حوار.. صدقي: المسار الذي قطعته اللغة والثقافة الأمازيغية في عمومه إيجابي

حاوره: عبد المجيد أسحنون

يرى سليمان صدقي رئيس الرابطة المغربية للأمازيغية، أن المسار الذي قطعته اللغة والثقافة الأمازيغية منذ خطاب أجدير سنة 2001، إلى اليوم، في عمومه إيجابي، مستدركا أن هذا لا يعني نفي وجود اختلالات تهم مختلف مستويات ادماج الامازيغية في الفضاء العام، أو في التعليم، أو في الاعلام، أو في مختلف المرافق العامة والخاصة.

وانتقد صدقي في حوار مع “مجلة العدالة والتنمية”، نشرته ضمن عددها ال 24 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، خطاب بعض الفاعليين في الأمازيغية اليوم، معتبرا أنه مستغرق في المجادلات السياسية والمماحكات الايديولوجية، “التي نعتقد أن مجالها الطبيعي هو الأحزاب السياسية لا الجمعيات والقضايا الثقافية”.

وتابع أن المجتمع المدني المعتدل المهتم بالسؤال الثقافي الأمازيغي، مدعو أكثر من أي وقت مضى لتعزيز حضوره وتعميق البحث في الجوانب المنسية من التراث والثقافة الأمازيغية المغربية الأصيلة، وإماطة اللثام عن الجوانب العلمية المضيئة التي حفل بها تاريخ بلدنا العلمي والثقافي.

واعتبر صدقي، أن ترك قنوات القطب العمومي خدمة اللغة والثقافة الأمازيغية للقناة الثامنة، يعد مخالفة صريحة للمقتضيات الواردة في دفاتر تحملات الشركات الحاضنة لباقة قنوات واذاعات القطب العمومي (القناة الثانية، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة) أو القطاع الخاص (شركة ميدي 1 تيفي)، خاصة ما تعلق بالمواد التي تنص على ضمان التعددية الثقافية واللغوية.

وفيما يلي نص الحوار:

بصفتكم رئيسا للرابطة المغربية للأمازيغية، كيف تنظرون اليوم للمسار العام للأمازيغية ببلادنا؟

أود في البداية أن أشكركم على هذه الاستضافة، واغتنم هذه الفرصة لأتمنى لكم سنة أمازيغية وفلاحية سعيدة وعبركم لكل قرائكم ولكل المغاربة.

بخصوص ملف الأمازيغية؛ فبلادنا كغيرها من البلدان التي اختارت مسار الاعتراف بالتنوع والتعدد اللغوي، سعت منذ تسعينيات القرن الماضي إلى اتخاد خطوات ايجابية في مسار الاعتراف بالأمازيغية كرافد رئيسي من روافد الهوية والثقافة المغربية، إلا أن هذا المسار في بداياته الأولى عرف نوعا من التباطؤ والمراوحة. وانتهت هذه المرحلة بشكل رسمي بخطاب العرش في يوليوز 2001 الذي أقر بشكل واضح بتعدد روافد الثقافة والهوية المغربية وتم الإعلان عن تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثم تلا ذلك خطاب أجدير التاريخي في أكتوبر 2001، والافصاح عن ظهير تأسيس المعهد الملكي كمؤسسة وطنية تعنى بالشأن العلمي والثقافي واللغوي الأمازيغي.

وفي سنة 2011 بعد الربيع الديمقراطي وقع التحول المفصلي الثالث في مسار الأمازيغية ببلادنا، من حيث ترسيمها الدستوري كلغة رسمية وكرافد أساسي من روافد الهوية الوطنية الجامعة، ومن حيث الحماية القانونية بالتزام المشرع الدستوري اصدار قانونين تنظيميين الأول متعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، والثاني يتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.

فمسار الأمازيغية وفقا لذلك في عمومه إيجابي، وهذا لا يعني نفي وجود اختلالات تهم مختلف مستويات ادماج الامازيغية في الفضاء العام، أو في التعليم، أو في الاعلام، أو في مختلف المرافق العامة والخاصة.

في نفس الاتجاه، وكما عرجتم على ذلك، منذ 2011 عاد ملف الأمازيغية لتصدر واجهة العمل المؤسساتي والتشريعي بالمغرب، كيف تنظرون لمسار الترسيم القانوني للأمازيغية؟

لا يمكن لأي كان إنكار النقلة النوعية التي عرفتها الأمازيغية بدسترتها في 2011، كما لا يمكن لأحد التغاضي عن الجهد والتراكم النوعي الذي حققه المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على مستوى حماية وتنمية اللغة الأمازيغية والاهتمام ببعض جوانبها العلمية والثقافية على مدى العقدين الماضيين.

