يتيم يكتب: التحول الرقمي بالمغرب.. هل تعجل جائحة كورونا باستكمال إنجازه(2)؟

محمد يتيم

بعض المبادرات في مجال التحول الرقمي

تجدر الإشارة إلى أنه مع تدابير الحجر الصحي في المغرب لم يجد المغاربة  غير الشبكة العنكبوتية ملاذا، حيث إنه من أجل تدبير عدد كبير من شؤون الحياة اليومية لجأت فئات واسعة من المغاربة لحلول رقمية سواء تعلق الأمر بالإعلام (توقف الإعلام الورقي وتحوله إلى الإصدار الرقمي) أو التعليم عن بعد، أو المعاملات البنكية أو التبضع واقتناء الحاجات اليومية من خلال خدمات التسليم للطلبيات في المنازل عبر منصات تجارية ناهيك عن تدبير سير بعض المرافق الإدارية ولائحة واسعة من الخدمات.

وكان المغرب قد شرع في مخطط للتحول الرقمي ليس المجال الآن لتقييمه، وحيث إنه ليس من الممكن استقصاء جميع مبادرات التحول الرقمي فسنكتفي بالإشارة إلى بعضها .

رقمنة الإدارة

لقد أطلقت وكالة التنمية الرقمية عدة مبادرات رقمية لتسهيل العمل عن بعد داخل الإدارات العمومية. ويتعلق الأمر بالشباك الوحيد للمراسلات مما سيمكن من رقمنة عملية معالجة المراسلات داخل كل إدارة ، وتضم هذه المبادرة عددا من العمليات تمكن العاملين بالإدارة من معالجة وتتبع الواردات والصادرات عبر سير عمل التعيين والتحقق، والأمر يتعلق بملف إلكتروني تمكن من نزع الطابع المادي لتدفق الوثائق بما يقتضيه ذلك من عمليات جديدة (تدبير الموارد البشرية، الاقتناءات واللوجستيك، التواصل الداخلي إضافة إلى التوقيع الإلكتروني للوثائق الإدارية). وقد انخرطت ست وزارات و5 جماعات ترابية وخمس مؤسسات ومقاولات عمومية في هذا المشروع.

كما تعد الحكومة مشروع قانون رقمي لتسهيل التشغيل البيني وتبادل البيانات بين الإدارات. الهدف هو السماح للمواطنين بأن يكون لديهم نقطة اتصال واحدة، دون الحاجة إلى الانتقال من إدارة إلى أخرى من أجل جمع الوثائق المختلفة لملف ما.

رقمنة العدالة

من بين الخلاصات التي انتهى إليها الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، رقمنة الإدارة القضائية برفع تحدي محاكم بدون ورق في 2020.

ويعتبر مشروع الرقمنة من أهم المشاريع التي تعمل وزارة  العدل على تنزيلها بغية ضمان الشفافية والحفاظ على الحقوق الأساسية للمتقاضين ووضع المادة القانونية والقضائية رهن إشارتهم.

وقد قررت الوزارة إمكانية الحصول على جميع المستندات المطلوبة إلكترونيا، ويمكن الاطلاع على سجلات المحكمة عبر الإنترنت. كما تم تفعيل العديد من خدمات الحكومة الإلكترونية الأخرى خلال فترة الحجز هذه.

وتعتبر رقمنة المحكمة قفزة نوعية في كيفية اشتغال العدالة بالمغرب، حيث عملت وزارة العدل على حصر وجرد جميع السجلات الورقية والرقمية التي تعالج المعطيات الشخصية، والتي أعدت بموجب النصوص التشريعية والتنظيمية، فضلا عن تحصين قاعة المعلوميات المركزية والتي تحتضن الخوادم والموزعات، وحصر الولوج إليها، والتطبيق الصارم للتوجهات الوطنية في مجال أمن النظام المعلوماتي. كل ذلك من أجل مزيد من تقليص آجال البت وتنويع وتجويد الخدمات الالكترونية وصولا إلى المحكمة الرقمية الذكية الآمنة، التي تكرس الثقة وتشجع على الاستثمار حسب الوزارة .

رقمنة المحافظة العقارية

وضعت الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية برنامجا استراتيجيا يرمي إلى رقمنة كافة خدماتها.

وانطلاقا من 2 يوليوز 2018، تم تحويل أسلوب تقديم خدماتها المرتبطة بالمسح العقاري  وبالخرائطية إلى النمط الرقمي. وذلك من خلال فضاء أطلق عليه اسم  Espace Cadastre et Cartographieالذي سيمكن من استقبال طلبات الشركاء المهنيين ومعالجتها بانسيابية وشفافية وخاصة طلبات المهندسين المساحين الطوبوغرافيين التابعين للقطاع الخاص.

