اختتام الدورة الخريفية.. أي حصيلة لأداء المؤسسة البرلمانية؟

شهد البرلمان خلال الدورة الخريفية المنتهية من السنة التشريعية 2020- 2021، نقاشا بين مكوناته وبين الحكومة بشأن العديد من التدابير المتعلقة بكيفية التعامل مع الواقع الصعب الذي أفرزته الأزمة الصحية لفيروس كورونا. ففي سياق غير مسبوق ناجم عن انتشار وباء “كورونا” عملت المؤسسة التشريعية على تكييف آليات اشتغالها من أجل الاستمرار في أداء مهامها، التشريعية والرقابية، في إطار الحرص على الاحترام التام والدقيق لمقتضيات الدستور تكريسا وترسيخا للديمقراطية.

وفي هذا الإطار، واصل البرلمان بمجلسيه، استثمار كافة الإمكانات المتاحة أمامه، سواء على مستوى التشريع أو المراقبة متعددة الأوجه وتقييم السياسات العمومية، من أجل تعزيز الانخراط في مسار النهوض بأدواره في ظل هذه الظرفية والمساهمة إلى جانب الحكومة، كشريك أساسي، في اقتراح الحلول التي من شأنها مواجهة الآثار المترتبة عن الجائحة.

وهكذا، فقد شهدت الحياة البرلمانية خلال هذه المرحلة الاستثنائية، وتيرة عمل تشريعي مهم تركز بالأساس في المصادقة على نصوص قانونية كان اعتمادها ملحا من أجل تأطير السياق الخاص وغير المسبوق، بما في ذلك القوانين المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية، وما يرتبط بها من تدابير استثنائية.

حصيلة الأداء الرقابي للبرلمان

وهكذا حرصَ مجلسُ النواب في المجال الرقابي، على أن يكونَ قريبا ومتفاعلا مع قضايا المجتمع، حيث خصصت جلستين من الجلسات الأربع المخصصة للسياسة العامة التي عقدها المجلس برسم الدورة، للقضية الوطنية في محورين، الأول هو المشاريع التنموية في الأقاليم الجنوبية المغربية، فِيمَا تَمثَّلَ الثاني في دور الدبلوماسية الوطنية في صَوْنِ الوحدة الترابية للمملكة، فضلا عن عقد جلسة خاصة يوم 13 نونبر 2020 حول الوضع في منطقة الكركرات.

وتمحورت الأسئلةُ التي تَمَّتْ بَرمجتُها في باقي جلسات الأسئلة الرقابية الأسبوعية، التي بلغ عددها 13 جلسة، حول قضايا قطاعية في ارتباطٍ بسياق الجائحة والتدابير المتخذة في عدد من القطاعاتِ الحيوية لتجنبِ الآثار الوخيمةِ للجائحة على الأنشطةِ الاقتصادية والخدماتِ الاجتماعية، حيث كان الهاجسُ المشتركُ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في برمجةِ ومناقشةِ هذه المواضيع، في إطار دستوري، هو تَمْنِيعُ مختلفِ القطاعات والأنشطة.

وواصلت اللجان النيابية إنجازَ المهام الاستطلاعية التي كلفت بها والبالغ عددها 17 مهمة رخص لها مكتب المجلس، كما تم تقديمُ ومناقشةُ تقريرين لمهمتين استطلاعيتين حول أوضاع خدمات بعض قنصليات المملكة وأوضاع السجون، حيث يُسْتفادُ من جرد أعمال اللجان النيابية تكريسُ ميلٍ أكبرَ إلى الأعمال الرقابية اعتبارًا لنجاعةِ هذه الآلية الدستورية ومردودِيتِها على حكامةِ المرفق العام وأدائه.

كما أنهت مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية التي شكلها المجلسُ أعمالَها بإعدادِ تقريرٍ يتضمنُ تشخيصًا لحالة قطاع الصحة ومنظومة التغطية الصحية وَمُخرجات وتوصيات للإصلاح التشريعي والمؤسساتي والتنظيمي.

