هكذا أحيى الحجر الصحي قيما راسخة في المجتمع المغربي

محمد الطالبي

قد تكون احصائيات وأرقام الاصابات والوفيات كل يوم، وكل هذا الأسى في الفقدان، والركام المترامي الأطراف من القلق النفسي الذي أحدثه هذا الوباء العالمي، ضارة أصابتنا جميعا، لكن في كل محنة لابد أن تكون هناك منح ربانية، تلهم المجتمع وتحيي فيه أملا جديدا ومتجددا للمواجهة والمقاومة والمجابهة.

علي الشعباني، أستاذ متخصص في علم الاجتماع، وفي تصريح لـ pjd.ma، أكد أن وباء “كورونا” الذي اجتاح مجموعة من الدول عبر العالم، ومن بينها المغرب، قد أحيى من جديد قيما راسخة في المجتمع المغربي، وهي قيم كادت أن تنتهي، مضيفا أن هذا المصاب أحيى “المجتمعات الحميمية”، أي التجمع العائلي الذي قضت عليه التحولات الاقتصادية الرأسمالية التي كانت انعكاساتها الفردانية وخيمة على لحمة وانسجام الأسرة”.

إضافة إلى ذلك، شدد الشعباني، على أن هذا الوباء وإن أحدث هذا الهلع في النفوس عبر العالم، إلا أن المجتمع المغربي بتقاليده وعاداته الراسخة استطاع بتماسكه ووحدته وانسجامه، أن يتخطى رويدا رويدا تداعياته الاجتماعية، مبينا أن المجتمع المغربي معروف بالتكافل في الشدائد عبر التاريخ، إذ لم تكن هذه أول مرة يصاب بمثل هذه الأوبئة، بل تجاوزها عبر التاريخ بوحدته وتضامنه وتكافل العائلات ودعمها لبعضها البعض.

 ومن بين القيم التي أعادها الوباء إلى الواجهة، حسب أستاذ علم الاجتماع، “قيمة النظافة التي اعتبرها الدين الإسلامي على الدوام من الإيمان، حيث هناك اليوم إحساس جماعي بأهمية النظافة في تفاصيلها وجزئياتها الصغيرة، سواء في مواجهة الأمراض والفيروسات العادية أو مواجهة مثل هذه الفيروسات الفتاكة”، فاليوم، يقول الشعباني، “ترسخت هذه القيمة من جديد لدى المجتمع وعززت من حضور هذا التوجيه في كل بيوت المغاربة”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن ثقافة المكوث الطويل في البيت هي قيمة إضافية، باعتبار أنها لحظة لترتيب الأولويات من جديد ومعرفة قيمة الوقت، بحيث رجعت الأسر للقراءة ومتابعة دروس الأبناء، ومتابعة البرامج الهادفة، بل متابعة الأخبار الصحيحة من مصادرها الموثوقة، إنها “عملية إحياء لقيم يجب أن تكون أصلية وأصيلة، إنها عملية ترتيب الأولويات وضبط الوقت بالمنجز والعمل والأداء”، يضيف الشعباني. 

وتابع أن “هذا مكسب كبير، حيث ستبقى هذه القيم في المجتمع حية وستستمر وسيتم تطويرها والعمل بها في المستقبل وستغير الكثير من القضايا والسلوكات والمفاهيم الاجتماعية”، مردفا أنه حتى بعض الممارسات على المستوى الاقتصادي ستتغير من قبيل “تدبير الميزانية وإرجاع مفهوم ميزانية الأسرة إلى الواجهة من خلال تدقيقها وضبطها وعدم الاسراف”.

وعكس من يقول، بأن هذه لحظة طارئة واستثنائية وسينتهي كل شيء بانتهائها، يرى الشعباني، أن هذه التحولات وإن كانت طارئة فإنها “ستترك أثرها في البنية المجتمعية، وستعزز القيم التي أشرت إليها أعلاه وغيرها، فهي، نعم، لحظة استثنائية ومحددة في الزمن لكن امتدادها القيمي على المجتمع سيستمر”.

ومن بين الإيجابيات التي أحصاها الشعباني، والتي يرى أنها جاءت نتاج الحجر الصحي، تلك المرتبطة بالنقص الذي ستعرفه أرقام الوفيات التي تعرفها الطرق بالمغرب التي تودي يوميا بحياة الكثير من المغاربة، إضافة إلى نقص في الإجرام والإدمان والانحرافات المجتمعية التي كانت لها تكلفة كبيرة على المجتمع من حيث الشرخ الذي تحدثه على مستوى وحدته وانسجامه.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.