فبفضل هذه الخدمة يتم حاليا معالجة قرابة 1000 عملية يوميا تتعلق بالمسح العقاري بطريقة رقمية. ويتمثل الهدف من تطوير هذه الخدمة الرقمية في تقليص الآجال واستعمال قنوات تبادل المعلومات مؤمنة مع ضمان التفاعل الآني للوكالة مع طلبات المرتفقين، وخلق شباك وحيد يجمع بين خدمات المسح العقاري  والمحافظة العقارية ويمكنهم من خلال منصة واحدة، من الاطلاع على جميع الوثائق التي تهم قضاياهم.

وتزامنا مع هذه القفزة النوعية التي تعرفها خدمات الوكالة، فإن إنتاجيتها في ميدان التحفيظ العقاري حققت ارتفاعا غير مسبوق إذ تم تأسيس 350000 رسما عقاريا خلال سنة 2018، وتستقبل 3 ملايين مرتفق سنويا، من بينها مليون مرتفق من خلال البوابة الإلكترونية للوكالة.

وستواصل الوكالة رقمنة خدماتها في مجال الإجراءات التي تربطها بالموثقين على غرار ما تم تحقيقه في خدمات المسح العقاري والخرائطية والجيوديزية.

رقمنة خدمات الحماية الاجتماعية

تمكن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، من خلال الاستخدام الجيد للشبكة العنكبوتية، من إحداث نقلة نوعية في خدماته من خلال إعداد خدمات عن بعد، تعتبر خطوة في التحول الرقمي.  وتشير بعض المؤشرات الرقمية التي هي في مسار تصاعدي إلى ذلك حيث إن أكثر من 2,9 من المأجورين يتم التصريح بهم عن بعد، في حين يستقبل الخادم الصوتي أكثر من 30000 اتصال شهريا في المتوسط.

كما مكن إزالة الطابع المادي للخدمات من التواصل مع الزبناء حول وضعيتهم الإدارية ومتابعة ملفات الخدمات وصرف التعويضات، مما مكن من تقليص عدد الزيارات للوكالات، وحقق توظيفا أمثل للموارد البشرية للوكالات. ومن مؤشرات ذلك أن عدد التحميلات من بوابة macnss    قد تجاوز 6,7 مليون تحميل حسب آخر المعطيات.

وكان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قد أحدث بوابة “المؤمن لهم”، وتتضمن العديد من الخدمات عن بعد، خصوصا الاطلاع على الوضعية الإدارية للمؤمن لهم، وموجز المسار المهني المصرح به لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ومعرفة مراحل معالجة ملفات التعويض عن المرض والتعويضات اليومية عن المرض، وتتبع أداء المعاشات والتعويضات العائلية.

وتنضمن الصيغة الجديدة لبوابة “المؤمن لهم” وظائف أخرى؛ مثل نسخ الشهادات عن بعد، والاطلاع على جميع التصاريح بالأجور، والاطلاع على مراحل معالجة جميع ملفات التعويضات، وكذلك القيام بمحاكاة مبلغ المعاش. 

  وكان تطبيق الهاتف الذكي  “MaCNSS”، قد أطلق مند سنة 2014، وأصبح التطبيق المهني الأول في المغرب، حيث يوفر الولوج إلى خدمات أخرى؛ مثل تحديد المواقع الجغرافية لتمثيليات الضمان الاجتماعي المحلية والجهوية، وكذلك الاطلاع على أحدث الأخبار، بالإضافة إلى الإطلاع على جميع التصريحات بالأجور، ومحاكاة مبلغ المعاش، والاطلاع كذلك على جميع مراحل معالجة ملفات التعويضات وإرجاع الاشتراكات الأجرية.

كما أحدث الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مركز الاتصال “آلو الضمان”، للاستماع إلى زبنائه وتقديم المشورة والمساعدة الفورية لهم، حيث يمكن مركز الاتصال من تلقي المكالمات باللغات العربية والفرنسية والأمازيغية، ويعالج الشكايات التي يتلقاها عبر البريد الخاص لصفحة الفيسبوك وعلى الصندوق الإلكتروني للمؤسسة، فضلا عن وجود خادم صوتي تفاعلي متاح بشكل مستمر، حيث يمكن المؤمن لهم من الإطلاع على كثير من المعلومات المتعلقة بهم (عدد الأيام المصرح بها، معرفة مراحل معالجة ملفات التعويضات…)، 