أما على مستوى الغرفة الثانية، فقد عقد مجلس المستشارين خلال دورة أكتوبر 2020 خمسة عشر جلسة عامة للأسئلة الشفهية الأسبوعية، حضرت خلالها بقوة القضايا المتعلقة بتأثير فيروس كورونا على مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، خصوصا في ظل تطبيق حالة الطوارئ الصحية وتمديدها، واتخاذ تدابير إضافية للإغلاق وحظر التنقل منذ أواخر شهر دجنبر المنصرم، وانعكاس ذلك على مناحي الحياة اليومية لمختلف الشرائح المجتمعية.

وبلغ عدد الأسئلة الشفهية المتوصل بها خلال الفترة الفاصلة بين دورتي أبريل 2020 وأكتوبر 2020، ما مجموعه 790 سؤالا، أجابت الحكومة على 292 منها خلال 15 جلسة عامة، من ضمنها 51 سؤالا آنيا و241 سؤالا عاديا، فيما بلغ عدد الأسئلة الكتابية المتوصل بها خلال الفترة ذاتها ما مجموعه 908 أسئلة، أجابت الحكومة على 454 سؤالا منها، أي بنسبة 50 بالمائة.

وبالنسبة للتوزيع القطاعي- المجالي، فقد ركزت أسئلة المستشارين ر على القطاع الاجتماعي بنسبة تعادل 39 بالمائة من مجموع الأسئلة المطروحة، فالقطاع الاقتصادي (33 بالمائة)، ثم قطاع الشؤون الداخلية والبنيات الأساسية (18 بالمائة)، ثم المجال الحقوقي والإداري والديني بنسبة ( 7 بالمائة)، وأخيرا قطاع الشؤون الخارجية بنسبة (3 بالمائة).

وعقد مجلس المستشارين خلال الدورة الخريفية المنتهية، ثلاث جلسات شهرية خاصة بـتقديم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة طبقا لمقتضيات الفصل 100 من الدستور.

حصيلة الأداء التشريعي للبرلمان

وفي باب التشريع، اعتبر رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، أن حصيلة المجلس على هذا المستوى كانت نوعية، مسجلا أنه على الرغم من الحيز الزمني الكبير الذي تَأْخُذُه عادةً مناقشةٌ مشروع قانون المالية والتصويت عليه (27في المائة من الزمن المخصص للتشريع على مستوى الجلسات العامة التي بلغ عددها الإجمالي 15 جلسة، و56 في المائة من الزمن المخصص للتشريع على مستوى اللجان)، فقد صادق المجلس على نصوص نوعية.

ومن أهم مشاريع النصوص التي صادقت عليها الغرفة الأولى، مشروع قانون يقضي بإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار، لتمويل الاستثمارات وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومواكبة الدينامية الاقتصادية والاستثمارية الوطنية وإحداث صناديق قطاعية لتمويل الاستثمارات.

وصادق مجلس النواب أيضا، على قوانين تتوخى مسايرةَ التطورات التكنولوجية وترسيخ الثقة في المعاملات المالية والتجارية كما هو الحال بالنسبة لمشروع القانون المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الالكترونية.

وصادق مجلس النواب يوم الأربعاء 10 فبراير 2021 على ثمانية مشاريع قوانين ومقترح قانون مرتبطة بالمجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك في جلستين عموميتين عقدتا قبيل اختتام الدورة التشريعية الأولى، برئاسة الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، وحضور عدد من أعضاء الحكومة.

وإلى جانب المصادقة من حيث المبدأ على عدد من الاتفاقيات الدولية التي تُعَزز علاقاتِ المغرب مع باقي البلدان، صادق المجلس على مشاريع قوانين ذات أهمية قصوى بالنسبة للمشهد الفكري والثقافي من قبيل مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية ومشروعي القانونين المتعلقين بالمتاحف والمؤسسة الوطنية للمتاحف. وبذلك يكون المجلس قد صادق برسم الدورة على 35 مشروع قانون.

