بعد مؤتمر برلين.. كيف يجد الإشكال الليبي طريقه إلى الحل؟

عبد المجيد أسحنون

أسدل مؤتمر برلين حول ليبيا ستاره بمخرجات اعتُبرت من لدن متتبعين بأنها غير كافية للدفع بعجلة حل الأزمة الليبية، مما يجعلنا نتساءل إلى أي حد حقق مؤتمر برلين أهدافه؟، وكيف يمكن أن يجد الإشكال الليبي طريقه إلى الحل؟، وما تأثيراته الجيوسياسية على الدول المغاربية والأوروبية تحديدا؟.

وقف إطلاق النار..

جوابا عن هذه الأسئلة، قال الموساوي العجلاوي، الخبير في القضايا الإستراتيجية العربية والإفريقية، إن مؤتمر برلين لم يُعقد لحل الإشكال الليبي، وإنما هو حسب ما ورد في عدد من المصادر غير الرسمية الألمانية: “لقاء للدول التي تتدخل في الشأن الليبي”، هدفه التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار، الذي وافقت عليه فقط حكومة فايز السراج، في حين امتنع اللواء المتقاعد خليفة حفتر عن توقيعه.

لذلك، يسترسل العجلاوي، أقصى ما كان منتظرا من مؤتمر برلين، هو تبني وقف إطلاق النار، لكن، يستدرك المتحدث ذاته، يبدو أن هناك إشكالات أخرى، حيث لم يُطلب من قوات حفتر أن ترفع الحصار عن طرابلس.

الأهداف العسكرية قائمة..

وفي الوقت الذي دعا فيه مجلس الأمن الدولي الأطراف الليبية بعد مؤتمر برلين، إلى الانخراط بإيجابية في اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التي تم الاتفاق على تشكيلها في مؤتمر برلين الذي انعقد يوم السبت 19 يناير الجاري، من خمسة ضباط يمثلون حكومة الوفاق المعترف بها أمميا، وخمسة ضباط يمثلون قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من أجل التوصل لوقف لإطلاق النار في أسرع وقت، أكد العجلاوي أن الأهداف العسكرية لحفتر ما زالت قائمة، وذلك لأسباب متعددة.

وأوضح العجلاوي في تصريح لـ pjd.ma، أنّ أول هذه الأسباب يتعلق بكون القضية الليبية مرتبطة بالطرف المصري وببعض الأطراف العربية الأخرى، وثانيها، أن 70 في المائة من إنتاج البترول الليبي يقع شرق ليبيا، يعني بالمنطقة التي يسيطر عليها حفتر.

التناقض الدولي..

وأبرز العجلاوي، أنه ما زالت بعض الأطراف تصر على الحل العسكري، مبينا في هذا السياق، وجود ما أسماه بـ “النفاق الدولي” بخصوص الإشكال الليبي، قائلا “باستثناء الأمم المتحدة، هناك أطراف دولية تعترف بحكومة فايز السراج وفي الوقت ذاته تؤيد القوات الموالية لحفتر”.

واستبعد المتحدث ذاته، أن تساهم اللجنة العسكرية المشتركة في استقرار الليبيين على حل سياسي معين، بالنظر إلى عدد من العوامل، منها تدخل أطراف أخرى في القضية، مؤكدا أن التدخلات الخارجية بصرف النظر عن نوعها، سياسية كانت أو عسكرية، مباشرة أو غير مباشرة، تبعد الأفق السياسي للحل الليبي.

الداخل الليبي..

وبخصوص الداخل الليبي، يقول العجلاوي، إنه مع كامل الأسف يظهر جليا أنّ الليبيين ربما غير مهيئين للحل، موضحا أن الإشكال الليبي فيه ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو “ليبي ليبي” حيث أنه منذ سنة 2011، باستثناء السنتين التي حكم فيهما المجلس الوطني المؤقت مع مصطفى عبد الجليل، أي تحديدا منذ انتخابات 2014 إلى يومنا هذا، القضية الليبية  لم تعرف سوى مشاكل مستمرة.

وتابع، الورقة الوحيدة التي سعت إلى حل أزمة ليبيا هي “اتفاق الصخيرات”، ولهذا السبب، يتابع المتحدث ذاته، أبدى المغرب قلقه بخصوص لقاء برلين، لأنه يخاف أن يمحى اتفاق الصخيرات، وأن يقع فراغ في المرجعيات السياسية للأزمة الليبية، إذ ذاك ستدخل ليبيا دوائر التمزق والانقسام شرقا وغربا، علما أن الجنوب سيصبح جزءا من منطقة الساحل والصحراء، على امتداد للحركات الجهادية وجماعات الجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية.

