محمد عصام يكتب: في الذكرى السادسة لوفاة سي عبدالله بها..وقفة للتأمل

محمد عصام

تحل اليوم 7 دجنبر الذكرى السادسة لوفاة المشمول برحمات الله  سي عبد الله بها، وهي ذكرى تبعث مشاعر الفقد والأسى على رحيل مدرسة قائمة الذات، مستوية السوق، ناضجة القطوف، في العمل السياسي  والتصدي للشأن العام، مدرسة قائمة على تحقيق مناطات السعي في حاجات الناس والوطن، بدوام التحلي بأعلى درجات التجرد، والتخلي عن حظوظ النفس، وتسييج الفعل الإصلاحي بضوابط التدرج واللين وروح التوافق ودوام النصح، واسترشادا بالمنطلقات الجامعة والقيم الراسخة، والركون لها ولمقتضياتها مهما كلف ذلك.
تحل الذكرى هذه السنة في سياق وطني خاص موسوم أولا بظروف الجائحة، وبالتطورات الأخيرة في قضية وحدتنا الترابية بعد واقعة الكركرات، والتدخل الحازم للمغرب لإنهاء عبث عصابات البوليساريو ورد الأمور إلى نصابها، وهي سياقات تذكي فينا الروح الوطنية الجامعة، وتستنفر فينا جميعا على اختلاف تموقعاتنا وانتماءاتنا وزاويا نظرنا، روح الانتماء إلى الوطن، وتجعل صوت الوطن يعلو ولا يعلى عليه، وتدفع بحاسبات السياسة الضيقة إلى الهامش، لنعيد ترتيب أولوياتنا بشكل منحاز بالكامل إلى الوطن.
ونحن نتذكر سي عبد الله بها الذي كان انحيازه للوطن لا غبار عليه، تدل على ذلك مواقفه وسلوكه على مدى ممارسته السياسية، وتشهد له جنازته التي شكلت إجماعا وطنيا على استثنائية الرجل في وطنيته العالية، لابد أن نقف على واقعة مهمة في حياة الرجل مرتبطة بقضية الصحراء وبلائه المقدر في هذا الملف.
ففي سنة 2005 كان رحمه الله قد أبدع فكرة قافلة صلة الرحم، والقصد بها مد جسور التواصل بين أبناء الوطن، وصلة الرحم لأهالينا في الأقاليم الجنوبية، وشاءت أقدار الله عز وجل أن يتعرض الراحل لحادث سير مميت على مشارف مدينة السمارة قبيل أذان صلاة المغرب في يوم رمضاني مهيب، هذه الحادثة التي كانت سببا في استشهاد رفيقي سي عبد الله بها، الدكتور عبد الله برو المنسق الجهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة كلميم السمارة آنذاك، والإطار الصحراوي أحمد الراكب الركيبي، واستمر سي عبد الله بذات النفس الوحدوي، وبذات الإصرار على التواصل، وفي القيام بواجبه الوطني في التعبئة ومقارعة الأفكار بالافكار إلى إن اختاره الله لجواره،
واليوم نحن محتاجون لهذا النَفَس، الذي يعلي من شأن التواصل، لكن هذا التواصل لكي يعطي ثماره، تنقصه عملة أصبحت نادرة وعزيزة جدا، يلخصها الراحل في كلمة واحدة هي “المعقول”، وهي كلمة جامعة لكل معاني الصدق والثقة والجدية والمصداقية والنزاهة والشرف، هي نوع من الكيمياء التي تمنح للفعل الإصلاحي جواز المرور إلى الناس، وتخلق الثقة في الفاعل السياسي،
المعقول كلمة تلخص أعطاب الفعل السياسي في المغرب، وتحدد بدقة مكمن الخلل فيه، فنحن اليوم لسنا محتاجين للمؤسسات ولا للقوانين، بقدر ما نحن محتاجون لإرساء الثقة بين المؤسسات والمواطن.. محتاجون للمصداقية والنزاهة حتى نعطي للقوانين مضامين فعلية ونرد لها هيبتها،
نحتاج اليوم لفاعل سياسي يعيد للسياسة نبلها، وللانتخابات مضمونها..فاعل قادر على تملك اللحظة السياسية، وإنتاج خطاب وسلوك موسومين بالمصداقية.. فاعل قادر على جعل السلوك السياسي مطابقا للخطاب، منحاز إلى الشعب حامل لهمومه، واللحظة التي نعيشها اليوم هي فرصة بما تحمله من معاني الاجماع، وما يسكن تفاصيلها من روح الانتصار على وقع المكاسب المتتالية التي تحققها بلادنا ديبلوماسيا وتنمويا في أقاليمنا الجنوبية، تفرض على الجميع إعادة النظر في أسلوب ومضمون تعاطينا مع ملف الصحراء عموما،
المغرب اليوم على المستوى التنموي حقق مكاسب لا يمكن أن ينكرها إلا جاحد، تعززت ببرنامج تنمية الأقاليم الجنوبية الذي وصلت نسبة تنفيذه اليوم 70 % والذي انطلق من كلفة قدرت ب77 مليار درهم لينتهي اليوم بكلفة ستصل 85 مليار درهم، هذا النجاح سيعزز جاذبية العرض المغربي على طاولة الأمم المتحدة، وسيحفز بلا شك إخوتنا في الجهة الأخرى على إعادة النظر في اختياراتهم خصوصا وأن الانسداد قد بلغ مداه عند قيادة البوليساريو وعند حاضنتها الجزائر التي تتخبط في إشكالات لا نهاية لها،
لكن بالمقابل  نسجل وجود إشكالات على المستوى  السياسي للعرض الذي نبشر به، مرتبط أساسا بديمقراطيتنا في عمومها التي تحتاج إلى أن تستوي على سوقها، وتنضج ثمارها.. فمرحلة الانتقال نحو الديمقراطية قد طالت بما يكفي، ومنهجية التردد التي سلكناها طيلة هذه المرحلة لن تجدي نفعا في النهوض بمتطلبات المرحلة المقبلة واستحقاقاتها، وتؤثر سلبا على جاذبية رسائلنا في اتجاه إخوتنا في الجهة الأخرى، رغم أنه لا وجه للمقارنة بين الإمكانات الديمقراطية التي توفرها بلادنا ووضع الانسداد الكامل بالمخيمات وبالجزائر نفسها.
بكل الوضوح اللازم، أقول بأن الأسلوب المعتمد للأسف ومنذ زمن بعيد، في التنخيب داخل أقاليمنا الجنوبية، مازال مرهونا بعقلية تقليدية وجب القطع معها، تقوم على أساس مقايضة الولاء بالمنافع، مما أنتج خريطة سياسية لا تعبر عن الاختيارات الحقيقية لمواطنينا في هذه الأقاليم، بقدر ما هي انعكاس لحالة من الرداءة يعيشها المشهد السياسي، لن تستطيع أرقام المشاركة المرتفعة أن تخفي بشاعتها،
وبوضوح أكثر يجب أن نثق في الفاعل السياسي، وأن نرفع اليد على الممارسة السياسية هناك، بتخليصها من أغلال الولاء والقبلية، وأن نضمن التنافس السياسي على أرضية البرامج والمواقف، وأن نقطع مع منطق الريع الذي استباح كل شيء بما فيه السياسة وأصبح العملة الوحيدة القابلة للصرف هناك، باختصار نحتاج إلى إرساء ما أسماه الراحل سي عبد الله بها “المعقول” ولا شيء غير” المعقول”

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.