بن صديق “لأكتييل”: الرميد دخل التاريخ بخطوته الشجاعة نحو الاقتطاع من أجور المضربين


 03-12-2012
 
قال فؤاد بن صديق، خبير في العلوم السياسية ومتخصص في تقييم المسؤولية الاجتماعية للمقاولات، إن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات دخل التاريخ بخطوته الشجاعة حينما قرر الاقتطاع من أجور المضربين في وزارته عن الأيام التي لم يقوموا فيها بواجباتهم الإدارية.  
 
وأضاف، في مقال رأي نشرته الأسبوعية  الفرانكفونية ” أكتييل” ليوم 30 نونبر 2012، إنه على إثر هذه الخطوة التي سماها بالجريئة والمسؤولة، “اتهم بعض النقابيين الحكومة بخرق الدستور، والحقيقة هي أنه منذ 1962 أكد القانون الأسمى على أن الإضراب حق مضمون، ولكنه، أبدا، لم يقل إن ممارسة الإضراب مؤدى عنها. لأنه لو كان الأمر كذلك لأدى هذا النوع من الإضراب إلى إفلاس مالية الدولة والمقاولات وكذلك روح الوظيفة النقابية”.
 
وتابع ” في الواقع، إن مطالبة المضرب بأجر أيام لم يقم فيها بواجبه تفتقد لكل مقومات الصواب، وهو تصرف لا معنى له، داعيا إلى إحداث مشروع لتحديث الإدارة ونظام أساسي للموظفين للخروج من هذا الوضع”.         
 
وفيما يلي المقال كاملا:
 
 لقد دخل مصطفى الرميد وزير العدل والحريات التاريخ بخطوته الشجاعة حينما قرر الاقتطاع من أجور المضربين في وزارته عن الأيام التي لم يقوموا فيها بواجباتهم الإدارية. وسرعان ما أبدى زميله الحسين الوردي وزير الصحة استعداده للقيام بنفس الخطوة في مواجهته للمضربين في قطاعه. كذلك الشأن بالنسبة لوزير التعليم العالي لحسن الداودي الذي أبدر حماسه لسلوك نفس النهج في مواجهة المضربين في وزارته.
 
إن من حسن حظ هؤلاء الوزراء أن الرأي العام يقف إلى جانبهم لأن المواطنين ملوا وتعبوا من الفوضى العارمة التي تعم الجماعات المحلية. فتحت ذريعة الحق في الإضراب، وطيلة عدة سنوات، امتنع موظفو هذه الجماعات من مزاولة عملهم ليومين في الأسبوع، علاوة على عطلة يومي السبت والأحد. وما فتئوا يحصلون طيلة هذه الأعوام على رواتبهم الشهرية بدون أدنى اقتطاع، وهو ما يعتبر انحرافا عن جادة الصواب‪! ‬
 
إن احتجاج بعض النقابات على هذا القرار أمر يعد نظريا صحيح ولكنه ليس كذلك في الجوهر. لقد ذهب بعضها إلى اتهام الحكومة بخرق الدستور، والحقيقة هي أنه منذ 1962 يؤكد القانون الأسمى على أن الإضراب حق مضمون، ولكنه، أبدا، لم يقل إن ممارسة الإضراب مؤدى عنها. لأنه لو كان الأمر كذلك لأدى هذا النوع من الإضراب إلى إفلاس مالية الدولة والمقاولات وكذلك روح الوظيفة النقابية.
 
الحركة النقابية الملتزمة ليست في حاجة إلى التأمين  على كل المخاطر، فهي لا تطالب دافعي الضرائب بضمان أجر للمضربين على الأيام التي لا يؤدون فيها أي خدمة للدولة، ولا هي حركة للتضحية تقوم بالخلط فيما بين النضال والمغامرة طالبة من الناس أن يتخلوا عن قسط من دخلهم الذي هو  مصدر عيش أسرهم.
 
إن النقابات الحقيقية تقوم بتخصيص صناديق للتضامن يتم ملؤها بواسطة مساهمات أعضائها، والتي بفضلها يتكون لديها ما يسمى “بميزانية الحرب” يمكنها من الصمود في أيام المواجهات. النقابات المغربية للوظيفة العمومية لم تتبنى هذه الطريقة وربما غابت عن ذهنها.
 
 إن الإضراب حرية أساسية، وغالبا ما كانت هذه الحرية عرضة للعرقلة في القطاع الخاص بسبب أرباب عمل متوحشين لا يتوانون عن خرق مدونة العمل، وقد استفادوا من تواطؤ رجال الأمن والقضاة في قمع النقابات. صحيح أن الوظيفة النقابية المغربية تكبدت عنفا طبقيا مفترسا وهو العنف الذي كان من المفروض أن يعلمها كيف تحمي استقلاليتها. فالمعركة التي خاضتها نقابة من حجم الإتحاد المغربي للشغل كانت بطولية في إصرارها على الحفاظ على حيوية هياكلها ومواجهة خطر التفرقة والفساد والمساومات اليسارية والقمع. وهذه المنظمة ومنافستها القديمة (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) تتأقلمان مع المستجدات إلى اليوم.
يجب التأكيد على أن الدفاع عن حق الإضراب بكل الوسائل، حق كوني مارسه المغاربة بكل شجاعة وإن خارج القانون، وذلك من أجل الحصول على الاستقلال الوطني. فبواسطة الإضراب استطاع العمل النقابي، هنا وفي كل مكان، الفوز بالشرعية الاجتماعية وتمكن من تطوير آلياته. وبفضل الإضراب أمكن للرجال والنساء في العمل  قول كلمة “لا”، وأن يضعوا نسبيا حدا للثقافة الفيودالية وللسلطوية اللتان ميزتا، ولقرون من الزمن، العلاقات الاجتماعية في المغرب.
ولكن المطالبة بأجر أيام الإضراب هو في واقع الأمر موقف يفتقد لكل مقومات الصواب، وهو تصرف لا معنى له. لقد تطبعت النقابات خلال مسيرتها بعادات جد سيئة، فخلال التسعينيات تعودت النقابات التابعة لأحزاب الكتلة على إعلان الإضرابات لمدة 24 تم 48 تم 72 ساعة في قطاعات الصحة والتربية والجماعات المحلية وبدون أي اقتطاع من الأجور بحجة أن النظام المحاسباتي للخزينة العامة لا يسمح بقياس حجم الاقتطاع عن الخدمات التي لم يؤديها كل شخص مضرب.
 
والحقيقة أيضا هي أن وزير الداخلية الشهير المرحوم البصري سامحه الله كان في تلك الحقبة يفبرك الخريطة السياسية النقابية الضرورية لنسج ما كان يسمى ب “التناوب التوافقي ” وقد كان نصرا باهظ الثمن، لأن المغرب يضم اليوم أزيد من ثلاثين مركزية نقابية. حصلت كل هذه المركزيات على حق الاستفادة من الأجور دون اقتطاع الأيام الإضراب، وهذا بفضل بيروقراطيتها التي جعلت منها مجموعات من المأجورين الدائمين في الوظيفة العمومية. وللخروج من هذا الوضعية لا بد من مشروع لتحديث الإدارة ونظام أساسي للموظفين، هذه الحاجة الملحة ليست بالسهلة ولكنها أساسية.          
 
 
ترجمة ‪pjd.ma‬
عن الأسبوعية  الفرانكفونية ” أكتييل” ليوم 30 نونبر 2012

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.