واعترافا بجهوده في هذا المجال حصل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على عدد من الجوائز الوطنية والدولية منها جائزة التحوّل، خلال الدورة الثامنة للقاءات الدولية للتحول التي تم تنظيمها في الفترة الممتدة من 16 إلى 18 شتنبر 2019، في باريس، من قبل كرسي المدرسة العليا للعلوم الاقتصادية والتجارية (ESSEC)، وذلك بفضل الجهود المبذولة في مجال التحول الرقمي، وهي مقاربة مكنت الصندوق من أن يكون متأقلما مع معطيات جائحة كورونا، حيث وضع الصندوق بوابة إلكترونية covid19.cnss.ma موجهة لوضع طلبات الاستفادة من تعويض جزافي اعتباطي شهري بالنسبة للأشخاص في وضعية توقف مؤقت عن العمل.

الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي

في إطار مكافحة انتشار فيروس “كورونا” بالمغرب، اتخذ الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي سلسلة من الإجراءات. الهدف هو حماية صحة حاملي وثائق التأمين مع ضمان حصولهم دون انقطاع على مزايا التأمين الصحي الإجباري (AMO).

وفي سياق جائحة كورونا أعلن الصندوق توقيف خدمة استقبال طلبات التسجيل وتحيين الوضعية الإدارية للمؤمنين وإيداع أو سحب بطاقات التسجيل، باستثناء الحالات المتعلقة بالاستشفاء، شريطة إثبات ذلك بشهادة للمؤسسة الاستشفائية المعنية، وتوقيف خدمة استقبال ملفات طلبات الإعفاء من الحصة المتبقية على عاتق المؤمنين المصابين بأمراض مزمنة ومكلفة، وطلبات مواصلة الاستفادة من الخدمات بالنسبة للأبناء المعاقين.

كما يشمل القرار، توقيف خدمة استقبال طلبات الموافقة على التعويض، كما أنه يمكن للمؤمنين اقتناء الأدوية ووضع ملفاتهم مباشرة لدى التعاضدية من أجل طلب التعويض .

ويهم قرار الصندوق أيضا توقيف خدمة استقبال ملفات طلبات الموافقة المسبقة التي لا تكتسي طابعا استعجاليا، ومواصلة استقبال طلبات التحمل،  إلى منتجي العلاجات الذين يتوفرون على خدمة شبكة خارجية (Extranet) التي تمكنهم من توجيه طلباتهم بطريقة إلكترونية.

أما بالنسبة لتحمل الأدوية المكلفة في إطار الثالث المؤدى مع الصيدليات ، فقد اتخذ الصندوق قرارا باعتماد التحمل البعدي الذي يمكن الصيدلي من منح الدواء المكلف للمؤمن أو ذوي حقوقه بعد التحقق من وضعيتهم الإدارية عبر الاتصال الهاتفي ووضع الصيدلي ملف الأداء بعد ذلك مباشرة لدى مديرية تصفية الخدمات التابعة للصندوق.

وقد وضع الصندوق الوطني مركز اتصاله رهن إشارة المؤمنين لاستقبال اتصالاتهم بخصوص الحالات الاستعجالية التي تستوجب متابعة من طرف المصالح المختصة.

رقمنة الخدمات الجبائية

وبدورها أحدثت المديرية العامة للضرائب منذ مدة خدمة إلكترونية جديدة تمكن الملزمين المنخرطين في خدمات SIMPL من الحصول على الوضعية التحليلية للبيانات الجبائية، في إطار الاستمرار في نهج استراتيجية الرقمنة وتحسين الخدمات”. ويمكن الولوج إلى هذه الخدمة  عبر فضاء SIMPL-IS، كما تحتوي الوضعية التحليلية للبيانات الجبائية على مرجع يمكن من التأكد من صحة المعلومات الواردة فيها من خلال بوابة المديرية العامة للضرائب”.

رقمنة التعليم

نصت المادة 33 من القانون الإطاري للتعليم والتدريب إدماج “التعليم الإلكتروني” في النظام لتعميمه التدريجي، وتعزيز الرقمنة في قطاع التعليم أمر أساسي لتحسين جودة التعلم وإعداد الشباب للتكيف مع احتياجات سوق العمل. وحيث إن المغرب يتخلف عن هذه القضية رغم الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة. فيتعين تسريع عملية دمج الرقمنة في مجال التربية والتكوين .

وقد أطلقت الوزارة في عام 2006 برنامج ” جيني ” لتطوير المهارات الرقمية في المدارس من خلال تطوير البنية التحتية وتدريب المعلمين والموارد الرقمية وتطوير حالات الاستخدام من خلال المساعدة في استخدام التقنيات الرقمية والإنترنت.

