؟
لا يمكن وضع شرطي أمام باب كل مدرسة، وهناك ميثاق شرف يتعين على الجميع احترامه. التعليم مهمة، ونريد أن يصبح التعليم الخاص شريكا لنا، وهو بالفعل كذلك. وهذه هي الرسالة التي نريد أن نروج لها. حتى وكالة إصدار الاعتماد، التي سنحدثها لإنهاء مشكل التأخير في اعتماد الديبلومات، سوف ننشئها عن طريق الشراكة. ولكن دعني أوضح أولا أنه لن يكون هناك مكان للأشخاص الذين يعتبرون التعليم فقط مصدرا للربح.
لماذا توقفتم عن إعطاء المعادلة لشركائكم الخواص؟
المعادلة نقطة مهمة جدا. عندما تبلغ مدرسة ما حجما معينا، يمكن التفكير في إعطائها المعادلة. ولكن عندما تكتفي مدرسة بمقر في حجم منزل، وتدرس شعبة أوشعبتين، فإنها تبقى بعيدة عن الحق في طلب المعادلة. الجامعات الحرة الكبيرة في كل من الرباط والدار البيضاء يمكن لها التوجه نحو شراكة حرة-عمومية تخول لها الحصول على المعادلة. وعندما أقول ليست هناك معادلة، فأنا أتحدث عن الحاضر لأن المستقبل لا أملكه.  
المحير هنا هو أن من يطالب بالمعادلة ليس المدارس بل الطلبة؛ الذين ينهون دراستهم في مؤسسات معتمدة من لدن وزارتكم وهذه الأخيرة ترفض في آخر المطاف منح هؤلاء الطلاب حق المعادلة. ألا يعني هذا وجود مشكلة في مكان ما؟
لماذا تضعون المعادلة والاعتماد في كفة واحدة؟  أنواع التكوين المعتمدة في فرنسا هل كلها معترف بها ؟ لا وبكل تأكيد؛ لأن الاعتماد ليس إلا رخصة للقيام بعمل وفق بعض الشروط. وللأسف، ليس لدينا الوسائل الكفيلة لمراقبة مدي احترام هذه الشروط.
وهل يمكن للطالب، قبل اختيار مدرسته، أن يعرف مسبقا ما إذا كانت هذه المدرسة تتمتع بالمعادلة أم لا ؟
ليس كل الطلبة في حاجة إلى المعادلة. عندما يتوجه طالب ما نحو دراسة الهندسة والتصميم الداخلية، أو نحو التخصص في العلاج الطبيعي فلن يكون في حاجة إلي معادلة دبلومه؛ لأن الدولة ليست في حاجة ماسة لهذا النوع من التكوين. هناك أنواع من التكوين مسلمة بطريقة أوتوماتيكية للتعليم الخاص. ولكي تستفيد من المعادلة، على المدارس الحرة احترام إلى دفتر تحملات؛ ونادرا ما تفعل ذلك. لهذا، كيف تريدون مني إعطاء المعادلة لمدرسة لا تتوفر علي نفس المعايير المتوفرة لدى المدارس العمومية ؟
ولكن إذا لم تستجب مدرسة ما لدفتر تحملات، فكيف لها أن تعطي دروسا و توزع دبلومات ؟
لا يمكن بين عشية وضحاها فرض على كل مدرسة أن توظف 30 في المائة من الأساتذة. يجب أن نكون واقعيين. ثم إن المدارس الحرة تتمتع بليونة كبيرة في الاستجابة لحاجيات السوق الخاص. تصوروا أن الجميع يقوم بالتكوين فقط لصالح الإدارة العمومية، لن نكون رابحين في هذه الحالة، و القطاع الخاص كذلك، لن تكون لديه أي قيمة مضافة، فهو الذي يولد أغلبية المقاولات المغربية والأجنبية.
ومع هذا، فالمعادلة بمثابة الجسر الذي يحافظ علي الرابط بين القطاعين العام والخاص. فكل حاصل على دبلوم يجب أن تكون لديه إمكانية العمل بالقطاعين على حد سواء ؟
إنكم تطرحون الاعتبارات الإيجابية فقط. لدينا الآن سياسة الدولة التي تريد أن تتكفل المدارس الحرة بسوق المقاولة نظرا ليونتها في التكيف مع حاجيات المقاولات. على عكس المدارس العمومية التي تكتفي بتغطية حاجيات الإدارة؛ كما هو الشأن بالنسبة للمدارس الوطنية للتجارة والتدبير والمدرسة العليا للتجارة وإدارة المقاولات. لست في حاجة  لأن  تقوم مدرسة خاصة بما تقوم به المدارس الوطنية للتجارة والتدبير والمدرسة العليا لإدارة المقاولات لصالح الدولة.
إذا، تتمسكون بفكرة المدارس العمومية للإدارة والمدارس الحرة للقطاع الخاص ؟
هناك تكامل  بين المدرستين؛ بمعني أنهما ليستا في وضعية التنافس الشرس. فالمدارس العمومية تنافس لحد ما، ولكن المدارس الحرة لا تنافسنا. ولهذا فعلى المدارس الحرة أن توسع مجال تدخلها إلى نطاق أوسع، حتى تتحقق التكاملية. ومن ناحية أخرى، نقوم بما في وسعنا من أجل تسهيل المعادلة للدكاترة. ذلك أنه عندما يذهب طالب مغربي حاصل على باكلوريا + 3 سنوات في المغرب، إلى الخارج لمتابعة الدكتوراه، و يعود لا يجد معادلة لشهادته لأنه في حاجة إلي معادلة الإجازة والماستر كذلك.
 والفكرة هي تسهيل المسطرة بأن لا نطلب منه سوى الدبلوم الأخير. فالمغرب بحاجة إلى هؤلاء الدكاترة لماذا نحرم بلادنا من خدماتهم، وسيشكل هذا الإجراء انفتاحا على المعادلة.

ترجمة الموقع الإلكتروني

pjd.ma

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.