محمد عصام يكتب: 23 نوفمبر.. ذكرى مجيدة من توقيع قبائل أيت باعمران

محمد عصام

في صبيحة مثل هذا اليوم من سنة 1957، وفي جو عليل لم تظهر معالمه بعد…هل تتربع على عرشه شمس الخريف الحارقة، أم أنه سيستسلم لمداعبات الضباب الذي يغازل قمم أيت باعمران، وينسج حول هامتها إكليلا أبيض يزيدها بهاء وجمالا،

في مثل هذا الوقت الذي يتربع فيه الصمت ويخيم الهدوء، لم يتوقع الإسبان المرابطين في مراكز أيت باعمران أن هذا الهدوء يحمل لهم مفاجئات ستنهي وجودهم بالمرة في هذه الربوع، فليس هناك ما يوشي بأن غضبا ما سينفجر في وجوههم بكل تلك القوة ويقتلع وجودهم الذي اعتقدوا أنه أقوى من التاريخ وأعمق من شجرة الأرگان التي تؤثت الفضاء، وتحكي بصبر وروية أمجاد الأباء والأجداد،

ومع خيوط الشمس الأولى المنسدلة بحنان على الأرض لتوقضها من نوم ليلة هنية لم يعكر سهادها شيء، علا صهيل الخيول وثار نقع الحوافر واختلط بتكبيرات الرجال وصوت البارود، الذي انهال كأنه غضب من السماء يصيب في كل اتجاه، في وقت واحد وبضربة واحدة وفي كل مراكز أيت باعمران حيث يوجد للإسبان موقع وإدارة وجند، لعلع الرصاص بسخاء في أملو وتيوغزة وإمستيتن وتموشة وإصبويا وغيرها ووصل حتى العرگوب في تخوم سيدي إفني، وكانت الصدمة قوية وغير متوقعة لدى الإسبان الذين استكانوا للهدوء والصمت التي يلف الربوع، معتقدين أن الباعمرانيين نسوا جذورهم وتنكروا لتاريخهم واستكانوا إلى وضعهم تحت حكمهم وسلطتهم،

نسي الإسبان أن الباعمرانيين قاوموا التدخل الأجنبي، بالحيلة والسياسة وروضوا في ذلك الانجليز والألمان وقبلهم البرتغاليين، وقاوموا فرنسا مقاومة الند للند، وكبدوها خسائر لن تنساها أبدا وهي التي جيشت لهم جيشا كبيرا دحروه على أعتاب أيت باعمران بمنطقة إگالفن سنة 1915، وردوا لها رأس حيدة بن ميس وهو أحد كبار القياد الموالين لها بعد أن فتكوا به في تلك المعركة الشهيرة، وظلوا يقاومون بكل الوسائل وأخروا دخول الاستعمار إلى أراضيهم الى غاية 1934، ورغم ذلك لم يستكينوا لوضعهم ولم يطبعوا معه بل ظلوا أوفياء لتاريخهم ولوطنهم، ولذلك انتفضوا ضد التجنيس سنة 1947 بعد 11سنة فقط من دخول الإسبان، ورفعوا شعار اللطيف ضده، ووقع شيوخهم وكبراؤهم ( إنفلاس) رسالة الرفض لقانون التجنيس( نموذج ايت الخمس مع أمغار سعيد وبقية إنفلاس الموقعين معه في وثيقة أملو 1947) إسبانيا نسيت أن من استعانت بهم في حربها الداخلية ( 1936) ضد الثوار واستطاعت بفضلهم وبسالتهم القضاء على حركة التمرد، حتى قال في حقهم فرانكو” إنهم مقاتلون أبناء مقاتلين”، لن يستكينوا مطلقا لحياة الذل، وأنهم فقط يلتقطون أنفاسهم استعدادا ليوم يصير فيه الرصاص أصدق إنباء من الكتب، فكان الذي كان مما ستذكره كتب التاريخ من مجد وبطولة، وستضطر معها إسبانيا إلى الانكفاء على نفسها في سيدي إفني فقط الى غاية 1969 حيث ستنسحب طبقا لاتفاقية فاس في نفس السنة، من آخر بقعة في أيت باعمران.

اليوم ونحن نعيش هذه التطورات التي تقع في صحرائنا الحبيبة، وننتعش بانتصارات بلدنا في ملف الكركرات، ما أحوجنا الى استحضار مثل هذه المواقف والبطولات، لربط الحاضر بالماضي، واستلهام روح التحدي التي بها نحقق ما نريد وبها ننتصر، ولنعلم الأجيال الحالية أن مجد هذا البلد ممتد في التاريخ، عميق في البطولات، وأن كثيرا من المناورات والأطماع قد تكسرت على صخرة صمود آبائنا وأجدادنا.. وأننا سنبقى دوما أمة شامخة أصلها ثابت وفرعها في السماء بإذن الله.   

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.