ومن جهة أخرى، وتثمينًا للمبادرات التشريعية لأعضاء المجلس خصص مجلس النواب جلستَيْن للمصادقة على خمسة مقترحات قوانين ليصل عدد النصوص المصادق عليها برسم الدورة أربعين نصا.

وفي إطار أدائه التشريعي، خطا مجلس المستشارين، خطوات جدية توجت باعتماد مقترحي قانونين يرميان إلى إلغاء وتصفية نظام معاشات أعضاء مجلسي النواب والمستشارين، فضلا عن ذلك صادقت الغرفة الثانية على 31 نصا منها بالإجماع، من أصل 37 نصا تشريعيا، من ضمنها 29 مشروع قانون و8 مقترحات قوانين، وتضمنت النصوص ذات الأهمية الاستراتيجية، فيما تمت المصادقة على أربعة نصوص أخرى بالأغلبية.

وأظهرت حصيلة أداء مجلس المستشارين خلال الدورة الخريفية المنتهية، أنه تمت المصادقة على نسبة مهمة من مقترحات القوانين بلغت 22 بالمائة من مجموع الحصيلة التشريعية للدورة، في حين مثلت مشاريع القوانين نسبة 78 بالمائة.

أما على مستوى مواكبة الوضع الصحي بالمملكة، ذكر رئيس المؤسسة التشريعية، أن الهاجس الصحي المرتبط باستمرار تفشي وباء فيروس كورونا، ظل دائما حاضرا خلال هذه الدورة، حيث عمل المجلس على توفير كافة الوسائل لضمان الفعالية والكفاءة اللازمة في تسيير جميع أعماله ما استدعى إتباع تدابير احترازية صارمة مكنت من التحكم في الوضعية الوبائية واستمرار المؤسسة في الاضطلاع بمهامها.

دينامية الدبلوماسية البرلمانية

وعلى مستوى الدبلوماسية البرلمانية، فقد تميزت حصيلة هذه الدورة بالتعبئة الشاملة لكل مكونات مجلس المستشارين وتجندها وراء جلالة الملك محمد السادس، من أجل التصدي ومواجهة كل المناوشات والمناورات اليائسة لأعداء الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وخصوصا على إثر التطورات التي عاشها المعبر الحدودي للكركرات.

وفي هذا الصدد، أصدرت العديد من البرلمانات الوطنية والاتحادات الجهوية والإقليمية، مواقفها التضامنية والمؤيدة للمملكة، والتي أجمعت على رفضها المس بوحدة المغرب واستقراره، ودعمها لعملياته السلمية الهادفة إلى إرساء حرية التنقل المدني والتجاري واستتباب الأمن والاستقرار بالحدود المغربية الموريتانية وبالمنطقة ككل.

وعلى صعيد آخر، فقد واصل مجلس المستشارين انخراطه في الاتحادات الجهوية والقارية والدولية، حيث شاركت شعبه الوطنية الدائمة عبر تقنية المناظرة المرئية في أشغال عدد من المنتديات والندوات الدولية والجهوية والإقليمية.

وتجسيدًا للربط الجدلي بين القضايا الوطنية الداخلية وعلاقات المغرب الخارجية، واصل مجلس النواب العملَ في واجهةِ الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف من خلال احتضان عدد من الملتقيات الموضوعاتية والمشاركة في المؤتمرات الدولية التي اهتَمَّ عددٌ منها بدورِ المُشَرِّعِين عبر العالم في التصدي للجائحة ومختلف انعكاساتها.

ومن جهة أخرى، كانت الاتصالات العديدة التي أجْرَاها مجلس النواب مع عدد من المؤسسات التشريعية الوطنية والمنظمات البرلمانية متعددة الأطراف مناسبةً لتوضيحِ مواقفِ بلادِنا ومواصلةِ التعريفِ بمشروعيةِ قضية وحدتنا الترابية.

 
 
 
 
 
 
شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.