بوكمازي يكتب: الأستاذ منار اسليمي وعقدة العدالة والتنمية

في الوقت الذي يجمع فيه الجميع على ضرورة التعبئة الوطنية وتركيز الجهود لمواجهة أثار تفشي وباء كورونا وما لهذا التفشي من تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية على بلادنا وعلى البشرية جمعاء، تقتضي التفاعل الكامل لكل القوى الحية والانخراط الإيجابي في المجهود الجماعي العام الذي انخرطت فيه بلادنا مؤسسات ومجتمع، – في هذا الوقت- خرج علينا الأستاذ عبد الرحيم منار اسليمي بمقال صحفي يحصي فيه ما سماه رسائل تمرد العدالة والتنمية على حالة الطوارئ الصحية، وإن كنت في البداية قد قدرت ألا أتفاعل مع ما دبجه التزاما بتوجه الحزب في التغاضي عن عموم استهدافه خاصة حينما يتعلق الأمر ببعض الأصوات النشاز والأقلام المتحاملة عليه، والمعروفة بعدائها الدائم لحزب العدالة والتنمية والتي يغيظها الحضور الدائم والمستمر والقوي لحزب العدالة والتنمية ولمناضليه في عموم التراب الوطني وفي كل الأوقات قياما بالواجب الدستوري والوطني وفي إطار الاحترام التام للقانون، إلا أنه وبعد أن وجدت أن السيد عبد الرحيم منار اسليمي قد وقع هذا المقال بصفته أستاذا للعلوم السياسية بكلية الحقوق، أكدال، الرباط، بدا لي أن الأمر يستحق التفاعل لأن الموقع الأكاديمي والعلمي الذي وقع به هذا المقال يقتضي الاحترام والتقدير وإن كنت أتمنى أن يكون هو أحرص الناس على احترام هذا الموقع الأكاديمي وعدم الخلط بينه وبين الرغبة السياسية في التشويش على لحظة الإجماع الوطني التي تعيشها بلادنا.

لا المناسبة ولا المجال يسمحان بأن أعرف فيهما بالأستاذ عبد الرحيم منار اسليمي وهو المعروف لدى الجميع، خاصة من قبل من اشتغل معه في مراكز الدراسات والبحوث ولما له من قدرات هائلة في التوصل بالخلاصات والنتائج للتعليق على الكثير من الأحداث وفي كل المناسبات، ولكن ما يهمني ها هنا هو ما خطه الأستاذ من رسائل التمرد، وكأنني أمام قائد معركة يحصي تمرد جنوده عليه.

وهنا فليسمح لي الأستاذ أن أناقش معه رسائله الكبرى التي خلص فيها إلى ما سماه دلائل تمرد العدالة والتنمية قياسا على حدثين معزولين فيهما الكثير من الكلام والتفاصيل ليس الوقت ولا الظرفية المناسبة للخوض فيهما الآن:

 الرسالة الأولى، خلص فيها إلى أن حزب العدالة والتنمية لا يؤمن بمؤسسات الدولة وأنه يريد إنشاء دولة داخل الدولة، ولعل هذه الأسطوانة المشروخة التي لم يعد حتى من أنتجها أول مرة مقتنعا بقدرتها على أن تشكك في وطنية حزب العدالة والتنمية وتقديمه الدائم والمستمر لمصلحة الوطن على مصلحة الحزب وتضحياته الجسام من أجل الوطن، ولعل النماذج الدالة على هذا كثيرة، وذكر بعضها قد يكون من باب التشكيك فيها، وهي معروفة ولله الحمد لدى العموم دولة ومجتمعا، بل إنه حتى الكثير من خصوم هذا الحزب المغربي الأصيل بحثوا ويبحثون بشكل مستمر عن أمور أخرى ليواجهوا بها جاهزية ودينامية حزب العدالة والتنمية، وانخراطه الدائم مع مختلف مؤسسات البلاد والقوى الوطنية الحية في تخطي كل الصعاب التي عرفتها بلادنا، وهو ما يجعل ما وصل إليه من خلاصة لا ترقى إلى أن تكون رغبة دفينة في التشويش على التحام المجتمع والدولة ومختلف القوى بها والتي يعد حزب العدالة والتنمية أحدها وأبرزها.

