بالمختصر المفيد: شغب الملاعب..على من تقع المسؤولية؟

ظاهرة الشغب الرياضي وما تخلقه من رعب في جنبات الملاعب وفي الأحياء المجاورة والتي تمتد إلى شوارع المدن التي تقام فيها المباريات الرياضية كما حدث مؤخرا في الرباط بعد نهاية مقابلة الجيش الملكي والرجاء البيضاوي  في حاجة إلى مقاربة شمولية هادئة.

أولا: من الناحية المنهجية ينبغي أن توضع في حجمها الطبيعي وأن لا يقع التعميم والتهويل أكثر من اللازم. إن أحداث الشغب الأخيرة وما ترتب ويترتب عنها من تخريب وضرب وجرح وترويع يتجاوز رواد المدرجات الرياضية ليصل إلى شوارع المدن التي تجري فيها المباريات، لا ينبغي أن تخفي عنا، في المقابل، صورا مضيئة عن تحول نوعي في سلوك الجماهير الرياضية، تظهر في أشكال التشجيع واللوحات والتيفوهات التي ترفعها الجماهير الرياضية كما حدث مؤخرا حين رفع جمهور  فريق الجيش الملكي صورة اللاعب السابق التيمومي الذي يعيش وعكة صحية، ومن الواضح  أن الجمهور الذي فكر بهذه وتصرف بهذه الطريقة لا يمكن أن يكون هو الذي تسبب في أحداث العنف، ولكنه جمهور صغير على هامشه، ولا يشكل القاعدة .

 والحشود الجماهيرية الكبيرة التي تحضر لمشاهدة مقابلات فرق الدار البيضاء مثلا وعدد من الفرق الوطنية الاخرى أصبحت علامة مميزة للمغرب على الصعيد العالمي، وبعضها يتحرك ببضعة آلاف لمتابعة فريدة للفريق المفضل خارج المغرب، ويضيف إلى المباريات الرياضية مشاهد رائعة.

  ينبغي في المقام الثاني، معالجة الظاهرة بالنفاذ إلى العوامل العميقة المؤدية الحاضنة لها ولكل أشكال التعبيرات العنيفة والاعتداء على الأشخاص والممتلكات في الشارع العام في الملأ أحيانا بالسكاكين والسيوف، فالأمر يتعلق بشباب مهمشين في أحياء مهمشة  منقطعين عن الدراسة ويعانون من البطالة يكون بعضهم في الغالب تحت تأثير المخدرات، أحياء تفتقد إلى فضاءات للتنظيم والتأطير  والتثقيف  والتعبير .

ينبغي في المقام الثالث، الإشارة إلى الدور الإيجابي أو السلبي والمسؤولية الكبرى للإعلام الرياضي الذي تزايد حضوره في السنوات الأخيرة، ومن الإنصاف الاعتراف بدوره في نشر القيم الرياضية السامية القائمة على التنافس الرياضي الشريف واحترام المنافس والقبول بالهزيمة، لكن بعضه أو بعض المنتسبين إليه يسهم أحيانا  ويسهمون من حيث يشعرون أو لا يشعرون في تأجيج منطق الإقصاء والعنف اللفظي الذي قد يتحول إلى عنف جسدي.

لقد تابعنا مؤخرا الجدل الدائر حول ما أثارته خرجات بعض مذيعين ومحللي قناة إذاعية رياضية  من ردود فعل بسبب إطلاقهم أحكاما خطيرة تشكك في الولاء الوطني لبعض الجماهير فضلا عن صور من العنف اللفظي من قبل بعض مذيعيها تجاه المستمعين المتصلين . ثم هناك ما تعج به صفحات بعض مجموعات المشجعين من تجاوزات لفظية وتراشقات ووعد ووعيد من الانتقام، وهو أمر يستدعي دق ناقوس الخطر.

يتعين في المقام الثالث، أن نسجل أن الانحراف في التعبير عن الآراء والمواقف والتعبير عن الاختلاف هو ظاهرة لا تخص فقط بعض المحسوبين على جماهير بعض الفرق الرياضية. فالساحة الجمعوية  والحزبية  والاعلامية تقدم أحيانا بعض النماذج السيئة من العنف اللفظي والسلوكي كما تشهد على ذلك سلوكات بلطجية  لبعض المنتخبين الجماعيين في دورات المجالس الجماعية ولبعض المناضلين الحزبيين كما تشهد على ذلك بعض المؤتمرات الحزبية.

والخلاصة أن شغب الملاعب هو أحد الأعراض الجانبية لأمراض تخترق جسدنا الاجتماعي وسلوكنا الثقافي، كما أنه انعكاس لأنماط أخرى من أنماط الشغب والعنف المادي واللفظي خاصة حينما يصدر من النخبة التي يفترض فيها أن تكون نموذجا يحتذى.

مواجهة هذه الظاهرة ومخاطرها تحتاج إلى مقاربة شمولية عميقة ليس الجانب الأمني إلا جانبا من جوانبها، فالمواجهة الأمنية على ضرورتها حفاظا على الأرواح والممتلكات وتطبيقا للنظام والقانون لا غنى عنها، لكن المقاربة الأمنية القائمة على التدخل الردعي أو التدابير التنظيمية المرتبطة بالدخول والخروج لا تكفي، هناك جوانب أخرى  تتعلق بسيكولوجية الجماهير وتوقع سلوكها وردود أفعالها الجماعية  .

هناك المقاربة القانونية الردعية للتجاوزات التي يعرفها الحقل الإعلامي من خلال تدخلات هيئة الاتصال السمعي البصري لردع خطابات التحريض والكراهية في وسائل الاتصال السمعي والبصري.

هناك  التدخل القانوني الزجري للجنح والتجاوزات التعبيرية المحرضة على العنف أو المهددة به التي تنامي في بعص مجموعات التواصل الاجتماعي. ثم هناك المسؤولية السياسية والأخلاقية للفاعلين المدنيين والنقابيين والسياسيين في تقديم القدوة الإيجابية في تمثل قيم الديمقراطية والتنافس الشريف القائم على احترام القوانين وقواعد العمل المؤسساتي ومساطره الداخلية..فالشغب السياسي والعنف في التجمعات والمؤتمرات الحزبية وخلال اجتماعات المجالس الجماعية واحتلال المنصات في الندوات والمحاضرات رسائل سلبية خطيرة إلى شباب هش من الناحية النفسية والاجتماعية إلى أن العنف طريق سالك…فالروح الرياضية أي روح المنافسة الشريفة القائمة على احترام القانون ينبغي أن تحترم من قبل صناع الرأي والنخب السياسية والثقافية كي تسري على غيرهم من فئات المجتمع وخاصة على بعض مكوناته التي تعاني من الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.