ماذا لو احتكم أشقاؤنا في الجزائر لمنطق الدين والعقل والمصالح المشتركة؟

ما يخسره الشعبان المغربي والجزائري بسبب القطيعة التي فرضها النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية كبير وكبير جدا. لو حكم جيراننا الجزائريون منطق الدين والأخوة والثقافة والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة، لكان وضع البلدين ووضع الاتحاد المغاربي وبلدانه وشعوبه شأنا آخر.

 وبطبيعة الحال لا نتلكم عن الشعب الجزائري الشقيق، بل نقصد حكام الجزائر الذين اختلقوا هذا المشكل ومعهم العقيد معمر القذافي في وقت من الأوقات الذي لم يترك حركة انفصالية في إفريقيا وفي العالم إلا ودعمها بما في ذلك حركات إرهابية، ولا يخفى على أحد أن هذا المشكل هو من مخلفات الحرب الباردة، ومن العوامل التي أسهمت في إشعال ناره، اعتبارات شخصية لدى الراحل هواري بومدين ترتبط بالمنافسة مع الملك الراحل الحسن الثاني.

للأسف الشديد سقط جدار برلين، ورحل بومدين ورحل القذافي، وأقعد بوتفليقة المرض عافاه الله، وظلت بعض مراكز السلطة في الجزائر على إصرارها في معاكسة المغرب في سيادته على أقاليمه الجنوبية التي هي ثابتة بالأدلة التاريخية وروابط البيعة الشرعية والتاريخية بين ملوك المغرب وقبائل الصحراء، وموثقة بالوثائق التاريخية في الأرشيفات الرسمية لدول مثل فرنسا وإسبانيا، ومواصلة تغذية أسباب استدامة هذا المشكل المفتعل.

يعرف الجميع أن عددا من القادة المؤسسين للبوليساريو كانوا طلابا في الجامعة المغربية ومنهم عبد العزيز المراكشي الزعيم السابق لجبهة لبوليساريو، وأن والده محمد البشير الركيبي ظل يقطن بمدينة قصبة تادلة إلى أن وافته المنية صباح يوم 21 أكتوبر2017 بالمستشفى العسكري بإنزكان، ويعلم الجميع أن عددا من القيادات التاريخية قد التحقت بالمغرب، ومن ثم فاسترجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية لا يمكن أن يكيف بأنه اعتداء على سيادة شعب وعلى حقه في تقرير مصيره.

الكل يعلم أيضا أنه بمنطق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة فإنه بمجرد أن تكلف مجلس الأمن بملف الصحراء المتعلق بتسوية السلمية للمنازعات، فإن ذلك يفيد سقوط الأطروحة التي يتذرع بها الحكام الجزائريون، ألا وهي مساندة حق الشعوب في تقرير المصير، علما أن أي قرار من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لم يعتبر قضية الصحراء قضية تصفية استعمار، أو وصفتها بأراض محتلة، وأن كل تلك القرارات تدعو إلى حل سياسي متوافق عليه بين الطرفين، واعتبار أن الجزائر معنية بالنزاع، ويتعين عليها أن تكون طرفا إيجابيا فيه.

 كما أن مجلس الأمن قد أكد للسنة الرابعة عشرة على التوالي، سمو مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمتها المملكة في 11 أبريل 2007، كما أشاد بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية والتي تجسدها مبادرة الحكم الذاتي.  

جيراننا من حكام الجزائر، للأسف الشديد ما زالوا مصرين على استخدام واستغلال شعار مبدأ تقرير المصير وتحريفه شأنهم في ذلك شأن العناصر الانفصالية، لمعاكسة المغرب في عملية استكمال وحدته الترابية، في حين أن العقيدة والممارسة الأممية السائدة تقر أن حق تقرير المصير لم يكن في يوم من الأيام مرادفا للانفصال أو الانشقاق وتقسيم الدول، حيث لو كان الأمر لكان من الراجح أن يصل عدد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة إلى 300 بلد عضو بالأمم المتحدة، علما أن ميثاق الأمم المتحدة يقر في القرار الشهير رقم 1514 حول تقرير المصير، في فقرته السادسة على أن “كل محاولة ترمى إلى القضاء الجزئي أو الكلي على الوحدة الوطنية أو الوحدة الترابية لبلد ما تكون مناقضة لأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة”.

الجزائر الرسمية تعلم علم اليقين الظروف التي تم فيها صناعة الحركة الانفصالية واحتجاز آلاف الصحراويين وقيادتهم لمخيمات تندوف لتخلق منهم ما تسميه بـ”الشعب الصحراوي”، وتعلم علم اليقين أنه لو ترك الخيار للمحتجزين، لاختاروا العودة مكرمين معززين إلى وطنهم كما فعل عشرات القياديين من الجبهة الانفصالية. وتعلم علم اليقين روابط الدم والقرابة التي تربط أهل الصحراء في الأقاليم الجنوبية بالنسيج البشري في الأقاليم الشمالية فضلا عن الامتداد البشري دما وثقافة وعادات ومصاهرة.

ومن المفروض أن تكون الجزائر الرسمية على وعي بأن مخطط القسيم والتفتيت وتقسيم المقسم هو مخطط استعماري قديم، وأن هذا المخطط متواصل اليوم في صيغ أخرى، وأن الجزائر نفسها قد تكون معرضة لهذا المخطط استغلالا للتنوع اللغوي أو العرقي في المجتمع الجزائري، لو شاءت أي جهة مغرضة أن تستخدم وتلعب ورقة الحق في تقرير المصير.

ولوحكم جيراننا من حكام الجزائر منطق الدين والأخوة والثقافة والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة، لكان وضع البلدين ووضع الاتحاد المغاربي وبلدانه وشعوبه شأنا آخر، فالاتحاد كفضاء إقليمي دولا وشعوبا يخسر كثيرا على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكامل الاقتصادي والاجتماعي، كما أنه خسر كثيرا على مستوى الروابط الاجتماعية والثقافية التي جمعت شعوب المنطقة، ويخسر كثيرا بالانشغال والإنفاق على هذا النزاع المفتعل. كم كان الفضاء المغاربي سيربح دون وجود هذا المشكل المفتعل. فاللهم اهد جيراننا لتحكيم منطق الدين والعقل والمصلحة المشتركة لشعوب المنطق التي هي في الحقيقة شعب واحد.

وأخيرا فقد جاءت التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية الصحراء المغربية بتراجع عدد الدول التي تعترف بالكيان الوهمي وفتح عدة دول شقيقة وصديقة لقنصليات في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف واضح وصريح بمغربية الصحراء، وتعبيرا عن ثقتها في الأمن والاستقرار والرخاء، الذي تنعم به الأقاليم الجنوبية للمملكة. كما جاءت الإدانة الواسعة للحركة المغامرة التي قامت بها البوليساريو بإغلاق معبر الكركرات والمساندة الواسعة للتدخل المغربي، ثم أولا وأخيرا الإجماع المغربي لكافة مكوناته الوطنية.

كل ذلك رسائل واضحة يتعين أن تدفع أشقاءنا الجزائريين والجماعة الانفصالية إلى مراجعة حساباتهما والتفكير بمنطق المصلحة العليا للاتحاد المغاربي وشعوبه ولفائدة الاستقرار والازدهار في المنطقة.

افتتاحية العدد 22 من مجلة العدالة والتنمية الرقمية

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.