الرسالة الثانية، خلص فيها إلى أن العدالة والتنمية لا تهمه حياة المغاربة وإنما يفكر فقط في الانتخابات وأن الحزب قلق من حالة التقارب الحاصل بين المجتمع والدولة، وهذا أولا يؤكد أن الرجل يتناسى أن حزب العدالة والتنمية هو جزء من مؤسسات الدولة بمقتضى الدستور أولا كسائر الأحزاب الوطنية، وثانيا بمقتضى وجوده في تدبير الشأن العام الوطني والترابي، حيث إن الحكومة المغربية يرأسها هذا الحزب لولايتين متتاليتين، وأن عددا مهما من الجماعات الترابية يرأسها أبناء العدالة والتنمية ومن خلالهم يتم تنفيذ الكثير من الإجراءات والقرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة كل حسب موقعه وبما يتيحه لهم القانون، وهذا دليل على أن هوس الانتخابات الذي يؤثر على بال الأستاذ عبد الرحيم منار اسليمي خاصة بعد عودته من التجربة التي قضاها بدولة الإمارات، وخوفه الواضح من قدرة العدالة والتنمية على الحضور السياسي القوي جعله يحدث حالة مفاصلة بين الأحزاب الوطنية وبين الدولة، ولا يستحضر أن ضرورة بناء الثقة بين المجتمع والدولة كان وسيظل أبرز القضايا التي تشتغل عليها العدالة والتنمية.

الرسالة الثالثة، اعتبر فيها أن العدالة والتنمية قلق من مساهمة بعض رجال الأعمال لصندوق مواجهة كوفيد 19، وإن كان ليس هذا هو المجال ولا الظرفية التي تسمح بمناقشة هذا الموضوع، فإنه بكل تأكيد يكون من باب الوهم أن يروج المرء لمثل هذه المغالطات خاصة وأن كل المساهمات التي يمكن أن تقدم في هذه المرحلة للصندوق الذي أحدث بمبادرة ملكية سامية، أو كل الأعمال التكافلية والتضامنية بين عموم المغاربة كبرت قيمتها أو صغرت لا يمكن إلا أن ينوه بأصحابها كيف ما كان وضعهم الاعتباري أو المادي، وهي لحظة وطنية تضامنية كبرى عبر فيها المغاربة جميعهم على معدنهم الأصيل من خلال مساهمتهم كل حسب استطاعته وقدراته المالية ومنهم من ساهم بكل ماله ومنهم من ساهم بجزء من أرباحه، وهذا الذي يجب أن يكون مبعث فخر واعتزاز للجميع، ومن المفترض أن يقابل بالكثير من التنويه والتقدير، لا البحث في رسائله المفترضة.

الرسالة الرابعة، والتي فيها الكثير من الغرابة هو أنه هناك جناح داخل العدالة والتنمية يريد من خلال تمرده ضرب الأخ سعد الدين العثماني الأمين العام للحزب بصفته رئيسا للحكومة والعمل على إفشال تجربته، وهو ما لا يستطيع الإنسان أن يجد له تفسيرا خاصة إذا صدرت عن أستاذ للعلوم السياسية، فكيف لحزب سياسي سيعمل على إفشال تجربة حكومية يقودها أمينه العام وهي تجربة الحزب نفسه في المشاركة في تدبير الشأن العام، هذا الحزب الذي عبأ كل مؤسساته وبنياته لإنجاح تجربة رئيس الحكومة السابق والحالي، وكيف لعاقل أن يصدق ذلك وهو يرى كيف انخرط مناضلو العدالة والتنمية من خلال وظيفة الحزب الدستورية في الحرص على تأطير المواطنات والمواطنات ودعوتهم إلى تطبيق مقتضيات حالة الطوارئ الصحية، والالتزام بكل الإجراءات المتخذة من قبل كل السلطات العمومية لتجاوز هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها العالم وليس بلدنا فقط.

إن ما كتبه الأستاذ عبد الرحيم منار اسليمي ومع كامل الأسف لا يمكن ادراجه إلا ضمن حالات النشاز المنشغلة بقضايا الانتخابات المقبلة والمهووسة بكيفية إزاحة العدالة والتنمية من تصدره للمشهد السياسي والحزبي في بلادنا، والتي إن كان قد يتفهم المرء قولها خلال المراحل العادية، فقد يجد صعوبة بالغة لتفهم ذلك الآن وخلال هذه المرحلة الدقيقة، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام عن صدوره في هذه المرحلة التي تحتاج منا جميعا للمزيد من التعبئة الوطنية واليقظة العالية لتجاوز تداعيتها.

رضا بوكمازي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.