كما أطلقت منصة تعليمية رقمية TelmidTICE تضم عددا كبيرا من الدروس والتمارين المصورة تتيح لأكبر عدد من التلاميذ متابعة واجباتهم المدرسية في بيوتهم سواء من خلال الاتصال بالأنترنت أو عبر القناة التلفزية الرابعة المتاحة للجميع.

وبغض النظر عن الصعوبات المرتبطة بالولوجية الرقمية بالنسبة لجميع الفئات الاجتماعية وتوفر التغطية اللازمة للشبكة مما يقتضي التفكير في إعداد أجوبة حتى لا يصبح التحول الرقمي مجالا لتعميق عدم تكافؤ الفرص، فإن تطوير بيداغوجية وديداكتيك يتناسب مع كل مادة هو من الألويات، مما يطرح بقوة مسألة التكوين والتدبير التربويين وهو مما يمكن العمل عليه من خلال حلول رقمية وتكوينات عن بعد خلال المرحلة القادمة .

في المجال المالي

أطلق مكتب الصرف نظام “إدارة” التفويض والإبلاغ والمعالجة “الذكي”، وهو نظام أساسي يسمح بتقديم طلبات التفويض والإعلان عبر الإنترنت عن معاملات الصرف الأجنبي عبر الإنترنت.

وينطبق الشيء نفسه على المؤسسات المصرفية، التي تستمر في خدمة العملاء من خلال الشبكات المادية عن طريق إعادة ترتيب الجداول الزمنية. ودعت الأخيرة عملائها إلى اختيار الخدمات المصرفية عبر الإنترنت.

خلاصات

من الواضح أن الدرس الكبير الذي يمكن استخلاصه من الجائحة هو أن التحول الرقمي أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، فالتكنولوجيا الرقمية مكنت إلى حد كبير من تأمين بعض الخدمات في ظل تدابير الحجر الصحي، وأسهمت إلى حد ما في إنجاحه .

والدرس الثاني، هو أن المجتمعات التي ستمتلك الريادة، هي المجتمعات التي سيكون بإمكانها إنجاز هذا التحول الرقمي وتملك شروطه ووسائله ليس فقط على المستوى التكنولوجي فحسب، ولكن أيضا على مستوى التحكم في نتائجه وآثاره الاجتماعية، لكي لا يتحول إلى مشكلة بدل أن يكون حلا، أي مشكلة بتعميق الفجوة الرقمية وضعف الولوج إلى تكنولوجيتها، ومشكلة،  بالتحديات التي يفرضها التأقلم مع مقتضياتها،  وبإيجاد حلول إبداعية لتجاوز ما سيخلفه التحول الرقمي من قبيل خلق وظائف جديدة وفقدان الآلاف من الوظائف ومناصب الشغل، وعلاقات عمل جديدة، وقضايا إصلاح الإدارة بإعادة النظر في مفهوم الإدارة وعلاقاتها البيروقراطية، وعلاقات الشغل والتأطير القانوني لها، ومفهوم المدرسة وإعادة النظر في الترسانة البيداغوحية  المعمول بها لحد الآن، والمفاهيم والممارسات التي كاتب سائدة في المنظومة التربوية من أعلى رأسها إلى أسفل قدميها، وهلم جرا. وهي أسئلة تحتاج كل واحدة منها إلى تفكير جماعي عميق وجرأة في إحداث التحولات المطلوبة، وسيكون على الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والمجتمع المدني أن يكون شريكا في هذا التحول بل أن يكون رائدا فيه، ومسهما في توفير شروطه وثقافته .

لكن يبقى من أهم مداخل إنجاح هذا التحول هو التحول الرقمي في مجال التربية والتعليم. فعلى اعتبار أن هذا المجال هو مجال الاستثمار في التعليم، وأنه إذا كان العقل بلغة ديكارت هو أعدل قسمة بين الناس، فإن هذه العدالة التي هي في القسمة الإلهية للعقل باعتباره قدرات فطرية تولد متساوية بين الناس، سرعان ما تختفي حين يتعلق الأمر بعدم رعاية تلك القدرات الفطرية وتغذيتها وصقلها من خلال التربية والتعليم .

فالتحول الرقمي في مجال التربية والتعليم، يمكن أن يكون حلا لمسألة تكافؤ الفرص في مجال الوصول إلى هذا الحق الدستوري، ومدخلا للعدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية والفوارق بين الفئات،  وهو ما سيكون موضوع مقال قادم إن شاء الله.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.