بنزاكور: الافتراضي متنفس للشخص للتعبير عن مكنوناته النفسية

قال محسن بنزاكور، أستاذ علم الاجتماع النفسي، إن صفحات التواصل الاجتماعية الافتراضية وعلى رأسها “الفايسبوك”، “تعبير عن حالة نفسية بالأساس، فهي المتنفس للشخص من أجل التعبير عن مكنوناته النفسية”، مضيفا أن الفرد يستطيع من خلال هذه الفضاءات “أن يحاكي واقعه ويتواصل مع العالم الخارجي ويعيد سرد قضاياه الشخصية ليشاركها مع الآخر”.

 وأضاف بنزاكور، في تصريح لـ “مجلة العدالة والتنمية” في عددها 25 الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أن خطورة التنفيس النفسي في هذه الفضاءات تكمن في احتمال أن تستغل هذه التصريحات والحديث عن التفاصيل الشخصية والتعبير عن الحالات النفسية للفرد وخصوصياته من أجل الابتزاز والتحرش والمضايقات، مشددا على أنها قد تصل بعض الأحيان إلى تسجيل “حالات الانتحار لدى المراهقين والمتزوجين”.

وحذر أستاذ علم النفس الاجتماعي، من هذه الحالات، قائلا: “يجب الانتباه فـ”الفيسبوك” ليس طبيبا نفسيا، بل هو فضاء جماعي مشترك تتقاطع فيه التجارب والطموحات والأفكار والميولات”، وبالتالي، يضيف بنزاكور: “فلابد من مراعاة هذا المعطى وحفظ الخصوصيات”.

حشد “الفايسبوك”

ويرى بنزاكور، أن “الفايسبوك”، يكون له تأثير كبير على الواقع، لكن في حالة “مطابقة ما يقال وما يروج في صفحاته للواقع، بمعنى، حتى إن كانت الفكرة صادقة والدعوة صادقة، فلابد أن تتضافر هذه الدعوة مع مراحل تاريخية معينة وسياق سياسي واقتصادي معين”، مؤكدا أن “الراهنية والمصداقية والواقعية شرط أساسي للحشد والتأثير والتوجيه”.

“لا يجب أن نعطي للعالم الافتراضي وخاصة “الفايسبوك” كل هذه القوة الخارقة، فالذي يقوم بهذا الحشد مرتبط أيضا بعوامل خارجية”، يقول أستاذ علم الاجتماع النفسي، مشددا على أن الإعلام مثلا “لعب دورا أساسيا في ثورات ما كان يسمي بـ”الربيع العربي” وليس فقط هذه الفضاءات الافتراضية”.

إلى ذلك، أوضح بنزاكور، أن هذه الفضاءات “آلية من الآليات التي يمكن أن يشتغل عليها الإنسان، ولا تنفي حضوره واشتغاله في الواقع”، مشيرا إلى أن الاستجابة لكل عمليات الحشد الافتراضي “لا تخضع كل مرة لفكر القطيع أو كما قال “كوستاف لوبن” لـ”نفسية الحشد” والانسياق وراء العاطفة، بل هناك مجتمعات تقف أمام الوضع برؤية نقدية تمحيصية”.

الحميمية والخصوصية

وأوضح بنزاكور، أن الحميمية والخصوصية تعتبر أهم ما يملك الانسان، حيث تؤهلنا الحميمية لكي يكون لدينا دائما حوار نفسي داخلي، مشيرا إلى أن هذه الفضاءات “تهدد هذه الميزة الداخلية الخاصة بكل واحد منا، بحيث توفر إمكانيات النشر بسرعة بدون تفكير، وذلك بناء على الميولات الذاتية دون التفكير في العواقب، والأمر أكثر خطورة حين يتعلق بالمراهقين”.

وأكد بنزاكور، أن العلاقة بين الزوج وزوجته مثلا يبنى فيها التقارب الروحي، لأنه ليس هناك جسد فقط، فقمة العلاقة هي تلك التي تصل الى البناء الروحي بينهما، كالتفاهم، الصراحة، السكن، الاطمئنان، أو ما نسميه “كانتعرا حداه” التي “عندها قوة نفسية من قبيل الثقة والحميمية”، مبينا أنه حين تقتحم الشبكية بيتك فإنك “تقحم العالم كله في بيتك وتكون آنذاك عرضة لكل العقول الممكنة والتعليقات الممكنة ولكل السفاهة الممكنة”.

وأوضح المتحدث ذاته، أن أول ضحية لاقتحام الهاتف والانترنت البيوت هي تلك العلاقات الحميمية للأسرة، فهي أخطر، فالأسرة، حسب بنزاكور، لها حرمة أو ما نسميه النسق الأسري، مبينا أن هذا النسق الأسري يمكن الأسرة أن تتقدم بإمكانياتها وبثقافتها وبخصوصياتها، لكن حين تصبح هذه الأمور معرضة للرأي والرأي الآخر ومواقف العالم بأسره، فلن يستطيع لا رب ولا ربة الأسرة التسيير والتحكم في الأمور، وهنا بالذات لن تستطيع الأسرة “أن تكتفي بذاتها حيث تتم المقارنات والتأنيب والعتاب والخصومة وهنا يتكسر التودد والاحترام”.

“شاف vu” أو “مجاوبنيش” 

“من بين أغرب الحالات التي صادفتها في تعاملي مع أشخاص في هذا المجال، شخص انزعج من عدم رد طرف آخر على رسالته رغم مشاهدتها فجعلته تلك الواقعة في حالة اكتئاب”، يقول بنزكور، مبينا أن هذه الحالات وغيرها جاءت نتاج “هذه البنية الاجتماعية التي نعيش فيها في ظل هذه التحولات التي يعرفها الاعلام والتواصل والتي جعلت الانسان يتعلق بهذه الوسائط الافتراضية أكثر ما يتعلق بالواقع”.

الحرية والمسؤولية

وبخصوص الاستعمال الإيجابي والفعال لهذه الوسائط، أكد بنزاكور، أن الحرية التي توفرها الفضاءات تفرض أن تكون مقرونة بالمسؤولية”، مضيفا أن الحرية “يجب أن تعطى لمن يستحق، أي ضرورة أن يكون هناك تكوين مستمر في مجال الاعلام يؤهل المستخدمين للتعامل مع هذه الفضاءات، وهذا الدور يجب أن تقوم به وزارة التعليم والاعلام الوطني من خلال دروس وتكوينات ووصلات اشهارية تتجه الى تكوين جيل يعرف كيف يتعامل مع العالم الرقمي”.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.