ما مدى خطورة الدين العمومي على وضعية الاقتصاد المغربي؟

خالد فاتيحي

يتتبع الرأي العام بين الفينة والأخرى، نقاشا حول توازن ميزانية الدولة والوضعية الاقتصادية للمملكة في ظل تحدي التوازنات الماكرواقتصادية، وما يصاحب ذلك من خرجات إعلامية متواترة لبعض الفاعلين الحزبيين والمؤسساتيين، بخصوص حجم الدين العمومي بالمغرب، ونسبته الحقيقية مقارنة مع الناتج الداخلي الخام، وكذا مدى خطورته على المالية العمومية وعلى الاقتصاد الوطني.

وتحاول بعض هذه الخرجات الإعلامية، ترسيخ انطباع سلبي وإثارة مخاوف غير حقيقية حول مخاطر نسبة الاستدانة بالمغرب، بالرغم من المجهودات الحكومية المبذولة على صعيد ترشيد اللجوء إلى الاستدانة، عبر ربط هذه العملية بالاستثمار العمومي

وإذا كان الدين العمومي، في حد ذاته يعتبر بمثابة موارد مالية استثنائية للدولة، فإن الرأي العام عادة ما يأخذ انطباعا سلبيا حول هذا الموضوع دون أن يوازي ذلك نقاش حقيقي حول وضعية الاقتصاد الوطني وأهمية الإصلاحات الكبرى التي شهدها خلال السنوات الأخيرة، وكذا حجم الدين العمومي  ووظيفته ودوره الاقتصادي والمالي في ظل التوازنات الكبرى التي لا زالت نقطة قوة حقيقية للاقتصاد الوطني.

ترشيد الاستدانة

وفي هذا الإطار، يؤكد عضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب عبد اللطيف بروحو ، أنه “يتعين الوقوف من جهة على المجهودات الحكومية المبذولة منذ عدة سنوات لترشيد التدبير المالي العمومي لتفادي أية مخاطر من هذا النوع، والتي نجح فيها المغرب بشكل كبير مما أدى لتحسن مؤشراته المالية والجاذبية الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة”.

 ومن جهة ثانية، يردف بروحو، في حديثه لـ ” pjd.ma”أنه ” يتعين التركيز على احترام المغرب حاليا للقواعد الذهبية للتدبير المالي العمومي، وهي القواعد المحددة لمؤشرات الصحة المالية للدول في مختلف التجمعات الاقتصادية”، مسجلا أن “عددا من الدول الأوربية، لم تستطع احترامها أو الالتزام بها بشكل صارم”.

وأكد الباحث في المالية العمومية، أن التدبير المالي العمومي بالمغرب منذ عقود، كان يفتقد لهذه القواعد، مما أدى في فترات سابقة لحدوث هزات اقتصادية ومالية حقيقية، مشيرا إلى أنه منذ بداية الألفية الحالية بدأت محاولات التحكم في عجز الميزانية عبر الموارد الاستثنائية.

 وأوضح بروحو، أنه “إذا كان اللجوء للاستدانة، يعتبر بمثابة المقابل الحسابي والمالي لعجز الميزانية، فإن لجوء المغرب خلال الفترة من 2002 إلى 2009 لموارد استثنائية أخرى كان يستهدف بشكل أساسي تمويل العجز الميزانياتي، ويتعلق الأمر بموارد الخوصصة التي ضخت أزيد من 100 مليار درهم خلال عشر سنوات متتالية، تم توجيه جزء كبير منها لأداء نفقات التسيير وليس فقط للاستثمار كما كان مقررا.

جذور الأزمة

من جانب آخر، لفت بروحو، إلى أن محاولات حكومة اليوسفي تقليص عمليات اللجوء للدين الخارجي اصطدمت بإكراهات تمويل الميزانية، لاسيما ما يتعلق بنفقات التسيير،  خاصة في ظل عدم كفاية الموارد العمومية لتغطية التكاليف العادية، وهو ما جعلها تبدأ في تكثيف عمليات الخوصصة من جهة، ومن جهة ثانية تحويل جزء من الدين الخارجي لاستثمارات.

وأشار عضو لجنة المالية بالغرفة الأولى، إلى أنه مع بداية الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، تفاقمت الصعوبات المالية التي كانت تعرفها ميزانية الدولة بشكل بنيوي، وعادت عمليات الاستدانة لترتفع بشكل مطرد نتيجة عجز الموارد العادية للدولة عن تغطية التكاليف الضرورية، خاصة وأن نفقات الدين العمومي كانت في ارتفاع منذ سنة 2005، مما يدل على أن كرة الثلج بدأت بالفعل في التضخم قبل سنوات مما الحكومة الحالية.

