حوار.. الخصاصي: اقتصادنا الوطني قادر على التصدي للأزمات

قال عادل الخصاصي، المحلل الاقتصادي، وأستاذ أستاذ التشريع المالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، إنه على الرغم من كل المعطيات التي قد تحمل صورة قاتمة على الوضع الاقتصادي، فإن فسحة الأمل التي قد نفتحها في هذا الصدد نستلهم أهم مؤشراتها من القدرة التي أبان عليها اقتصادنا الوطني في التصدي للأزمات، نذكر من بينها تحمله للأزمة المالية العالمية لسنة 2008.

وأضاف الخصاصي، في حوار مع “مجلة العدالة والتنمية” في عددها الثامن الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أن هناك مؤشرا ايجابيا مرتبطا بتسجيل تحسن سعر صرف العملة الوطنية مقابل بعض العملات الصعبة حتى وقت أزمة فيروس كوفيد 19، مشيرا في جانب آخر، إلى ضرورة أن يصبح التدبير المبني على المخاطر جزءا لا يتجزأ من التدبير المالي للمرحلة المقبلة.

وتابع قائلا: “يجب أيضا توجيه الإنفاق العمومي نحو الأولويات على المستوى الصحي والاجتماعي والاقتصادي بعيدا عن المقاربة المحاسبية أو الموازناتية الصرفة، بالإضافة إلى وجوب ارتكاز مقومات نموذجنا التنموي على التنمية المستقلة القائمة على المؤهلات الوطنية”.

وفيما يلي نص الحوار:

في البداية، ما قراءتكم للإجراءات التي قامت بها بلادنا للتصدي لجائحة كورونا؟

إن القراءة التي يمكن القيام بها لحزمة الإجراءات التي باشرها المغرب لمواجهة جائحة كورونا تفيد في استخلاص عبرة أساسية وهي أن هذه التدابير في غاية الأهمية فيما يخص الحد من الجائحة وحماية الاقتصاد والنسيج المجتمعي حيث رجحت بلادنا القيمة الحقيقية للمواطن المغربي وأعلنت الانتصار لحياته قبل أي شيء آخر، وهو ما يكشف بشكل صريح أن النهج الاقتصادي الذي يسير على منواله المغرب هو الليبرالية المعتدلة والإنسانية، لأن قوى اقتصادية عالمية لم تكن لها هذه الجرأة في ترجيح كفة الصحة العمومية على كل الاعتبارات الأخرى.  

كيف تقيمون الإجراءات التي قام بها المغرب على المستوى الاقتصادي لتجاوز الأزمة؟

في المرحلة الحالية يصعب إجراء أي تقييم أولي للإجراءات التي تم اعتمادها على المستوى الاقتصادي، لاسيما وأن الحجر الصحي لازال مستمرا لمدة ثلاثة أسابيع إضافية، مما يعني أن الوضعية الوبائية غير مستقرة لحدود الساعة، وبالتبعية فإن المستقبل قد يشهد تطورات جديدة بما فيها إقرار تدابير جديدة لمصاحبة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للنسيج الاقتصادي وكذا الفئات المتضررة.

تميزت هذه المرحلة بمجموعة من الإجراءات التي تهم الإعلان عن لجنة للقيادة ولجن أخرى لليقظة إضافة إلى إنشاء صندوق لمواجهة الجائحة، كيف تقرؤون هذه الإجراءات ؟

من القرارات الحكيمة التي استبق بها جلالة الملك تطويق انتشار الجائحة إعلان إحداث لجنة للقيادة، والتي تعمل على قدم وساق مع باقي لجان اليقظة الأخرى بما فيها اللجنة الاقتصادية، هذا ناهيك عن المبادرة الملكية بخصوص إحداث صندوق مواجهة فيروس 19.

من المؤكد أن لجنة اليقظة الاقتصادية قد تمكنت في غضون الأسابيع الأخيرة من عقد سلسلة من الاجتماعات، بلغ عددها ثمانية، واتُخذت في إطارها العشرات من القرارات التي نالت التنفيذ والتتبع، وقد تميزت جل قراراتها بالفاعلية والتدخل السريع والتجاوب مع الانعكاسات التي ترتبت على توقف العديد من القطاعات المنتجة.

وساهم إحداث الصندوق المرصد لمواجهة الجائحة في توفير شريان مالي مهم في تدبير التداعيات المالية للخصاص الذي ستعانيه ميزانية الدولة نظرا لترقب تراجع مهم في الموارد الضريبية وبالمقابل ارتفاع حجم النفقات الناتجة عن تدبير انعكاسات هذه المرحلة صحيا واقتصاديا واجتماعيا.

