غربي يكتب: الصحراء المغربية قضية وجود

غربي يوسف

يتساءل المتتبع لمستجدات القضية الوطنية عن الدواعي التي أدت إلى التحولات الأخيرة والتي يلخصها البلاغ الملكيالصادر في 10دجنبر 2020 الذي أعلن عن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه وفتح قنصلية بالداخلة لغايات استثمارية وتبادل فتح مكتبي اتصال مع إسرائيل.والسؤال يبحث في العمق عن الخلفية الحجاجية التي بني عليهاهذا المنتوج السياسي. ذلك أنه جاء مفاجئا و يبدو للوهلة الأولى أنه استمرار لسيرورة اعترافات وفتح متبادل للسفارات انخرطت فيه دول عربية من قبل وقوبل برفض واحتجاج واسعين .فهل الحالة المغربية متماهية مع السائد في هذا الاتجاه أم هي نتاج خاص له ظروفه وسياقاته المغايرة؟

وفي البداية أضع بين يدي هذا التحليل المحاذير التالية:إن الهاجس الذي يحرك هذه المقاربة ليس البحث عن التبريرات لهذا الموقف أو ذاك بل يدفعني النظر الموضوعي المؤسس على المعطيات المتصلة من جهة بتطورات قضيتنا الوطنية وبالتوجهات الدستورية المؤكدة على الانتماء للمجال العربي الاسلامي وما يترتب على ذلك من مسؤوليات أخلاقية.

وإذا كان الاعتراف بالسيادة مع تبادل مكتبي الاتصال غير متطابقين في العقل و الوجدان فما الذي ساكنهما في الصيغة التركيبة للبلاغ؟تضعنا هذه الاستفهامات في مجال البحث عن الخلفية الحجاجية التي أطرت بناء البلاغ الملكي،

يأتي في مقدمةعناصر الدليل الحجاجي المضمر أولوية تحصين البعد الأمني والعسكري للتراب الوطني و ضمان تدفق الامداد بالعدة والعتاد وقطع الطريق عن أي اصطفاف معاكس لصيرورة الحل الأممي الذي بدأ يرجح لصالح قضيتنا.

إن طول مدة الصراع وانعكاساته على الطموح التنموي الآخذ في التمدد بأوراش مهيكلة يكبح الانطلاق و يعسر امكانات التعاون مع عمقنا الافريقي الراغب/ المتوجس بسبب الضغوط ومؤشرات الانفلات الممكن الذي تعكسه سلوكات خصوم وحدتنا الترابية.

اما العنصر الثالث الحاضر في البنية الحجاجية فيتصل بإيمان المغرب الراسخ بثوابت القضية الفلسطنية التي تشكل اجماعا وطنيا يصل درجة الإيمان و اليقين ولا تقبل تنازلا وهو الحاضر بشكل واضح في السلوك السياسي الرسمي والشعبي باطراد . ينضاف الى ما سلف حدث الكركرات لا يرى منه غير الحسم الاحترافي الباهر لقواتنا المسلحة في حين يستدعي اجتراح السؤال عن سبب الصمت الدولي و بطء تحرك الأمم المتحدة في وجه خروقات فادحة بلغت محاولة استدامة الاغلاق بل و الرغبة في التمدد نحو الجهة البحرية لخنق المغرب ووضعه أمام الامر الواقع. صحيح أن محتوى البلاغ شكل رجة لذاكرة متشبعة بحقوق لا تتقادم لكن تفاعل القوى الدولية في مناطق النزاع يخضع لحساباتها و حجم الكسب المرتقب. إن أغلب الاصطفافات دوليا لم تعد قائمة على ولاءات ايديولوجيةبل على المصالح الاقتصادية أو الجالبة لدعم سياسي متبادل.

ولا يغيب على فطنة أي راصد أن ربح القضايا في العلاقات الدولية لا تحسم فيه القوة الذاتية للحق وحدها بل الاعتماد المتبادل والتقاطعات المتعايشة مع الأضرار.لذلك حاول المغرب مرات عديدة إقناع الجيران بفتح مسارات للتعاون وترك ملف الصحراء للصيرورة الاممية وبذلك تصير المكاسب المحصلة مقدمة على المصالح الموهومة. وظلت الاستجابة لهذا الفعل الشرطي سلبية على الدوام.بل إن الجزائرأمعنت في العداء وجعلته عقيدة وصنفت المغرب في تصريح مسؤول رفيع في الجيش بالعدو الكلاسيكي. ولا زالت تدعم ما تبقى من الجبهة الانفصالية بالتدريب و السلاح والارض وكافة اوجه الدعم ومنه الدبلوماسي مع رفض مستمر لإحصاء اللاجئين مما يؤشر الى رغبة سياسية في استدامة النزاع المفتعل.

إن هذه المكونات مجتمعة تشكل الأسس غير المعلنة لبناء الموقف في تفاعل مع قوى دولية لها وزنها في الساحة الدولية و في مجلس الأمن و من شأن اعترافها بالسيادة الكاملة أن يشجع دولا مترددة أو باحثة على التبادل و التعاون.أ

على المستوى السياسي برز في الساحة الوطنية تفاعل إيجابي مع الشق الاول المتعلق بقرار و م أ وكذا بالتأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني في حين نظر لفتح مكتبي اتصال من جهة البعض على أنه مسلسل تطبيعي مرفوض ولا داعي له وهي قراءة لا تستحضر كافة المعطيات لأنها تبئر على جزء من النتيجة ولا تقرأ الأسباب و من جهة نجد تبئير طرف مسكون على الدوام بالابتهاج البليد لكل ما يكنس كافة أوجه الممانعة لسياسة احتلال تحرم الفلسطينيين من حقوقهم.في حين أن القراءة الموضوعية والتي تقرأ البلاغ في سياقاته و ظروفه سيرى أن بناءه قائم على اعتماد متوازي يجد تفسيره في التهديد الحقيقي للوحدة الترابية بما هي إشكالية وجود وليست قضية حدود مع الحرص على ثوابت القضية الفلسطينية بمرجعية قرارات الجامعة العربية. ومن المهم التساؤل هل إذا أصيبت لا قدر الله الوحدة الترابية للمملكة سيكون المغرب مؤهلا بعدها للاضطلاع بأدوار لصالح قضايا الأمة والإنتماء؟هل تقوى اليوم الدول المصنفة سياسيا بالدول الفاشلة التي افتقدت مقومات الوجود أن تنهض بأدوار خارج دائرة اشتعالها؟

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.