حقوقيون يسلطون الضوء على “عقوبة الإعدام” في ندوة علمية لمنتدى الكرامة

في ندوة علمية، عقدت اليوم السبت بالمكتبة الوطنية بالرباط، سلط منتدى الكرامة لحقوق الإنسان الضوء على موضوع “عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء”، التي تعتبر، حسب أرضية الندوة، من “المواضيع الإشكالية الكبرى المطروحة على طاولة الحوار بين الحقوقيين ورجالات القانون”.

وتأتي هذه الندوة، حسب المصدر ذاته، في إطار استعداد المنتدى لتنظيم مؤتمره القادم، وفي سياق اعتماد المغرب للخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان التي دعت إلى مواصلة الحوار والنقاش أمام المختصين حول عقوبة الإعدام.

إبقاء عقوبة الإعدام

أكد محمد جلال امهمول، محام وأستاذ القانون الجنائي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، أن مقاربة عقوبة الإعدام تحتاج إلى “مقاربة علمية مؤسسة على معطيات قانونية ومرجعيات في التشريع المحلي والدولي بعيدا عن العاطفة”، مشيرا إلى أن هذه العقوبة تؤطر ضمن مكون الإجرام التي يؤطر بدوره في إطار القانون الجنائي والعلوم الجنائية.

وأوضح امهلول، أن هذا الموضوع لا يجب أن يعطى له اهتمام أكثر مما يجب أن يكون، وذلك مقارنة مع الكثير من الاختلالات التي يعرفها نظامنا الجنائي، باعتبار أن ما يعاني منه نظامنا الجنائي يجعل مناقشة عقوبة الإعدام يأتي في الدرجة الخامسة أو السادسة بعد هذه الإشكالات، فهو، حسب المتحدث ذاته، “تضييع لطاقة المهتمين”.

ودافع المتحدث ذاته، عن الإبقاء على عقوبة الإعدام، من حيث أنها لا تمس في مبدأ الحق في الحياة، كما يقول المدافعون عن طرح الإلغاء، بل يقول امهلول، إن هذا الاستدلال ليس في محله، فالدستور الذي دعا إلى حق الحياة هو نفسه الذي دعا لحماية حرية الأشخاص التي لا يجب أن تمس، وحقه في التجول والتملك والحقوق السياسية والحريات المدنية، إذا بهذا المنطق، “لا يمكن معاقبة أي أحد، فلا يمكن معاقبة أحد بالسجن لأن فيه مس بالحرية، ولن يتم إقرار الغرامة لأن فيها مس بممتلكاته”.

وأوضح أستاذ القانون الجنائي، أن الإعدام، عقوبة فيها علاقة بين الدولة والمجتمع، وهو مرتبط بعملية مأسسة  العنف المشروع الذي تمارسه باسم المجتمع بهدف حمايته وفرض قواعد النظام العام، وبالتالي، فالاستدلال، يرى أمهلول، يدخل في إطار المقاربة “السطحية وليس العلمية”، مشددا على أنه “لا يمكن تصور القانون الجنائي بدون عقوبة الإعدام فليس هدفه القتل بل حماية المجتمع”.

إلغاء عقوبة الإعدام

في الجهة المقابلة، يرى محمد احداف، محام بهيئة الرباط، أن التوجه العالمي يتجه لإلغاء عقوبة الإعدام، فهي آلية، حسب الباحثين والمتخصصين، لا تحقق الردع المرجو منها، مشيرا  إلى أنه لا يمكن الحكم على شخص بالإعدام في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية لعدم ظهور معطى جديد قد يثبت عدم صوابية الحكم بالإعدام.

وأشار احداف، إلى أنه في التجربة الأمريكية مثلا، تم الكشف عن 164 حالة خطأ قضائي، منذ سنة 1973 إلى اليوم، وذلك باستعمال الحمض النووي، منبها إلى أن هذا يمكن أن يتعزز أكثر في التجربة المغربية التي لا تتوفر على الوسائل والإمكانيات اللوجيستيكية ووسائل الإثبات، معتبرا هذا المعطى “مهما لوقف حكم الإعدام بشكل نهائي”.

وأوضح أحداف، أن الداعين لعقوبة الإعدام كانوا يراهنون على علانيتها لكي يكون لها اثر، لكن الذي حصل هو العكس، حيث أثبتت التجارب والأبحاث العلمية، أن الردود تكون سيئة، وان في ذلك إساءة للشخص الذي سينفذ في حقه حكم الإعدام، إضافة إلى بروز روح وفلسفة حقوق الإنسان، حيث تم إنهاء هذا الأمر في ساحات لندن وبركسيل وغيرها في محطة تاريخية من تاريخ هذه الدول، التي كانت تعد مسارحا لتنفيذ هذه العقوبات ليتم الانتقال بعد ذلك للسرية في تنفيذها.

ارقام ومؤشرات

في الجانب الآخر، أكد عبد اللطيف الحاتمي، محام بهيئة الدار البيضاء، أن 57 دولة متمسكة بالإعدام وتستند في ذلك، إلى مبررات أهمها خفض الجريمة، واعتبار ذلك الوسيلة المثلى لإقامة العدل، ومعاملة الجاني بالمثل،  والحفاظ على النظام العقابي، ثم الاستقرار السياسي، إضافة إلى الأسس والمنطلقات الدينية، باعتباره حدا من حدود الله، مشيرا في هذا الصدد، إلى أن أول من دعا إلى إلغاء عقوبة الإعدام، هو الفقيه الايطالي سيزار بيكاريا سنة 1746.

وأشار الحاتمي، إلى أن وضعية المغرب في أمر الإبقاء أو إلغاء الإعدام تبقى غير طبيعية، لأنه يعتبر من بين الـ 36 دولة التي أقرت الإعدام لكن بدون تطبيقه، بحيث إن هناك 115 محكوما عليه بالإعدام الذين ينتظرون تنفيذه، وآخر تنفيذ لحكم الإعدام بالمغرب كان سنة 1993 أي ما يقارب 20 سنة، مؤكدا في هذا السياق، أن عملية الإعدام في كثير من الأحيان لا تراعي معطى مهما مرتبطا بأولياء الدم الذين لا يستشارون في الأمر، بحيث يمكن لرأيهم أن يكون مهما في هذا الجانب في أخذ القصاص  من عدمه.

إلى ذلك، أشار المتحدث ذاته، إلى شروط يجب أن تراعى في حالات الإعدام، ومرتبطة بصدور الأحكام من طرف أعضاء الهيئة المختصة وذلك بالإجماع، ثم تأجيل عقوبة الإعدام في حق المحكوم عليه إلى ما بعد استنفاذ جميع طرق الطعن، وتأجيله أيضا إلى ما بعد رفض العفو الملكي أو إلى ما بعد تقادم العقوبة لاستبعاد الخطأ القضائي.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.