شيخي يكتب: مهزلة القاسم الانتخابي .. المسألة يا سادة ليست تقنية

نبيل شيخي

عندما طرح موضوع احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، لم أصدق يوما أن من أقترحوه جادون في مسعاهم إلى أن تم تقديمه البارحة من قبل فرق الأغلبية والمعارضة باستثناء فريق العدالة والتنمية. عدم تصديقي ارتبط أساسا من جهة بكون هذا المقترح الهجين سيشكل اختراعا غريبا تفتقت عنهاعبقرية هؤلاء التي لم تأبه بأن ما تم اقتراحه يشكل نشازا وانقلابا على ما تعارفت عليه تجارب الأنظمة الانتخابية العالمية في هذا المجال. كما ارتبط عدم تصديقي من جهة أخرى ( والذي لا زال قائما إلى حين التصويت النهائي على هذا المقتصى) أنه في اللحظة الحاسمة سيحضر العقل وستتدخل الحكمة من مستويات مختلفة ولن يقع التمادي في مسار سيسهم في تقويض ما راكمناه ضمن مسار تجربتنا الديمقراطية الفتية.

ومن حقنا أن نتساءل إذا تم الإصرار على هذه الحماقة المحكومة بنزعة مزهوة باكتشاف موهوم وغير آبهة بمآلات هذا المسعى الذي نتحدى من هم ماضون فيه أن يقدموا لنا نموذجا واحدا لدولة عبر العالم اعتمدت أو سبق أن اعتمدت احتساب القاسم الانتخابي بهذه الكيفية التي تضرب في العمق المبادئ الدستورية المرتبطة بأسس تعبير الأمة عن إرادتها، من حقنا أن نتساءل على ضوء ذلك:

– هل سيبقى معنى للمشاركة في تنافس انتخابي لا يعطي قيمة لما تبذله الأحزاب الجادة من جهود من أجل كسب ثقة المواطنين، ما دام سيتم التسوية بينها وبين احزاب أخرى لم

تبذل نفس الجهد ولم تحظ لدى المواطن بنفس درجة الثقة؟

ألا تكفيكم المفارقة الصارخة لإسقاط تطبيق هذا القاسم على إحدى الدوائر الانتخابية وفق نتائج الانتخابات النيابية السابقة والتي سيستوي فيها الحزب الذي حصل على أزيد من ثمانين ألف صوت مع الذي حصل على أقل من ثلاثة ألف صوت؟

– هل ستبقى للمواطن ثقة في العملية الانتخابية ما دامت تسوي بين صوته وصوت من قاطع الانتخابات ولم يكلف نفسه عناء التمحيص والاختيار بين المرشحين واستكان في بيته متفرجا؟

– هل سيحق لنا بعد ذلك أن نتحدث عن الانتخابات كمحطة للتعبير الحر والنزيه عن إرادة الأمة ما دام أن هذا التعبير سيتم الالتفاف عليه من خلال السطو على الإرادة الحقيقية للمواطنين عبر تمييعها باحتساب الكتلة المعتبرة ممن يقاطعون الانتخابات؟

– هل ستبقى لنا القدرة، في ضل هذا الاقتراح الهجين، للدفاع عن تجربتنا الديمقراطية والحديث عن تميزها أمام المنتديات والمحافل الدولية، والإقناع بنمط أقتراع شارد لا مثيل له عبر العالم وتحكمت فيه هواجس أضحت معلومة لدى الجميع، وسيصبح لا محالة مادة للتندر ستمس بصورة المغرب وستنال من ما راكمته من مكتسبات منذ خطاب ٩ مارس ل ومنذ التصويت على دستور ٢٠١١ ؟

المسألة يا سادة، وبكل صراحة، ليست تقنية بسيطة وليست متعلقة بمن هو مع هذا الأقتراح ومن ضده، وليست أيضا سهلة بالشكل الذي يتصوره مهندسو هذا الاصطفاف العجيب الغريب. ما يقع يحتاج إلى قدر كبير من الوضوح والصراحة في توصيفه، والذي يشكل مع الأسف انحرافا خطيرا ظاهره اختلاف حول القاسم الانتخابي ومضمونه الحقيقي انقلاب على الديمقراطية وسعي واضح للالتفاف القبلي على الإرادة الشعبية، ويعكس في الجوهر مدى عجز البعض عن الاحتكام إلى قواعد التنافس الديمقراطي وفق القواعد المتعارف عليها عالميا.

السؤال الكبير الذي يلزم طرحه اليوم بمناسبة هذا السقوط المريع هو من مع الديمقراطية ومن مع الإمساك بمعول الشروع في تقويض ما راكمته بلادنا على طريق البناء الديمقرطي. ويكفي حزب العدالة والتنمية فخرا أن موقفه بهذا الخصوص كان واضحا منذ اليوم الأول من خلال مذكرته الانتخابية، وازداد وضوحا عندما رفض رئيس الحكومة تضمين هذه الخطيئة في مشروع القانون التنظيمي الذي رفع إلى المجلس الوزاري، وتكرس هذا الوضوح عندما أعلن الحزب عن أن فريقاه بغرفتي البرلمان غير مستعدين لتزكية هذا العبث.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.