أما المستوى الثاني، يردف العجلاوي، فهو المستوى الإقليمي الذي يعرف تناقضات العالم العربي ما بعد 2011،  مبينا أن التناقضات  القوية الرئيسية بين عدد من الدول العربية، هي التي انعكست على الوضع بليبيا ابتداء من يوليوز 2013، “حيث تعتبر مصر أن ما يقع في ليبيا يمس أمنها الاستراتيجي، وأنها تتدخل بشكل أو بآخر، لأن ذلك يهم الأمن الداخلي المصري”.

وأردف، أما المستوى الثالث، يتعلق بالمستوى الدولي، قائلا “هناك روسيا التي تستقر بشكل صامت كبقعة زيت، ولكنها تمتد إلى كل الأطراف، لها مصالح مع مصر ومع الجزائر، وهناك فرنسا التي لها مصالح متعددة، وهناك كذلك الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنها تقول إن الأمر لا يهمها ولكن يهمها البترول، ثم هناك الصراع الأوروبي الأوروبي خاصة بين إيطاليا وفرنسا، الذي هو في نهاية المطاف صراع بين إني الإيطالية وطوطال الفرنسية.

واسترسل العجلاوي، ويوجد صراع أيضا على مستوى تكلفة إعادة بناء ليبيا، والتي تقدر بـ 400 مليار دولار، والجميع يريد نصيبه من مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى أن هناك صناديق سيادية تركها القذافي، قيمتها 167 مليار دولار، قائلا “هذه الأشياء كلها تعقد الإشكال الليبي”.

حل الأزمة..

يقول العجلاوي إنه ما دام الإشكال الليبي، يضم المستويات الثلاثة المذكورة، فإن حله يشمل هذه المستويات نفسها، مبينا أنه بخصوص المستوى الثاني أي المستوى الإقليمي، فإن الحل يتمثل في “خروج الأطراف العربية من الملف الليبي”، وأن تساعد الدول العربية الليبيين، وألا تكون هناك حسابات إقليمية بخصوص الملف، “والأمر نفسه بخصوص المستوى الثالث، إذ يتمثل الحل في انسحاب الدول الكبرى من هذا الملف، وأن تقف على نفس المسافة بين طرفي القضية”.

ثمن التدخلات الخارجية..

وشدد العجلاوي، على أن هذه المستويات الثلاثة هي الكفيلة بإيجاد حل للأزمة الليبية، مبرزا أن الأمم المتحدة أصدرت تقريرا سنة 2015، بينت فيه بالأرقام أن التدخلات الخارجية والحرب الأهلية وعدم الاستقرار يؤدي ثمنه المواطن الليبي.

واستطرد الخبير الاستراتيجي، مع كامل الأسف نلاحظ في الخطابات، سواء  في الشرق أو الغرب، أن الجميع يحيل ثلاث إحالات فقط، إلى اسم مدينة، وإلى اسم جهة، ثم إلى اسم قبيلة، ولا أحد يحيل إلى ليبيا، وعندما يحيل الليبيون إلى ليبيا الدولة والتاريخ والمجتمع والقواسم المشتركة، إذ ذاك يكمن أن يصلوا حل”.

الحل كان ميسرا..

أشار العجلاوي، إلى أن هذا الحل كان الأمر ميسرا سنة 2016، وكانت هناك لجنة ستنعقد دوراتها في المغرب لكتابة الدستور، لكن مع كامل الأسف انعكاسات ما بعد الربيع العربي، التي كانت فيها ليبيا الحلقة الضعيفة، أفشلت الأمر.

الانعكاسات الجيو سياسية..

دعا العجلاوي، كل الأطراف إلى البحث عن حل واقعي للأزمة الليبية، وإلا فإن كل الإشكالات القائمة الآن في الخليج والشرق الأوسط، ستنعكس تلقائيا على ليبيا، وستتأثر المنطقة المغاربية دون شك بسبب الانعكاسات الجيو سياسية.

وتابع العجلاوي، أن ليبيا لها موقع جيو استراتيجي مهم وكبير، حيث تربط شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولها ربط استراتيجي بين البحر الأبيض المتوسط وجنوب أوروبا ومنطقة الساحل والصحراء، كما أنها بوابة بين منطقة الساحل والصحراء وحوض البحر الأبيض المتوسط خصوصا المنطقة الشرقية، لافتا إلى أن هناك أكثر من 800 ألف مهاجر سري ينتظرون الفرصة للعبور إلى أوروبا.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.