وللإشارة فقد تجاوزت موارد هذا الصندوق 30 مليار درهم بفضل التضامن الوطني الذي ميز المساهمات التي عرفها هذا الصندوق.      

قامت الحكومة من خلال لجنة اليقظة بمجموعة من الإجراءات التي همت دعم المقاولة والشركات والفاعلين الاقتصاديين إضافة إلى دعم اجتماعي للأسر المتضررة، ما أهمية هذه الإجراءات، وهل هي كافية؟

هذه الإجراءات التي تم اتخاذها والتي جاءت كمخرجات عن أعمال لجنة اليقظة الاقتصادية لفائدة القطاع المهيكل وغير المهيكل والأجراء وباقي الفئات الاجتماعية المتضررة شكلت دعما حقيقيا ومهما، غير أنها غير كافية، لأن هناك فئات لا يستهان بها لم تستفد من الدعم لاسيما من العاملين في القطاع غير المهيكل، وهو ما يدعو أكثر من أي وقت مضى إلى وجوب مأسسة برامج الرعاية الاجتماعية وفقا للمقاربة التي شرعت في بلورتها الحكومة من خلال إخراج السجل الاجتماعي الموحد توخيا لعقلنة كافة التدخلات التي يمكن مباشرتها بعيدا عن المقاربة الإحسانية التي لا تستجيب لمعايير الاستهداف الاجتماعي الدقيق.

فبالنسبة للتعويضات التي صرفت لفائدة الأجراء فلم يستفد سوى 701 ألف أجير تم التصريح بهم من لدن 120 ألف مقاولة. في حين أقرت 134 ألف مقاولة أن ما يناهز 950 ألف أجير متوقفون مؤقتا عن العمل.

كما أن المعطيات التي تم استقاؤها من المغاربة العالقين بالخارج تؤكد أن هذه الفئة لم تلق التدخل المناسب مما يكرس محدودية شمول الدعم لمختلف الفئات المتضررة.

  أعلن وزير الاقتصاد والمالية أن الاقتصاد الوطني يخسر مليار درهم يوميا في ظل اجراءات حالة الطوارئ الصحية، ما تقييمكم للانعكاسات السلبية للجائحة على الاقتصاد الوطني ؟

هذه الأزمة التي ترتبت عن جائحة فيروس كوفيد 19 جعلت اقتصاديات بلدان المعمور كلها متضررة بنسب متفاوتة، وذلك حسب قدرة الأنظمة الاقتصادية الوطنية لمواجهة الصدمات، بدليل أن صندوق النقد الدولي كان قد سجل تقديم 85 بالمائة من الدول الأعضاء لطلبات الاستفادة من القروض بفعل هذه الأزمة.

وبالنسبة للمغرب، فالملاحظ أن المندوبية السامية للتخطيط قد رصدت أن هذه الانعكاسات السلبية بدليل أن الشلل الذي طال عجلة الاقتصاد الوطني نتج عنه توقف حوالي 6300 مقاولة بصفة نهائية عن العمل مع ما يترتب عن ذلك من مآسي اجتماعية.

هذا بالإضافة إلى تراجع نسبة النمو الاقتصادي والتي يفترض أن تسجل نسبة سلبية خلال هذه السنة تقدر ب1,8- في المائة في الفصل الثاني من هذه السنة، ينضاف إلى ذلك انحسار الموارد الضريبية وفتور كلي للقطاعات المدرة للعملة الصعبة كقطاع السياحة علاوة على تراجع كلي لعائدات المغاربة بالخارج، وتأثر حجم الموجودات الوطنية من العملة الصعبة ينضاف إلى ذلك تفاقم العجزين البنيويين المتمثلين في الميزان التجاري والميزانية العامة.

 أعلن رئيس الحكومة في اللقاء البرلماني الأخير عن تمديد الحجر الصحي وإعطاء أولوية لإنعاش الاقتصاد الوطني من خلال تحديد مجموعة من الأولويات كيف ترون الأولويات التي حددها رئيس الحكومة؟

تتمثل هذه الأولويات التي أعلن عنها السيد رئيس الحكومة في قطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي والحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى تسريع التحول الرقمي والحكامة الجيدة.

وأعتقد أنه ضمن هذه الأولويات ينبغي إجراء تصويب يمنح الأولوية القصوى لمنظومة التعليم والبحث العلمي على اعتبار أنها القاطرة لسلاسل كل القطاعات المنتجة. فبدون التعليم والبحث العلمي لا يمكن أن نقوم بتكوين الطبيب أو المهندس أو غيرهم من الأطر.

كما أن الاقتصاد الوطني ينبغي أن ينخرط في بوثقة اقتصاد المعرفة القائم على التحول الرقمي وعلى منح الأولوية للمهن العالمية الجديدة القائمة على روح المبادرة والابتكار والتمكين لفئة الشباب من خلال تمويل مشاريعها الخلاقة.

