بوكمازي يكتب: هدر الزمن التشريعي بين إكراهات المسطرة وحسابات السياسيين

رضى بوكمازي

كثيرة هي النصوص القانونية التي يكون المجتمع في أمس الحاجة إلى صدورها، لما تتضمنه من مقتضيات وإجراءات تشريعية يُأمل من اتخاذها المساهمة في معالجة وتجاوز الاشكالات التي يواجهها المواطنون والمواطنات في حياتهم اليومية، أولها أن تيسر الاستفادة من خدمات اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها، إضافة إلى تأطير الكثير منها للحقوق المدنية والسياسية الأساسية للمواطنين.

وإذا كانت مسطرة التشريع تتسم في الغالب بطول مدة صدور النص القانوني، نظرا لعوامل تتصل أساسا بتعدد المتدخلين سواء خلال مرحلة الإعداد، حينما يتعلق الأمر بمشاريع القوانين وما يستلزمه ذلك من مشاورات بين القطاعات الحكومية المعنية أو غيرها من المؤسسات المعنية، أو خلال مرحلة المصادقة والاعتماد باعتبارها مرحلة أساسية أمام ممثلي الأمة وما يقتضيه ذلك من نقاشات لتطوير النص القانوني، وقد يتعلق الأمر بالضرورة في بعضها على البحث عن التوافقات اللازمة للمصادقة على النص القانوني، غير أنه  قد نجد بعض النصوص التي تمر بولادات عسيرة تجعل من صدورها أحيانا أمراً صعب المنال، ناهيك عن الإرادة السياسية اللازم توفرها لصدور البعض الأخر منها.

ويعد الحق في الاضراب المثال الواضح في هذا المضمار، حيث إنه منذ أول دستور مغربي نص على هذا الحق لازال القانون التنظيمي للإضراب لم يجد طريقه للوجود، رغم ما نص عليه دستور سنة 2011 من ضرورة إحالة هذا النص خلال الولاية التشريعية التي تلي إقرار النص الدستوري (الفصل 86) والذي كان موضوع التزام من قبل الحكومة السابقة، غير أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب ظل حبيس رفوف مجلس النواب إلى حدود اللحظة، وهو الأمر الذي قد ينصرف على الكثير من النصوص التي بقيت بقبة البرلمان أو داخل أروقة القطاعات الوزارية المعنية بإعدادها وبعضها في مراحلها النهائية لدى الأمانة العامة للحكومة.

وباستثناء قوانين المالية التي خصها المشرع الدستوري بمسطرة مقيدة من حيث الزمان وألزم القانون التنظيمي للمالية، الحكومة والبرلمان بالانضباط لآجال محددة للمناقشة والمصادقة عليها، فإن باقي النصوص القانونية لا يشترط فيها أي إلزام بوقت معين قصد الاعداد والإحالة بالنسبة للحكومة، على خلاف الأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان اللذان حددا آجالا للعرض والمناقشة والتصويت.

مناسبة هذا الحديث أنه رغم كل هذه الصعوبات التي تُبطئ الزمن التشريعي بالمغرب، والتي ما فتئ الجميع يتعاون للتغلب عليها، فاجأنا السيد وزير العدل بتصريحات تزيد من تعقيد هذا الامر، وهو ما تجلى واضحا في واقعة  التصويت على مشروع القانون الجنائي 10.16 والذي يسعى البعض الى عرقلة إخراجه لحيز الوجود بعد ان عمّر لأكثر من أربع سنوات داخل أروقة مجلس النواب، حيث اعتبر السيد وزير العدل أنه من العبث القدوم إلى البرلمان وتقديم رأي الحكومة بشأن هذا النص دون الرجوع إلى الحكومة من أجل إحاطتها بمضمونه والاتفاق على الرأي حول ما يجب قبوله أو رفضه من تعديلات أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب.

وهو ما يجعلنا ـ تفاعلا مع رغبة السيد الوزير قصد محاربة ما سماه عبثا ـ في حاجة إلى تضمين مقتضيات جديدة بمسطرة التشريع غير التي ألف البرلمان العمل بها ومن خلالها بإحداث مرحلة جديدة يعود فيها الوزراء للحكومة من أجل تحديد الموقف من التعديلات المقدمة بشأن النصوص المعروض على اللجن البرلمانية قصد التصويت عليها، وهو ما لم ينص عليه لا الدستور ولا القانون التنظيمي الخاص بسير أشغال الحكومة.