 ويمكن قول نفس الشيء بخصوص ادماج الامازيغية في التعليم وفي الاعلام، إلا أن كل هذا الجهد الذي بذل لا يزال دون مستوى الإنتظارات المتوقعة.

ففي مجال الحماية القانونية على سبيل المثال نسجل طيلة مواكبتنا للمسلسل التشريعي للقانونين التنظيميين المعنيين بالأمازيغية، بطئا غير مبرر لتأخير إخراج القانونين لحيز الوجود، حيث لم يتم نشر النصين النهائيين في الجريدة الرسمية إلا في شتنبر 2019 ومارس 2020 على التوالي، أي بعد مضي حوالي تسع سنوات على الترسيم الدستوري! واليوم نحن أمام تحدٍ جديد؛ يخص اخراج المراسيم التطبيقية الخاصة بتنفيذ مضامين القانونين التنظيميين، وأكثر ما نخاف أن يشمل مسلسل التباطؤ السالف مصير هذه المراسيم.

ماذا بخصوص باقي مجالات إدماج الأمازيغية في مجالات الحياة العامة؛ في التعليم والاعلام والمجالات ذات الأولوية كما حددها القانون التنظيمي 26.16؟

يمكن القول للأسف؛ إن مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وإدماجها في الحياة العامة، تعوقه عدة تحديات، نميز بين ثلاثة منها، القانوني والتشريعي الذي سبق الحديث عنه، والتنظيمي المؤسساتي، الذي يستدعي من جهة الإسراع في إخراج المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية لحيز الوجود في أقرب مناسبة وتمكينه من الموارد المالية والبشرية واللوجستيكية اللازمة للاشتغال، مع ضرورة احترام شرط العلمية ومبادئ التعددية والتوازن في اختيار فريق المجلس، دون التفريط في تراكم الخبرات الذي حققها المعهد الملكي للثقافة الامازيغية.

ومن جهة أخرى؛ بإعادة النظر ومراجعة حقيقية وجذرية لمسار إدماج الأمازيغية في مجالي التعليم والاعلام، والوقوف على حقيقة الاكراهات التي لا تزال تعيق مسار الأمازيغية في هذين المجالين الحيويين، فيما التحدي الثالث والأخير كامن في القدرة على تجاوز مختلف العراقيل التي يعرفها ملف التقعيد اللغوي واللّسني ومعيرة وتنمية اللغة الأمازيغية، وهو الأمر الذي يحتاج لنقاش علمي صريح ومسؤول بعيدا عن بعض الشعارات العاطفية التي يتفنن في لوكها البعض.

نرجع بكم قليلا للسؤال الثقافي والعلمي في الملف الأمازيغي، ألا ترون أن هذه الحقول تراجعت كثيرا وظلت مغيبة في خطاب الفاعلين في الحقل الأمازيغي، مقابل هيمنة الجوانب ذات البعد السياسي؟

بشكل عام يمكن الاجابة على سؤالكم بالإيجاب، فاليوم خطاب بعض الفاعلين في الأمازيغية مستغرق في المجادلات السياسية والمماحكات الايديولوجية، التي نعتقد أن مجالها الطبيعي هو الأحزاب السياسية لا الجمعيات والقضايا الثقافية.

ولقد سبق للأستاذ محمد شفيق رحمه الله منذ سنة 2000 في بيانه الشهير أن نبه للأمر ودعا الجميع لتلافي تحويل خطاب الأمازيغية من “قضية اقتصادية وثقافية إلى قضية سياسية”. والخطاب المشتغل على جر ملف الأمازيغية لسوق المزايدة السياسوية الضيق، هو معزول في الأوساط الأكاديمية والثقافية من جهة أولى، ومن جهة ثانية هو خطاب نخبوي مفصول عن الحياة اليومية للمواطنين المغاربة سواء الناطقين بالأمازيغية أو العربية. وللأسف بين الفينة والأخرى تظهر بعض الخطابات العنصرية والمتطرفة المتأثرة بهذا الخط.

وفي المقابل المجتمع المدني المعتدل المهتم بالسؤال الثقافي الأمازيغي، مدعو أكثر من أي وقت مضى لتعزيز حضوره وتعميق البحث في الجوانب المنسية من التراث والثقافة الأمازيغية المغربية الأصيلة، وإماطة اللثام عن الجوانب العلمية المضيئة التي حفل بها تاريخ بلدنا العلمي والثقافي. كما أنه –أي المجتمع المدني- مطالب بتوطيد عرى التواصل والتعاون العلمي والثقافي والفكري حول المسألة الأمازيغية بدل الاشتغال في جزر متناثرة. ونفس الشيء يمكن قوله بخصوص المؤسسات الرسمية.

