برشيد: المثقف مطالب بمساءلة هذه اللحظة التي نعيشها

محمد الطالبي

المثقف هو الذي ينصهر في خضم هموم الوطن، الملتحم بإرادة وتطلعات الوطن والمواطنين في كل تمفصلاتها ومنعرجاتها، فالمثقف هو “ترمومتر” لقياس درجة الوعي الجمعي بالقضايا المصيرية والرهانات والتحديات الكبرى.

وفي جائحة كورونا صار دور المثقف أكثر أهمية في تفكيك معطيات ما وراء هذه الظاهرة الصحية العالمية التي نعيشها في أبعادها الفكرية الأخلاقية والقيمية والاجتماعية، من خلال طرح السؤال ومساءلة هذه اللحظة التي نعيشها، وهذا ما فعله بالضبط عبد الكريم برشيد، الكاتب والصحفي والمؤلف والمخرج المسرحي، في تصريح خص به “مجلة العدالة والتنمية”.

مساءلة المثقف

أكد برشيد، أن جائحة “كورونا”، بينت أن العالم ليس قرية واحدة وقطبا واحدا وليس هو العالم الصناعي، بل هو عالم فيه تنوع وغنى إنساني، مشيرا إلى أن  المثقف مطالب في هذه اللحظة أن يسائل هذه اللحظة التاريخية وأن يعرف مغزاها ومعناها وأن يستخلص الدروس والعبر وأن يقوم بتحسيس الناس بأن الله لم يخلق كل هذا باطلا.

وشدد المتحدث ذاته، على أن هناك حكمة كامنة في ثنايا الوباء، فحين ندخل بيوتنا، أو حين نعبر عن عاطفة الخوف كأسمى تعبير عاطفي، ونعرف بالتالي أن الحياة لها قيمة، وأن لا احد كان يعرف قيمة هذه الحياة إلا حين اقترب من تضييعها، مردفا أن “هذه لحظة، لنعرف قيمة تلك الأيام التي نخرج فيها إلى المقهى ونلتقي بالناس ونعيش الحياة بتلقائية وبصدق”.

دروس وعبر

وأبرز المتحدث ذاته، أن الأصل اليوم هو أخذ الدروس والعبر مما حدث، فالمهم أن يعرف الإنسان أولا أن أجمل ما في الوجود هو حيويته وانسانيته وليس جشعه وطموحاته الليبرالية اللامتناهية، طموحات حولت كل شيء لسلع، متناسيا هذا البعد الإنساني الكامن في دواخلنا، بعد أن انغمس النظام العالمي في عنصريته وغلوه واقصائه وتهميشه.

وأوضح برشيد، أن الأمم تعيش بالتضامن، وبقيم كونية جامعة حتى تصير جسدا واحدا إن أصيب فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر بالحمى، مشيرا إلى أن ما يجب أن يقوم به المثقف هو “أن لا يتخندق في خندق ضيق، بل يجب في هذه اللحظة أن يعبر بأفق واسع عن القيم الإنسانية الجميلة، فالجمال جمال والحق حق والعدالة عدالة والحقيقة حقيقة، فهذه هي القيم الإنسانية التي أتت بها كل الفلسفات ودعا إليها كل الحكماء عبر التاريخ”.

ترتيب الأولويات

وأكد برشيد، أن الأساسي اليوم هو ترتيب الأولويات، فالمعنى والعمق هو الذي يدوم والعابر لا قيمة له، فالأساسي والجوهري الذي نؤكد عليه اليوم هو القيم الإنسانية من تكافل اجتماعي وتضامن انساني بمفهومهما الجمعي الكوني النبيل، قائلا: إن “المثقف ينبغي أن يقوي هذه الأفكار الخالدة التي دافع عنها ابن خلدون وابن بطوطة وهي أفكار نبيلة لا تؤمن بالحدود”.

 وأشار إلى أن هذه القيم الكونية هي التي دعت إليها المرجعية الإسلامية التي تؤمن برب العالمين وليس رب العرب أو المسلمين، هي قيم كونية عابرة للحدود، مبينا أنه كانت هناك عَبر التاريخ فواصل وموانع وتقاطبات من حرب باردة ومعسكرات وإقامة الجدران الفصلية للفصل بين الإنسان والإنسان، لكن هذه الأمور بعد “كورونا” يجب “أن تنتهي لنؤسس لعالم جديد، نؤسس لنظام كوني غير قائم على منطق التجارة، بل على المعنى الإنساني، أي الحوار الثقافي والتبادل المعرفي”.

هكذا أقضي الحجر الصحي

“أنغمس في القراءة وأجد لذة بين الكتب والكتابة، وأصلا أيامنا سواء بالحجر أو غيره هي حياة كتابة وخلوة علمية، فالكاتب والباحث يحتاج إلى هذه الخلوة الصوفية، إنني تلميذ أجتهد وأبحث وأتعلم”، هكذا أجاب برشيد عن كيف يقضي فترة الحجر الصحي.

إنه الكاتب المهموم بالمعرفة الباحث النهم الذي جعل الحرف شعلة متقدة، ويجد هذا البرنامج الدائم سواء في الحالة العادية أو الطوارئ التزاما أخلاقيا، فالتأمل يقول برشيد، هو “لحظة الرجوع إلى الذات ومساءلتها، ألم يفعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك في غار حراء، ألم يكن هذا درب الصالحين والمتصوفة والزاهدين، إن المعرفة، هي معرفة الذات”.

وتابع: “وجدتني الآن بين الكتب بين المعرفة بين أحضان الحرف والكلمات، الكتاب شرفة نطل من خلالها على عوالم أخرى، إنها لحظة صفاء تجعلك تتأمل في العالم، هي لحظة مصارحة الذات فلا يمكن أن نكتشف العالم واشكالاته إن لم نعرف أولا ذواتنا، فمنطلق إيجاد إجابات لكثير من التحديات ينطلق من دواخلنا”، يقول برشيد.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.