 أعلن وزير الاقتصاد والمالية عن قرار السماح لجميع المقاولات المغربية باستئناف أنشطتها مباشرة بعد عيد الفطر باستثناء تلك التي تم ايقافها بقرار السلطات المختصة؟ كيف ترون هذا الإجراء؟

مما لا شك فيه أن هذا القرار جاء للتخفيف على المقاولات التي تحترم التدابير الاحترازية التي سنتها السلطات العمومية ومثل هذه الاجراءات لا يمكن إلا أن تكون إيجابية.

 من بين الإجراءات أيضا التي قامت بها الحكومة فتح وزارة المالية لنقاش قانون مالية تعدلي، كيف ترون هذا الإجراء؟ وهل سيكون للتعديلات المرتقبة أثر ايجابي على الاقتصاد الوطني؟

إن اللجوء إلى قانون مالي تعديلي تفرضه في الغالب التقلبات الاقتصادية التي تغير ملامح الفرضيات التي انبنى عليها القانون المالي السنوي، مما يقتضي ملاءمة تقديرات القانون المالي السنوي مع التحولات الجديدة التي تطرأ أثناء عمليات تنفيذ هذه التقديرات، وتبعا لذلك فهو يساعد على تقويم مسار القانون المالي السنوي خاصة في ظل صعوبة التحكم في استقرار الظرفية الاقتصادية.

والراجح أن الظرفية الاقتصادية التي فرضتها جائحة فيروس كورونا تجعل من قرار القانون المالي التعديلي قرارا مبررا ومتطابقا مع روح ومقتضيات القانون التنظيمي لقانون المالية لاسيما المادة الرابعة منه، حيث تقتضي صدقية المعطيات التي وضعت وفقها ميزانية الدولة مراجعة تتناسب ومبدأ الترخيص البرلماني الذي يخضع له قانون المالية السنوي.

والملاحظ أن المشاورات التي ستقودها وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بهذا الخصوص ستحدد الملامح الكبرى للتدابير التي سيتم اقتراحها والتي ستعكف في الغالب على أن تكون أهم التعديلات داعمة لإنعاش الاقتصاد الوطني خاصة لتراجع معدل النمو الاقتصادي وللآثار التي نجمت عن الجفاف خلال هذا الموسم الفلاحي بالإضافة إلى احتمال أن تشهد الايرادات الضريبية انخفاضا مهما.

أكيد أن قانون المالية التعديلي يثير اشكالية مرتبطة بالفرضيات التي سيتم البناء عليها في ظل عدم استقرار الوضعية الاقتصادية وفي ظل تطورات الوباء كيف سيتم التغلب على هذا الإشكال ؟

في الحقيقة إن معضلة بناء فرضيات القانون المالي التعديلي في ظرفية غير مستقرة، كما هو الحال في ظل جائحة كورونا، يجعل من الصعوبة وضع الفرضيات، لذا يتطلب الأمر لضمان الطابع الفعال للتدابير التي سيتم اقتراحها بالإضافة إلى المتغيرات الملحوظة على المدى القريب والمتمثلة في تراجع الموارد الضريبية وكذا تسجيل نسبة سالبة في النمو الاقتصادي وتراجع أسعار بعض المواد الأساسية، ضرورة العمل على توسيع المشاورات مع مختلف الفاعلين والقوى الوطنية للإلمام بمختلف المتغيرات الأخرى كي يكون القانون المالي التعديلي المقبل ملما بمختلف المتغيرات التي تستلزمها المرحلة المقبلة.

 كيف تستشرفون وضعية الاقتصاد الوطني بعد هذه الجائحة؟

على الرغم من كل المعطيات التي قد تحمل صورة قاتمة على الوضع الاقتصادي، فإن فسحة الأمل التي قد نفتحها في هذا الصدد نستلهم أهم مؤشراتها من القدرة التي أبان عليها اقتصادنا الوطني في التصدي للأزمات، نذكر من بينها تحمله للأزمة المالية العالمية لسنة 2008، وتسجيل تحسن سعر صرف العملة الوطنية مقابل بعض العملات الصعبة حتى وقت أزمة فيروس كوفيد 19، وهو ما يتطلب بالمقابل أن يصبح التدبير المبني على المخاطر جزءا لا يتجزأ من التدبير المالي للمرحلة المقبلة، وأن يتم توجيه الإنفاق العمومي نحو الأولويات على المستوى الصحي والاجتماعي والاقتصادي بعيدا عن المقاربة المحاسبية أو الموازناتية الصرفة، بالإضافة إلى وجوب ارتكاز مقومات نموذجنا التنموي على التنمية المستقلة القائمة على المؤهلات الوطنية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.