هل كان القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية 26.16 الصادر في شتنبر 2019 في مستوى انتظاراتكم؟

سبق أن عبرنا في الرابطة عن موقفنا بخصوص القانونين التنظيميين 26.16 و 04.16 (المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية) في بيانات عدة، واعتبرنا في بيان 12 يونيو 2019، مصادقة لجنة التعليم والثقافة والاتصال (3 يونيو 2019) ومجلس النواب (12 يونيو 2019) على مشروع القانون، خطوة دستورية تأسيسية تعيد نقل المغاربة لزمنهم الثقافي والحضاري الأصيل، وبطبيعة الحال قدمنا عدة مقترحات في مذكرتنا الترافعية حول القانونين التنظيميين، في مرحلة التشاور، تم الأخذ ببعض منها ولم يتم الأخذ بالبعض الآخر. وقد ضمنّا نفس البيان دعوة ومطلبا لإعادة النظر في بعض مواد مشروعي القانونين بما يساهم في تجويدهما، من قبيل مسألة بعض التعابير المستعملة التي يطبع لغتها الامكان لا الالزام والالتزام، وكذا مسألة الآجال الزمنية لتنزيل وتفعيل الطابع الرسمي التي رأينا أنها غير معقولة بتاتا.

تم إحداث القناة الثامنة إنصافا للقضية الأمازيغية، لكن بعض المتتبعين يرون أن بقية قنوات القطب العمومي استقلت من خدمة القضية، ما رأيكم أنتم؟

متفق تماما مع ملاحظتكم، وهذا يشكل في الحقيقة مخالفة صريحة للمقتضيات الواردة في دفاتر تحملات الشركات الحاضنة لباقة قنوات واذاعات القطب العمومي (القناة الثانية، الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة) أو القطاع الخاص (شركة ميدي 1 تيفي)، خاصة ما تعلق بالمواد التي تنص على ضمان التعددية الثقافية واللغوية.

وفي المحصلة تم رمي كرة الأمازيغية للقناة الثامنة، والاكتفاء في قنوات وإذاعات القطب العمومي والقطاع الخاص ببعض النشرات الاخبارية اليومية أو بعض البرامج المعادة او المترجمة تبث خارج أوقات الذروة ومن هذه القنوات والإذاعات من لا يبث ولا حصة واحدة بالأمازيغية كما هو الحال بالنسبة لقنوات الرياضية وقناة العيون وقناة ميدي 1 تيفي وبعض الإذاعات العمومية أو الخاصة..! رغم أن دفاتر شركات القطب العمومي تنص على تخصيص 20% على الأقل من حصص البث بالأمازيغية، ودفتر تحملات ميدي 1 تيفي ينص على احترام التعددية اللغوية والثقافية الوطنية، وهذا ما يطرح علامة استفهام حول عدم احترام المقتضيات الدستورية والقانونية للبلد، والطرق الكفيلة بمعالجة هذه الاختلالات المسجلة. فمن غير المقبول أن يستمر الوضع على هذا النحو.

وللتدليل على هذا المنحى الإقصائي؛ نأخذ على سبيل المثال مؤشر “حجم مساهمة الخدمات التلفزية في تطوير الإنتاج السمعي البصري”، الذي اعتمده التقرير السنوي للهاكا برسم سنة 2018،  حيث لم يتجاوز سقفه نسبة 7% من مجموع الانتاج الوطني باللغة الأمازيغية، في مقابل حوالي 88% للإنتاج بالعربية، وتصل النسبة لحوالي 5% باللغات الاجنبية، وهو ما يعني تقاربا في النسب بين اللغات الأجنبية والأمازيغية في الأغلفة المالية المخصصة للإنتاج السمعي البصري، وأرقام هذا التقرير أظهرت أن بعض أصناف الإنتاج تفوقت فيها اللغات الأجنبية على الأمازيغية (في صنف المجلات مثلا حصل الانتاج باللغة الاجنبية على 27,8 مليون درهم، في حين حصل الانتاج باللغة الأمازيغية الوطنية الرسمية فقط على 0,2 مليون درهم)، وفي صنف الأعمال الوثائقية تساوت البرامج المنتجة باللغة الرسمية الأمازيغية مع نظيرتها المنتجة باللغة الأجنبية (2 مليون درهم لكل واحدة منهما).

