عيادي يكتب: الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.. تأكيد لحقيقة ورد للجميل

محمد عيادي

 أحدثت عملية الكركرات تحولا استراتيجيا في مسار القضية الوطنية، ذلك أن تنظيف المعبر من عبث مليشيات الانفصاليين وتأمينه،أسدل الستار عن مرحلة وفتح أخرى، خاصة وأنها لقيت دعما من دول شقيقة، وصديقة، منها من بادر لفتح قنصليات في مدينة العيون أوالداخلة، بعدما رأت أن المملكة المغربية جادة في مواقفها وتربط الأقول بالأفعال، من خلال التطور الكبير الذي عرفته الأقاليم الجنوبية اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا وتنمويا وحقوقيا، فضلا عن المجهود الدبلوماسي الجبار والفعال بقيادة جلالة الملك محمد السادس. 

في هذالسياق يأتي الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه بقرار من الرئيس دونالد ترامب، من باب تكريس حقيقة موجودة على أرض الواقع، وثانيا  نتاج جهود دبلوماسية مغربية مهمة. وثالثا ردا لجميل المملكة المغربية التي كانت أول دولة تعترف باستقلال الولايات المتحدة الأميركية في ديسمبر1777، وهو رد وإن تأخر فإنه مهم جدا.

الاعتراف الأميركي، وقرار فتح قنصلية بمدينة الداخلة، وإن كان لايعني انتهاء القضية على مستوى الأمم المتحدة، و لايحل النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، إلا أنه في الوقت نفسه يعني اقتراب وقت الحل، وبشكل ورقة ودعم قوية للمغرب في مجلس الأمن، لما للولايات المتحدة من وزن في المجلس و تأثير في السياسة الدولية.

البعض يتساءل ألا يمكن أن تتراجع الإدارة الأميركية المقبلة عن هذا الاعتراف بعد استلام الرئيس الجديد المنتخب وإدارته الحكم، والجواب أنه أمر مستبعد، لأن واشنطن تعتبر المغرب شريكا مهما في المنطقة في عدد من الملفات، فضلا عن العلاقات التاريخية بين البلدين، وكلنا يتذكر كيف تكلم الرئيس المنتخب الجديد لما زار المغرب حين كان يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما، وذكر اعتراف المغرب باستقلال بلاده بافتخار وامتنان..

ولنفترض جدلا أن واشنطن تراجعت عن الاعتراف بمغربية الصحراء، فإن ذلك لن يغير في أرض الواقع شيئا، فالمغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها ، كما أنه خطا خطوات جبارة في الملف، ومقترحه لحل النزاع المفتعل؛ مقترح معقول وواقعي وجدي بشهادة عدد من الدول الوازنة في مجلس الأمن والمنتظم الدولي. وقد ترجمت 17 دولة ذلك كما سلفت الإشارة بفتح قنصليات في مدينتي العيون و الداخلة. 

البعض يقول إن المغرب قايض الموقف الأميركي باعتراف واشنطن بمغربية الصحراء  بالقضية الفلسطينية، واعتقد شخصيا أنه غير صحيح من عدة وجوه:

أولا : بلاغي الديوان الملكي الخاص بمكالمتي جلالة الملك  مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومع رئيس السطلة الفلسطينية اعباس ابو مازن، أكدا مواقف المغرب المعروفة اتجاه القضية الفلسطينة،سواء المتعلقة بالمفاوضات أو القدس ورفض تهويده وتغيير معالمها الإسلامية، َالطابع الإسلامي للمسجد الأقصى، وقالها بصريح العبارة ” المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبدا، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة “.

ثانيا: أن المغرب، وهو يعيد فتح مكتب اتصال مع الكيان الاسرائيلي، لم يطبع العلاقات معه، كما فعلت دول عربية مؤخرا، و سبق للمغرب أن فتح المكتب المذكور عام 1994 وأغلقه عام 2002 بعد اعتداءات الكيان المذكور على الفلسطنيين والأراضي الفلسطينية. وفي هذا السياق، نفى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة  في تصريحات صحفية أن يكون ماتم إعلانه من خطوات تمت نظرا لخصوصية المغرب ووجود جالية مغربية يهودية، تطبيعا، كما نفى “أن يكون الاعتراف الأمريكي بالسيادة على الصحراء مقابل إعادة العلاقات مع إسرائيل”.

ثالثا: أن عدد من القوى المغربية السياسية والجمعويةوالنقابية عبرت دائما عن رفض التطبيع، وسمح لها أن تعبر عن موقفها إعلاميا وفي احتجاجات ووقفات منذ سنوات وسنوات، وهذه نقطة قوة تحسب للمغرب، لأنه إذا كان للأنظمة ضرورات تفرضها موازين القوى السياسية وطبيعة العلاقات الدولية، والدفاع عن مصالح استراتيجية وكل هذه التشابكات، فإن للشعوب خياراتها، ولذلك فقد ينجح الكيان الإسرائيلي في إقامة علاقات رسمية مع الدول، سواء في العلن أو الخفاء، لكن طموحاته تتكسر على صخرة إرادة الشعوب وقوة مناعتها ضد الاختراق.

ختاما، إني مقتنع بأن المغرب بما له من وزن وتاريخ ورمزية، و خصوصية، لم ولن يقايض قضية صحرائه بالقضية الفلسطينية، وواهم من يعتقد ذلك، لأن المغرب يعتبرهما معا قضية وطنية، عمل لأجلهما كل مايستطيع، ومواقفه ثابتة وشاهدة،عصية على المزايدة، وسيواصل عمله وهذا قدره.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.