وتابع المتحدث ذاته، أنه بعد خفوت عمليات اللجوء للخوصصة، بدأت وتيرة اللجوء للاستدانة لتغطية عجز الميزانية منذ سنة 2009، حيث كانت تؤدي أية زيادة في حجم الاستدانة، من جهة لارتفاع تكاليف الدين العمومي على مدى 10 سنوات الموالية للسنة التي تمت فيها الاستدانة، ومن جهة ثانية لمزيد من الارتهان للموارد الاستثنائية لتغطية التكاليف الإلزامية.

مجهودات تقليص الاستدانة

وعلى هذا الأساس، أوضح بروحو أنه “لا يمكن اعتبار حكومة سعد الدين العثماني مسؤولة فعلا عن ارتفاع حجم الدين العمومي”، مسجلا في مقابل ذلك، أنه “يحسب لها الاستمرار في تقوية الاقتصاد الوطني وترشيد التدبير العمومي من أجل تطبيق أهم القواعد الذهبية للمالية العمومية، خاصة وأنها حرصت على إبقاء نسبة الاستدانة في درجات مقبولة بعيدا عن مخاطر نزيف المالية العمومية”.

وأبرز أنه بعد أن كان المعدل السنوي للجوء لموارد الدين العمومي يستقر منذ سنوات طويلة في 75 مليار درهم، وكان جزء كبير منه يوجه لتغطية نفقات التسيير، نجد أن الحكومة الحالية حرصت بشكل أساسي على توجيه موارد الدين العمومي بشكل كامل لتغطية جزء من نفقات الاستثمار العمومي، معتبرا أن ذلك، هو الأصل الاقتصادي من الاستدانة، وهو أحد أسس القواعد الذهبية لتدبير المالية العمومية.

مؤشرات إيجابية

وبالعودة إلى وضعية الاقتصاد الوطني، نجد أن معدل النمو الاقتصادي، استقر خلال الفصل الأول من 2019، وفق إحصائيات رسمية، في حدود 2,8 في المائة، حيث عرف الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي ارتفاعا نسبيا نتيجة الأداء الجيد لقطاعات الصيد والطاقة والمعادن والخدمات. كما ساهم الطلب الداخلي الوطني، وخصوصا الشق المتعلق باستهلاك الأسر والاستثمار، في دعم النمو الاقتصادي ب 3,6 نقطة خلال الفصل الأول من 2019.

وبخصوص معدل التضخم، فقد بلغ خلال الستة الأشهر الأولى من سنة 2019، بحسب حصيلة نصف الولاية الحكومية، نسبة 0,1 في المائة نتيجة تراجع أسعار المواد الغذائية أساسا بنسبة 1,3 في المائة، عوض ارتفاع بنسبة 2,9 في المائة السنة الماضية، كما انتقل معدل البطالة من 9,1 في المائة إلى 8,5  في المائة على المستوى الوطني، نتيجة إحداث 132 ألف منصب شغل.

وبدوره، عرف صافي الاحتياطيات الدولية لبنك المغرب ارتفاعا ب 2,2 مليار درهم لغاية 12 يوليوز 2019، مقارنة مع متم دجنبر 2018، حيث ستمكن هذه الاحتياطيات من تغطية أكثر من 5 أشهر من الواردات.

وعلى صعيد آخر، عرفت عائدات السياحة بـ 4 في المائة ، حيث مكنت مداخيلها من تغطية 62 غي المائة من العجز التجاري، كما عرف سعر صرف الدرهم شبه استقرار داخل النطاق الجديد لسعر الصرف منذ العمل بنظام الصرف المرن شهر يناير 2018.ومن المنتظر ينتظر أن يتراجع عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات لسنة 2019 إلى حوالي 4,5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 5,5 في المائة سنة 2018.

وضعية مطمئنة

وفي هذا الصدد، يوضح بروحو، أنه خلافا لما يتم تسويقه إعلاميا، فإن حجم دين الخزينة يستقر حاليا في أقل من 65 في المائة وهي نسبة جد معقولة وإيجابية بقياس المؤشرات المالية العالمية، مضيفا أنه “لا يمكن في هذا الإطار اعتماد مؤشرات غير حقيقية لخداع الرأي العام وإدخال معطيات مغلوطة ضمن الحسابات العمومية لإيهام المواطنين بوجود مخاطر غير واقعية”.

وأكد الباحث في المالية العمومية، أنه “باستقراء تطور المالية العمومية بالمغرب، نقف على تطور إيجابي حقيقي خلال السنوات الأخيرة، مكَّن المغرب من إدراج أهم القواعد الذهبية في هذا الإطار، والمتعلقة بتوجيه الدين حصريا لتمويل الاستثمار”، مردفا أنه “أمر مطلوب وإيجابي في علم المالية العمومية، ولا يتسبب في أية مخاطر اقتصادية، خلافا لما يحاول البعض ترويجه”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.