هذا دون اثارة نوعية الانتاج السمعي البصري وجودة البرامج المقدمة من القناة الأمازيغية نفسها، التي للأسف يسيطر عليها تيار واحد وشركات انتاج معروفة وروتينية في البرامج المقدمة، وتضمحل فيها تعددية الفكر والرأي كما هو منصوص عليه في دفتر التحملات.

أصبحت الثقافة واللغة الأمازيغية تدرس اليوم في الجامعة المغربية وتجرى حولها بحوث في الماستر والدكتور اه، فضلا عن تدريسها بالتعليم الابتدائي، كيف ترون تجربة إدماج اللغة الأمازيغية في التعليم؟

كما تعملون فإن حماية أي لغة يحتاج إضافة إلى التمكين لها في الحياة العامة للمواطنين، إدماجها في العملية التعليمية التعلمية، وعدد من اللغات المعتمدة اليوم في العالم ساهم تعليمها والتعلم بها بشكل رئيسي على الحفاظ عليها وعلى تقعيد معاجمها وتطوير بنياتها اللسنية واللغوية، وتنمية وتوسيع مجالات استعمالها خاصة في مجالات الانتاج والاقتصاد وفي مجالات البحث العلمي المختلفة.

وتجربة إدماج اللغة الأمازيغية في أسلاك التعليم مر عليها اليوم زهاء عقدين من الزمن (منذ 2003)، ورغم الهدف المعلن في بداية هذه التجربة لتعميم تدريسها خاصة في أسلاك التعليم الأساسي، فإن المحصلة المتواضعة اليوم تدعونا للتساؤل حول أسباب فشل تجربة تعميم تدريس الأمازيغية.

وبطبيعة الحال، دون مزايدة، نحن مستوعبون تماما للإشكالات التي رافقت تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، سواء ما تعلق منها بتوفير الموارد البشرية الكافية وتكوينها من أساتذة ومفتشين وأطر ادارية، أو بتوفير الحاملات البيداغوجية وتجاوز الاشكالات المتعلقة بتهيئة اللغة الأمازيغية وغيرها.

 لكن في المقابل نعتقد أن التجربة التي تم مراكمتها طيلة العقدين الماضيين من الألفية الحالية، سواء من المعهد الملكي أو من السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والتعليم العالي ومختلف المتدخلين، كافية للدفع بهذا المسار للأمام لا التراجع عنه خطوات للخلف.

واليوم نتوفر على خطة استراتيجية لإصلاح التعليم وقانون إطار للتعليم وقانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية؛ كلها تقر بضرورة تعميم تعليم الأمازيغية في الأسلاك الأساسية الثلاثة (الابتدائي، الإعدادي، الثانوي)، وعملية تعميم تعليم الأمازيغية اليوم وضع لها المشرّع آجالا زمنية محددة، خمس سنوات على الأكثر من تاريخ نشر القانون التنظيمي بالجريدة الرسمية، أي أنه بحلول الموسم الدراسي 2025-2026 يكون هدف التعميم –نظريا على الأقل- قد تحقق على مستوى مختلف أسلاك التعليم الأساسي. دون اغفال الجوانب الكيفية التي تنص على اتقان حملة الباكالوريا التواصل باللغة الأمازيغية. وطموحنا أن تتحول الأمازيغية كلغة وطنية رسمية للغة تدريس في كل هذه الأسلاك على غرار التدريس باللغات الأجنبية.

وبخصوص التعليم العالي، نسجل للأسف أن مقتضيات النصوص السابقة دون المستوى المنتظر، سواء تعلق الأمر باللغة الأمازيغية وحتى نظيرتها العربية، في ظل حفاظ المشّرع على الوضع القائم الذي يكرس هيمنة اللغات الأجنبية، واقصاء اللغات الوطنية الدستورية الرسمية، وهي مفارقة عجيبة غريبة في المغرب تربط سيادة وتطور البلد بالتبعية اللغوية للخارج ! فيما كل التجارب والتقارير الدولية اليوم تثبت فعالية التعلم باللغات الوطنية والمحلية، في حين تشكل اللغات الأجنبية في المغرب وغيره من البلدان النامية عاملا رئيسيا لمواصلة الإقصاء الاجتماعي والهدر المدرسي والجامعي، والتخلف في مجال البحث العلمي والتطور الاقتصادي في ظل سياسة الازدواج اللغوي المعتمدة للتدريس، وهنا وجب التمييز الدقيق بين تدريس اللغات الأجنبية والتدريس بها.

