بالمختصر المفيد: كفى من جلد الذات.. قليلا من الرحمة

للظرف أحكامه، وللحظة مستحقاتها، وواجب الوقت يقتضي أن نكون إيجابيين، متحفزين لأداء واجباتنا نحو الوطن..
لا مجال هنا للتهويل أو التسرع في إصدار الأحكام ، أو تقاسم كل ما نشر وتبني وترويج كل ادعاء ،
لا مجال للقسوة على نساء ورجال مرابطين  في الخنادق الأمامية وجها لوجه مع العدو المتستر لأن لذلك كلفة تصل درجة أن يستبحينا جميعا هذا الموت الذي يتربص بنا من كل جانب.
سبب نزول هذ الكلام، ما يتم تداوله من أخبار وفيديوهات في منصات التواصل الاجتماعي التي غدت القوت اليومي لعموم المواطنين، حول وضعيات سيئة لبعض مستشفياتنا أو سوء خدماتها، أوعن بعض التدخلات المعزولة والمرفوضة لبعض عناصر السلطة والأجهزة الأمنية وغيرها،

يجب أن يكون ديدننا في مقاربة هذه الحالات، هو أولا عدم الاستماع لراوية واحدة وكأنها الحق المبين، والإسراع برد فعل مشابه لرد فعل نبي الله داوود حين اختصم إليه أخوان وزعم صاحب النعجة الواحدة ظلم صاحب التسعة وتسعين فقال متسرعا : ” لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه” ” فظن داوود أنا فتناه فخر راكعا وأناب ” كما ورد في القرأن الكريم
وفي هذه القصة عبرة في التثبت والحذر من أن يكون بعض المتخاصمين ألحن من بعض في الحجة كما جاء في الحديث النبوي .
ينبغي تغليب منطق الإنصاف واستحضار الجزء المملوء من الكأس، عوض التركيز فقط على حالات معزولة وتعميم الأحكام على ضوئها،

إن الظروف التي تمر به بلادنا ليست هينة، وهي ظروف هزمت أعتى المنظومات الصحية في العالم وركّعت أقوى الاقتصادات، وقد تجندت بلادنا رغم ذلك من أعلى سلطة فيها الى مختلف المؤسسات والمستويات، وتعبأت كل الإرادات فيها لربح رهاننا في مواجهة الجائحة وضد الموت الذي يتناسل في العالم بأسره بسرعة مخيفة تحصد الأرواح بشراهة متناهية،

وإن كانت هناك ملاحظات تتعلق بشيء من التقصير فينبغي التنبيه عليها بلطف ودون تهويل أو تشهير أو تشكيك، دون أن يصل الأمر إلى حد حجب الصورة في شموليتها، أو التهافت إلى ترويج  الادعاءات والأخبار الكاذبة .
صحيح أن قطاع الصحة عندنا فيه نواقص كثيرة، وأن مستشفياتنا لا ترقى إلى الانتظارات المطلوبة، وأن مختبراتنا قليلة، لكن ما الفائدة اليوم من التركيز على هذه النواقص وإغفال الجهد الجبار الذي تقوم به أسرة الصحة ورجالاتها ونساؤها، الذين يوصلون الليل بالنهار، بعيدا عن ذويهم لأسابيع، مقدمين أنفسهم قرابين للموت الذي يخالطونه على مدار الساعة حماية لنا،
لمصلحة من ننكر كل هذا ونركز على الجانب الفارغ من الكاس في حالة ثبوته، وهل قدرنا وقع ذلك على هؤلاء ؟

الأجدر بالجميع أن يسهم بطريقة إيجابية في البحث عن الإسهام في إصلاح ما يمكن إصلاحة ، وتدارك ما ينبغي تداركه  ، دون انزلاق إلى جلد الذات .
مسؤولية الجميع الإسهام في خلق نفس إيجابي، يرصِّد المكتسبات، ويتعاون لتدارك النواقص، ومن مسؤولية الدولة والمؤسسات أن تتدخل عند ثبوت حالات الإهمال والتقصي لتصحيح ما يمكن تصحيحه، وترتيب ما يلزم إن اقتضت الضرورة ذلك، سواء تعلق الأمر بتقصير مقصود أو بترويج أخبار كاذبة ووقائع مفبركة

وقبل هذا وأثناءه وبعده وجب التواصل بكل شفافية مع الموطنين، لوضعهم في الصورة، وإعطاء هذا التواصل ما يستحق من عناية والنهوض بقنواته وخطابه كما وكيفا لرفع منسوب الثقة بين المواطن والمؤسسات، لأن بناء الثقة وترميم ما انكسر منها، ليس مسؤولية الموطنين لوحدهم، بل هو واجب متبادل بين المؤسسات والمواطنين، والثقة تبنى بشكل تشاركي وبأسلوب متفاعل .  
خلاصة الكلام، كفانا من جلد الذات، ومزيدا من الرحمة باخوتنا في قطاع الصحة وغيرهم من القطاعات المتواجدة في الصفوف الأولى لمعركتنا ضد هذا الوباء، ومزيدا من الثقة في ذواتنا وفي وطننا وفي موعود الله لنا بدوام العناية وأننا إن شاء الله مشمولون برحمته ولطفه، يكفينا فقط أن نحسن الظن به.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.