يتيم: الفلسفة والسياسة.. أو عندما يتبخر الماء

محمد يتيم

يقال إن الفلسفة هي فن طرح الأسئلة وبلغة المعاصرين التفلسف هو التساؤل. يقال أيضا أن في العلم يتوفى السؤال بمجرد ما يتوصل العالم  إلى جواب أي إلى قانون  في حين أن الجواب على الأسئلة الفلسفية ينتهي إلى توليد عدد من الأسئلة الأخرى ..

وبقدر ما ينطبق هذا على العلم فإنه أكثر انطباقا على السياسية . ليس مطلوبا في السياسة أن تجيب على الأسئلة الكونية من خلال تساؤل لا يمكن الاحاطة بها في الزمان والمكان. ورغم هذا التمييز تظل الحقيقة العلمية نفسها حقيقة نسبية ومتغيرة ، أي أنها تتطور فهي لا تدعى الإجابة على أسئلة كونية وجودية  بل إنها تجيب على أسئلة أنضجتها سياقات تاريخية واجتماعية..

أما السياسة فالوضع فيها أعقد حيث إنها ممارسة يومية وأسئلة يطرحها الواقع المعيش وهي قائمة ليس فقط على تنقيح المناط ( أي الحقيقة كما هي وهي في هذه الحالة مقصد الشرعي من حكم بل  شرعي ) بل على تحقيقه في الواقع وبحث مناسبة “المحل” أو ” الواقع ” وشروطه لتنزيل الحكم الشرعي ( لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لبنيت الكعبة على قواعد ابراهيم ) 

لذلك عرف علماء السياسة هذا المجال بأنه ” فن الممكن ” ، وهي بالنسبة للعلماء المسلمين” تسديد وتقريب ”  أو ما كان الناس معه” أقرب للصلاح وأبعد عن الفساد ” ومن ثم تكون هي فن جلب أدنى المفاسد وتفويت أدنى المصالح .

إدراك هذا المعطى بإمكانه أن يقينا شرنقة التقابل بين المبادئ والمواقف . ذلك أن ممارسة سياسية دون مرجعية ممارسة سياسية متسيبة ، والممارسة السياسية دون استحضار للمآل ممارسة موقف لا يستند على المبادئ ، ومن المبادئ مراعاة المآل .. وهذا الأمر عليه أكثر من دليل في القرآن الكريم . ويكفي أن نرجع إلى القران الكريم نفسه وكونه مكونا من مكي ومدني وناسخ ومنسوخ وتدرجه في التشريع .

وأخيرا وجب التمييز بين السياسة النظرية ( فلسفة السياسية ) وبين السياسة العملية ( السياسة الشرعية باعتبارها ما كان الناس معه أقرب للصلاح ) . السياسة النظرية هي من قبيل ما أنتحه فلاسفة مثل أفلاطون والفاربي الذين تحدثوا عند “المدينة الفاضلة” ولكن السياسة الملتحمة بمكابدة التدافع اليومي . السياسة تحتاج لنظرية للعمل وليس لخطاب فلسفي يتساءل عن ماهية السياسة وحقيقة السياسة . وكما كان يقول الأستاذ عبد الله بها رحمه الله عن هذا النمط من التفكير عند بعض الفلاسفة الذين ذهبوا يتساءلون عن ” ماهية الماء ” فوضعوه على النار . . فتبخر !!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.