كيف تقرؤون إحياء اللجنة المشتركة بين وزارة التربية الوطنية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مؤخرا، بعد جمود دام حوالي 13 سنة؟

في اعتقادي هو إجراء فرضه أمر الواقع، ويأتي للاستجابة لأمرين منصوص عليهما في القانون التنظيمي 26.16؛ يكمن الأول في تحدي تعميم تعليم اللغة والثقافة الامازيغية واحترام الآجال الزمنية لذلك (5 سنوات)، والثاني دعوة نفس القانون في المادة الرابعة منه السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والتعليم العالي بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي على اتخاذ التدابير الكفيلة بإدماج اللغة الأمازيغية بكيفية تدريجية في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص. فهي لجنة مشتركة تنتظر تطعيمها بممثلين عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين، استجابة لمقتضيات النص القانوني.

باعتبار الرابطة التي ترأسونها تشتغل في مجال اللغة والثقافة الأمازيغية، ما هي أبرز مساهماتكم في هذا المجال؟

منذ تأسيس الرابطة، اشتغلنا على عدة محاور أساسية للترافع حول اللغة والثقافة الأمازيغية، وانقسمت اعمال الرابطة بين ما هو ثقافي وقانوني وعلمي فكري وتكويني.

ففي جانب الترافع القانوني، استطعنا والحمد لله تقديم مذكرتين ترافعيتين حول القانونين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، اضافة لتنظيم والمشاركة في عدة أيام دراسية حول الموضوع، منها لقاءين دراسيين في البرلمان ولقاء دراسي بالمجلس الوطني لحقوق الانسان وغير ذلك.

وعلى المستوى العلمي والفكري، اشتغلنا على تنظيم أيام دراسية وندوات تهم بعض الاشكالات التي تدور في فلك اللغة والثقافة الأمازيغية، إضافة لإطلاق مبادرة الملتقى العلمي الذي نجحنا في تنظيم نسختين منه، كانت آخرها السنة الماضية في ظل جائحة كورونا حول موضوع: “مستقبل الأمازيغية في مغرب ما بعد كوفيد 19″، دورة الراحل الأستاذ أيوب بوغضن رحمه الله عضو المكتب الوطني للرابطة سابقا، تضمن الملتقى ندوتين مركزيتين، بمشاركة خبراء وباحثين جامعيين ومن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

وعلى المستوى الثقافي، اضافة إلى المبادرات التي نظمناها في السابق، نشتغل منذ السنة الماضية على إطلاق مشروع ثقافي طموح، سيرى النور خلال هذه السنة بحول الله.

إضافة إلى الجوانب التواصلية مع مختلف مكونات المشهد الثقافي الوطني وخاصة منه الأمازيغي، حيث شاركنا على سبيل المثال في الزيارة التي نظمت للراحل ابراهيم أخياط رحمه الله، وفي عقد لقاء تواصلي مع ادارة المعهد الملكي في شخص امينه العام بحضور بعض مسؤولي اللجان العلمية بالمعهد، إضافة إلى اصدار البيانات والبلاغات التي تشكل أداتنا التواصلية للتعبير عن مواقفنا تجاه مستجدات الملف الأمازيغي. هذا باختصار شديد أهم ملامح مجالات اشتغال الرابطة.

كيف تنظرون لموقع الأمازيغية في مغرب المستقبل؟

لا يمكن إلا أن نتسلح بعقيدة التفاؤل، تفاؤل في مغرب نامٍ متقدم موحد غني بتعدد روافده الثقافية كما كان على الدوام، تحتل فيه الأمازيغية المكانة الطبيعية لها إلى جانب العربية. وأكيد أن التفاؤل وحده لا يكفي، لذا لا بد من التأكيد على أمرين يضمنان انتقالا سلسا للمرحلة المقبلة، أولهما يدور حول ضرورة الانخراط الجدي للفاعل الرسمي في مسار الاسراع في تفعيل ادماج الامازيغية وحمايتها وتنميتها وتطوير استعمالها في كل مجالات الحياة العامة، وبذلك يحصل الأمن الثقافي لعموم المغاربة والمصالحة مع أحد أهم روافد هويتنا الجامعة، ويتحقق رهان ادماج شرائح واسعة من المجتمع المغربي في عملية الاقلاع التنموي المنشودة. وثانيهما؛ كامن في ضرورة مساهمة كل الفاعلين المدنيين في مجال الحقل الأمازيغي، بإيجابية في مختلف أوراش السياسات العمومية المفتوحة في هذا المجال، بما يسمح من توفير قوة اقتراحية ورقابية، وفي نفس الآن ترشيد الخطاب الثقافي الأمازيغي وصيانة ثوابت الأمة الدستورية الجامعة.

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.