لكي لا نتحول إلى حطب للدعاية السوداء

هذه الكلمة ليست موجهة للمغرضين الذين يتاجرون في المآسي، ويركبون على الصعوبات والإكراهات المرتبطة بتداعيات الجائحة، وخاصة خلال المرحلة الأخيرة حين ظهرت مؤشرات على تزايد الإصابات والوفيات، بل إن بعضهم طالب باستقالة الحكومة حين اتخذت قرار منع التنقل من وإلى عدة مدن بالمملكة !

ليس هناك من سبيل إلى إقناع من ساءت نيته ولكن وجب التذكير بأنه يتعين على الطيبين من مواطنينا ومتعاطفي الحزب أن يحذروا من الدعاية السوداء، ويحصنوا أنفسهم في التعامل مع هذه الحملات المغرضة بما يلزم من الوعي والتثبت والضوابط المنهجية في التعامل مع الأخبار الزائفة والحملات التضليلية التي لم يتورع بعضها على اختلاق أخبار مزيفة وصلت إلى حد أعلى سلطة في البلاد حين أشاعوا أنه صدرت عنها تعليمات تفيد بتـأجيل نفاذ القرار المشار إليه أربعة وعشرين ساعة، في حين ادعى بعضهم الآخر  أن عدد القتلى نتيجة امتلاء الطرقات بالمسافرين ليلة الإعلان عن القرار قد بلغت مائتي قتيل .

أن يوجد من ينتقد أداء الحكومة  مسألة إيجابية  بل ضرورية، لكن هذا شيء و الدعاية السوداء والأخبار الزائفة  شيء آخر، فهما عاملا هدم لأي تجربة ديمقراطية، وصناعة لليأس وتكريس للعزوف وتشكيك في المؤسسات التي لا تقوم حياة سياسية سليمة دونها،

ولذلك كان من اللازم بالنسبة لعامة المواطنين والمتعاطفين والمناضلين خصوصا الذين يفترض فيهم أن يسهموا في مواجهة ظواهر العزوف واليأس، وللإعلام الوطني المسؤول والأحزاب الوطنية، أن يتصدوا لمحاولات التبخيس والتيئيس ويسهموا في بناء مناعة فكرية ومعرفية وخلقية تجاه حملات التزييف، وفي مواجهة الدعاية السوداء،  لا أن يكونوا ضحايا وحطبا يؤجج نارها، وذلك من خلال إعمال المبدأ المنهحي المعروف في حضارتنا الإسلامية: إن كنت ناقلا فالصحة، وإن كنت مدعيا فالدليل، والمبدأ الأخلاقي الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، والقياس العقلى المسمى حسب علمائنا ب : ” قياس الأولى ” والذي استنبط من قوله تعالى في سياق التعليق عن واقعة الإفك ” لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين “

وعلاقة بنازلة هذا الحديث فقد تبين ما يلي :

– إن ما تم ترويجه عن عدد ضحايا ليلة الإعلان عن القرار الحكومي لا أساس له من الصحة،  فعدد الحوادث المسجلة يومي الإثنين والثلاثاء  كما كشف ذلك بلاغ وزارة النقل لا يختلف كثيرا عن المعطيات المسجلة خلال نفس الفترة من السنوات السابقة كما تشير إليه المعدلات اليومية لشهر يوليوز 2019 .•

 – إن المسؤولية السياسية والوطنية والأخلاقية كانت تقتضي اتخاذ القرار المذكور بسبب تصاعد عدد الإصابات التي وصلت في يوم واحد أكثر من 800 حالة وارتفاع عدد الوفيات

– لم يكن من الممكن- كما ذهب إلى ذلك البعض- إعطاء مهلة للمواطنين، فسيكون حينها احتمال توسع انتشار الفيروس كبيرا جدا بما له من نتائج كارثية لاقدر الله، حيث ستكون المدة الكافية التي يطالب بها البعض مناسبة سانحة للسفر وبالتالي نقل الوباء والموت للأهل  والأحباب بنسب  مضاعفة، وستكون آثار القرار معاكسة للمراد منه، وستحمل الحكومة آنذاك المسؤولية وتتهم بالتهاون في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أرواح المواطنين

لم يكن القرار المتخذ من قبل الحكومة قرارا شعبويا، ولا  قرارا سهلا أو سارا، فالاختيارفي مثل هذه الحالات  لا يكون بين الأفضل والأسوأ بل  بين الأسوإ والأقل سوءا ، 

نعم لقد تضرر المواطنون من هذا القرار، لكن الضرر سيكون أبلغ لو استمر التساهل وعم الوباء وعصف استهتارنا جميعا بالمكاسب التي تحققت في مواجهة الجائحة وضربت في الصفر كل التضحيات

  لو حكمت الحكومة  منطق إرضاء الناس على حساب صحتهم وسلامتهم وسلامة ذويهم، ستكون حينها حكومة غير مسؤولة سياسيا وأخلاقيا ، بل ستكون مسؤولة في المقابل عن العصف بكل المجهود الوطني الذي بذل لحد الساعة في مواجهة الجائحة وإهدار التضحيات التي بذلها المجتمع المغربي بمختلف مكوناته خلال فترة الحجر الصحي،

إن تدبير الشأن العام  ليس دائما هو إرضاء أو مسايرة رغبات الناس أو مسايرة بعض الأعراف والتقاليد الاجتماعية خاصة إذا تبين أن مراعاتها تنتج عنه أضرار بليغة. فكيف إذا كان هناك البعض منا لا يهتم بالمصلحة العامة ويمتهن الدعاية السوداء لأسباب سياسوية.

ينبغي لوعينا الجمعي أن لا يسمح لهؤلاء بالتسلل في الظلام في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون فيه لمواصلة التلاحم والتعبئة الوطنية في مواجهة الجائحة. 

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.