وإذا سلمنا برغبة السيد وزير العدل في مواجهة، ما سماه، عبثا، فكيف لنا أن نستوعب قدوم السيد الوزير قبل أيام قليلة للجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب من أجل مناقشة مشروع قانون الطب الشرعي والتفاعل مع التعديلات المقدمة بشأنه دونما العودة إلى المجلس الحكومي وإطلاع الحكومة الجديدة على مضامينه، وهو نفس الأمر الذي يجب أن ينصرف كذلك على باقي النصوص المقدمة من قبل باقي القطاعات الحكومية والمصادق عليها خلال دورة أكتوبر المنصرمة سواء تعلق الأمر بقانون ميثاق المرافق العمومية أو قانون تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية وغيرها من النصوص، بل كان من باب أولى محاربة هذا الذي سمي عبثا أثناء عرض مشروع قانون المالية لما له من خصوصية في المنظومة التشريعية.

وكيف لنا أن نقتنع بمحاربة هذا العبث والحكومة قد اتخذت قرارا بعد تنصيبها سنة 2017 بالإبقاء على جميع النصوص المحالة على البرلمان والتفاعل معها إيجابا رغم أنها حكومة جديدة برئيس جديد وبرنامج حكومي جديد، وهو ما قام به السيد وزير العدل، حين كان آنذاك وزيرا منتدبا لدى رئيس الحكومة مكلفا بقطاع الوظيفة العمومية، بمناقشة القانون المتعلق بتطبيق الفصل 27 من الدستور والمرتبط بالحق في الولوج للمعلومة، حيث إنه كان من باب الأولى المطالبة لحظتها باعتماد نفس الموقف، وليس الآن ونحن أمام نفس الحكومة ولا يوجد فيها طرف سياسي جديد ولم تقدم برنامج حكوميا جديدا؟. 

إن محاربة العبث الواجب الاشتغال عليه والانشغال به هو محاربة عبث هدر الزمن التشريعي، والذي يتجلى بشكل واضح في كون العديد من النصوص القانونية قد عمرت مدة طويلة لدى بعض القطاعات الحكومية أو داخل قبة البرلمان، غير ذلك تدخل مثل هذه الخرجات فقط في باب التضليل ومحاولة تزييف الحقيقة وعدم القدرة على مواجهة الرأي العام بالأسباب الكامنة وراء غياب الرغبة في التفاعل مع مشروع القانون الجنائي 10.16 رغم أنه تضمن العديد من المقتضيات المهمة وعلى رأسها تلك التي تهم العقوبات البديلة.

كم سنكون سعداء لو اشتغل السيد وزير العدل المحترم على إخراج مجموعة من النصوص التشريعية العالقة، والتي بكل تأكيد لا يتحمل لوحده مسؤولية تأخرها بل هي منظومة بيروقراطية تتعامل مع الزمن التشريعي بالكثير من عدم الاهتمام والهدر، وكم سيكون المجتمع سعيدا لو تم ترتيب أثار قرار المحكمة الدستورية على القانون التنظيمي للدفع بعدم دستورية القوانين وكذا مشروع قانون التنظيم القضائي وإحالتهما من جديد على مجلس النواب نظرا لأهميتهما، كم سيكون مهما محاربة العبث الكامن في إيقاف إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية ومشروع قانون المسطرة المدنية وغيرهما من المشاريع المهمة والأساسية والتي تستكمل ورش الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.

هذه المشاريع التي صرح السيد الوزير أنه سيحيلها في أقرب الآجال وفق مخطط تشريعي خاص بالوزارة وهو ما تفاعلت معه لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب وعملت على الانكباب على مناقشة جميع مشاريع القوانين المعروضة عليها والمصادقة عليها، باستثناء مشروع القانون الجنائي 10.16 الذي لم يرغب إلى حدود اللحظة السيد الوزير المحترم في التفاعل مع الطلبات المتكررة للجنة العدل والتشريع من أجل تحديد موعد للتصويت عليه.

إن محاربة العبث واحترام المؤسسات لا ينطلق أبدا عبر مدخل البوليميك السياسي، بل من خلال احترام موقع المسؤولية والقيام بالمتعين في سبيل نجاحها.

دمتم سالمين

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.