بوكمازي يكتب : “البلوكاج” غير المشروع!

رضا بوكمازي

لا يكاد يخلو منبر صحفي إلكترونيا كان أو ورقيا، إلا ووجدت ضمن محتوياته مقالا أو خبرا يتعلق بمشروع القانون الجنائي رقم 10.16، هذا الذي عمّر ما يزيد عن أربع سنوات بقبة البرلمان، مع العلم أن هذا المشروع لا يتضمن مراجعة كل القانون الجنائي نظرا لما في ذلك من صعوبات لا يتسع المجال لذكرها.

 وهو جزء يسير من فصول ومقتضيات القانون الجنائي، الذي أحالته بداية حكومة عبد الاله بنكيران على مجلس النواب سنة 2016، وبعد سلوكه مسطرة التشريع داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، توقف عند مرحلة تقديم التعديلات، ليعود من جديد إلى مرحلة الصفر مع حكومة  سعد الدين العثماني في صيغتها الأولى.

 وهكذا، عُرض المشروع من جديد، على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ومرة أخرى تمت مناقشته مناقشة عامة وتفصيلية، وحددت له آجال لتقديم التعديلات، وقدمت بشأنها طلبات للتأجيل أربع مرات إلى أن تم احترام  أخر آجل من قبل جميع الفرق والمجموعة النيابية، بتقديم تعديلاتها على مشروع القانون المذكور.

تعامل وزارة العدل مع مشروع القانون الجنائي، كان من بين القضايا التي شغلت بال أعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بمناسبة مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة العدل، في سياق الحديث عن هدر الزمن التشريعي، وتفاعل آن ذاك وزير العدل إيجابا، مصرحا أن الحكومة لا نية لها في إعادة النصوص الجاهزة والمحالة على المجلس إلى مرحلة البداية، وأنه منخرط في مسطرة التشريع وفق المراحل التي بلغتها بالنسبة لهذا النص وباقي النصوص. 

إلى هنا كل الأمور تبدو جيدة وعادية، رغم كل المحاولات التي كانت في البداية بطرح موضوع الحريات الفردية، على أنه موضوع خلافي وجب حسمه مجتمعيا، من خلال محاولات تغليط الرأي العام الوطني، عبر الحديث عن ضرورة تعديل بعض الفصول من قبيل 489 و 490 المتعلقة بالشذوذ الجنسي وبالعلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج، مع أن هذه الفصول لا تندرج ضمن مشروع القانون 10.16 المعروض على البرلمان.

 والجميع يعلم أن الفصل 78 من الدستور، نظم المبادرة التشريعية من خلال حق رئيس الحكومة وأعضاء البرلمان في تقديم مشاريع أو مقترحات القوانين، أو عبر طرح المقتضيات التي تهم جريمة الإجهاض والتي تم حسمها سلفا من خلال تحديد الحالات التي لا يكون فيها الإجهاض جريمة، وهو ما تم تضمينه بمشروع القانون الجنائي 10.16.

بيد أن حجر الزاوية، والذي لم يكن موضوع إثارة على الأقل بعد إحالة مشروع القانون الجنائي على مجلس النواب، هو ذاك المقتضى الذي تضمنه الفصل 256/8 باعتباره الفصل جديد الذي جعل من فعل الإثراء غير المشروع فعلا جُرميا يستوجب العقاب بغرامة مالية من 100.000 إلى 1.000.000 درهم مع مصادرة الأموال غير المبررة والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف والمهام العمومية.

يقصد بالفعل الجُرمي، المسمى “الإثراء الغير مشروع” كل زيادة كبيرة وغير مبررة في الذمة المالية لكل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات، طبقا للتشريع الجاري به العمل، بعد توليه للوظيفة أو المهمة وانطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني.

والأصل في تجريم الإثراء غير المشروع هو تدخل تشريعي لمعالجة مظاهر الاختلال الذي تعرفه منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، على اعتبار أن قانون التصريح الإجباري بالممتلكات، لا يعاقب على أي تحول مالي كبير وغير مبرر لكل ملزم بالتصريح بمناسبة مزاولة وظيفة أو مهمة تقتضي ذلك.

 بل يعاقب فقط على عدم التصريح أو التصريح الكاذب، أي أن الغاية الفضلى من منظومة التصريح بالممتلكات، والمتمثلة في محاربة الفساد لا يمكن لها أن تتحقق مادام القانون غير قادر على إيقاع الجزاء على كل من نهب المال العام دون ثبوت جريمة الاختلاس أو الغدر أو استعمل موقعه لمراكمة الثروات بشكل غير مشروع، سواء عبر تضارب المصالح أو الرشوة أو غيرهما من الأشكال غير قانونية.

بسبب هذا المقتضى الذي يبدو بسيطا والذي بقي في حدود المصادرة والحرمان من الأهلية، لكل من تمت إدانته بالإثراء غير المشروع ولم يقترح إيقاع العقوبات السجنية، يتعرض مشروع القانون الجنائي إلى “بلوكاج” تشريعي جديد، والذي يراد من خلاله محاولة وقف ومعاكسة رغبة المجتمع في محاربة الفساد والتصدي لمراكمة الثروات غير المشروعة عبر مواقع المسؤولية وظيفية كانت أو إنتدابية.

 وإن كنا مقتنعين، أن محاربة الفساد قد لا تقتصر على المقاربة الزجرية، بل هي في حاجة إلى مقاربات أخرى، وأن منظومة الفساد لا تجد لها صدى فقط في مواقع المسؤولية العمومية، بل يتجاوز ذلك إلى الكثير من بنيات المجتمع، إلا أن هذا “البلوكاج” غير المشروع لا يمكن لعاقل أن يجد له تفسيرا سوى الرغبة في الاصطفاف إلى جانب قوى الفساد والاستمرار في منظومة قانونية، لا تعاقب كل من استغل موقع المسؤولية للإثراء غير المشروع، والذي يرغب من يقف ضد صدور مقتضى تجريم الإثراء غير المشروع، في  أن يجعل منه إثراء مشروعا.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.