خارج السياق: بطولات وهمية

منذ أن قضي الأمر، وحسمِ المغرب للموقف على الأرض بكل مهنية ونجاعة، لم يتبق للبوليساريو إلا العودة إلى عادتها القبيحة، بإطلاق العنان لمخيلتها في اختلاق مواجهات وسرد بطولات وهمية، للتخفيف من حدة الأزمة التي تعيشها قواعدها، وخلق الوهم وتصديقه بخصوص انتصارات وقصف هنا وهناك، وهكذا وسيرا على نهج الجوبلزية سيئة الذكر، توالت البيانات العسكرية التي فاقت العشرة إلى حدود الساعة بنسبة بيان لكل يوم، كلها تسرد وقائع لم تلتقطها كل الأقمار الاصطناعية التي تراقب كل صغيرة وكبيرة على هذا الكوكب الذي أصبح قرية صغيرة على حد قول مارشال ماكلوهان، كما عجزت كل وسائل الإعلام العالمية على تتبع أخبارها وبطولاتها الدونكيتشوتية على رمال صحراء لم تعد تحتمل تزوير الوقائع والعبث بالحقائق.
اليوم البوليساريو عارية تماما أمام العالم، فتلويحها بالمرابطة إلى ما لانهاية جنوب معبر الكركرات وقطع الطريق، أصبح سبة في جبينها لن تسقط بالتقادم، بعد فضيحتها بالهرب والفرار أمام البشائر الأولى للتدخل المغربي، دون أي محاولة للصمود أو إبداء التحدي، عكس العنتريات التي أنتجتها البوليساريو طيلة الأسابيع الثلاث قبل التدخل.
البوليساريو عارية تماما بعد تملصها من اتفاق وطلق النار، ودغدغة مشاعر بعض من قواعدها الذين ملوا من حالة اللاسلم واللاحرب وانسداد الأفق أمامهم، بالعودة إلى قاموس “الكفاح المسلح”، هذا الكفاح الذي تمخض فولد خداجا، عبارة عن مناوشات وفرقعات هنا وهناك، وتصوير ذلك على أنه مواجهات، وفتح المجال أمام الخيال لادعاء تسبب تلك المناوشات لضحايا وخسائر مادية في العتاد والتجهيزات، وكلها تخيلات واستيهامات، تكشف بالملموس أن البوليساريو مازالت تعيش زمن الحرب الباردة، وأنها عاجزة عن مواكبة التغييرات التي طرأت في العالم سواء على مستوى إدارة الحروب الحقيقية، أو في إدارة الحملات الإعلامية التي تأثرت بالتحولات الرقمية وما تتيحه من إمكانيات هائلة لالتقاط الخبر والتحقق منه بعيدا عن هيمنة الرقابة القبلية أو البعدية لأي جهة كانت والتحكم في مسار المعلومة والخبر.
لقد بدت البوليساريو وكأنها كانت تعيش في كهف، وأن الزمن قد توقف لديها منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولم يعد في العالم أجمع من يصدق أكاذيبها التي  تنتجها آلتها الإعلامية المهترئة، وإذا استثنيا الاعلام الجزائري الخاضع لأهواء المتحكمين في هذا البلد، الذي يروج ما يسمى بالبيانات العسكرية للبوليساريو، وتصريف مواقف شاردة تعكس تورط قيادة هذا البلد في تأجيج هذا النزاع، فإن البولساريو تعيش عزلة قاتلة ديبلوماسيا وإعلاميا، وهزيمة فادحة في الميدان، ولم يعد لديها ما تواري به انتكاساتها إلا هذه البطولات الورقية وادعاء مجد لا أثر له في الواقع.   

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.