على هامش اعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين.. عبر من تجربة G8 ومسيرة ولد زروال..

من قال بأن التاريخ لا يعيد نفسه، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالواقع السياسي المغربي؟ بل من قال أن هذا التاريخ يمكن أن يستعيد نسخة رديئة من ممارسات سابقة عفا عليها الزمن؟

فعلى مسافة قريبة من الانتخابات التشريعية لسنة 2011 لأوانها شهد المغرب حركة استقطاب سياسي مفتوح في اتجاه عقد تحالفات حزبية استعدادا لتلك الانتخابات.  

قبيل انتخابات 25 نوفبر2011 ظهر تحالف “حزبي” سمي حينها ب تحالف الأحزاب الثمانية أو G8 هي حزب “الأصالة والمعاصرة”، وحزب التجمع الوطني للأحرار لزعيمه وزير المالية صلاح الدين مزوار وحزب “الحركة الشعبية” و”الاتحاد الدستوري” و”الحزب العمالي” و”الحزب الاشتراكي” وحزب “النهضة والفضيلة” و”اليسار الأخضر”. 

كان التحالف تحالفا سورياليا لأنه ضم آنذاك الأحزاب الحكومية وأحزاب من المعارضة، أي من أحزاب “ليبرالية” وأخرى “اشتراكية”، بعضها ذو توجه “إسلامي” وبعضها الآخر ذو “ليبرالي” والثالث ذو توجه يساري اشتراكي.

كان التحالف موجها بالأساس لحزب العدالة والتنمية وسعة لتحجيم موقعه في الساحة السياسية في أفق التحضير للانتخابات.

وفي نفس السياق تعرض حزب العدالة والتنمية لحملة استهداف ممنهجة بلغت أوجهها في تنظيم المسيرة – الفضيحة التي سميت مسيرة “ولد زروال” التي قال بعض المغرر بهم من الشباب والأطفال المشاركين فيها، إنهم جاءوا ل “إخراج بن كيران من صحرائنا”.

واليوم نشهد “تحالفات” موضوعية في مجال الإجهاز على مكتسبات دستورية وعلى الاختيار الديمقراطي ليس من خلال تحالفات معلنة ولكن من خلال تواطآت على إدخال حيل انتخابية تفرغ العملية الانتخابية من جوهرها التمثيلي الديمقراطي.

ما عرفته جلسة مدارسة والتصويت في لجنة الداخلية أمس على مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب يشهد اليوم عودة إلى صيغة جديدة من تحالف G8 من حيث الغاية والمقصد، وليس من حيث الشكل والإطار، وذلك من خلال التواطؤ على تعديلات تمس بجوهر “الاختيار الديمقراطي” باعتباره ثابتا من الثوابت الدستورية، أي من خلال تبخيس صوت المواطن وجعل الأموات أو العازفين عن التصويت يقررون في الخريطة السياسية، وجعل الدكاكين السياسية على مستوى واحد من الأحزاب الحقيقية القريبة من المواطن والتي تقوم بدورها الدستوري حقا وصدقا  في الوساطة وتأطير المواطنين على اختلاف في درجة ذلك بين الأحزاب السياسية.

وأبشع من  من ذلك أن يبقى برلمانيون إلى آخر لحظة في انتظار التعليمات الواردة عليهم من “قياداتهم الحزبية”  للحسم في التعديلات التي يتعين تبنيها والتصويت لفائدتها، علما أن بعضا منها كانت له من خلال مذكرات فيما يتعلق بالقوانين الانتخابية مواقف واضحة خاصة فيما يتعلق بقضية القاسم الانتخابي، مذكرات لم تتبن مسألة القاسم الانتخابي على أساس المسجلين التي ظهرت بقدرة قادر. 

والأخطر من ذلك هو أن يظل التردد هو سيد الموقف في مسألة كبيرة من قبيل مسالة “القاسم الانتخابي” من قبل أحزاب  تعرف أنها ستتضرر من هذا المقتضى انتخابيا، قبل أن يتغير الموقف فجأة بعد اتصالات هاتفية في آخر لحظة، ومن قبل أحزاب تعاني من هجمة شرسة للسطو على منتخبيها و”مناضليها” ومرشحيها المحتملين من قبل حزب  يقول إنه جاء ليصحح أوضاع المغرب من خلال شعار بناء “مسار الثقة”، فاجتمع السطو على هؤلاء مع السطو على استقلالية قرارها.

التاريخ يعيد نفسه دون شك عكس ما يقوله علماء التاريخ، ليس في استنساخ نفس الوقائع بأعيانها وأشخاصها، ولكن يعيده  من خلال نظائرها ومن حيث دلالتها والقانون الذي يحكم شروطها وسياقاتها ومآلاتها. وهو في هذه الحالة الإساءة إلى الاختيار الديمقراطية ولمصداقية المؤسسات المنتخبة ولاستقلالية القرار الحزبي.

بقيت هناك رسالتان: الأولى موجهة لمناضلي حزب العدالة والتنمية، ولمن كان  منه لديه منهم أدنى  شك في كون حزبهم حزب حي وحزب حقيقي، وأن تجربته في التدبير الحكومي كانت تجربة موفقة وناجحة كما سيكشفها  تقييم حصيلته إجمالا وتفصيلا، لن تنال من مكانته ومن نتائجه الانتخابية.

 وأنه لو كان صحيحا أن الحزب قد فقد بريقه وأن نتائجه الانتخابية ستكون كارثية، لما احتاج القوم للرجوع إلى ممارسات عفا عنها الزمن، ول “حيل قانونية” ستكتب في سجل “النكوص الديمقراطي” والإساءة لمصداقية المؤسسات التمثيلية، وسجل الإساءة لاستقلالية القرار الحزبي، وترسيخ ثقافة اليأس والعزوف بما لذلك من نتائج وآثار.  

أما الثانية فموجهة للعقلاء في بلادنا عموما وفي الأحزاب السياسية الوطنية وهم كثيرون، وأن الأمر لا يتعلق بدفاع عن موقع سياسي لحزب العدالة والتنمية، وإنما بدفاع عن مسار البناء الديمقراطي وعن الاختيار الديمقراطي كثابت من الثوابت الدستورية، وهم معنيون بهذه القضية الوطنية التي لا يجوز التفريط فيها من أجل حسابات صغيرة. سيذكر التاريخ أن عددا ممن كانوا يدافعون عن الخيار الديمقراطي والمنهجية الديمقراطية في مقدمة المنظرين للنكوص وللارتداد الديمقراطي ومهرة في اقتراع الحيل القانونية للالتفاف على الإرادة الشعبية وتغطية عزلتهم وبعدهم عن المجتمع وضعف قدرتهم على مواصلة وظيفة التأطير التي يفترض أن تقوم بها الأحزاب الحقيقة.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.