خارج السياق.. حظر التنقل الليلي ومنطق “إنا عكسنا”

بمجرد صدور قرار الحكومة بفرض حظر للتنقل الليلي في شهر رمضان الفضيل، عادت الأصوات التي ألفت التشكيك في كل شيء، وحفر أخاديد اللاثقة بين المواطنين ومؤسساتهم وعلى رأسها الحكومة، وتبخيس قراراتها، إلى ملء الفضاء ضجيجا وتشكيكا، وجعجعة بلا طحين،
وفعلا تم استثمار ما يتيحه الفضاء الرقمي من إمكانيات، وتحديدا تلك الفرص الهائلة  للانتشار الواسع التي تمنحها منصات التواصل الاجتماعي، والتي تستخدم تقنيات الحصار اللولبي للأخبار، وتدفع المتلقي بحكم الحملات الممنهجة والمنظمة، إلى نوع من العزلة والركون للهزيمة النفسية في مرحلة أولى، ثم الاقتناع بما يراد له  أن يعتقده  رأيا عاما يحظى بنوع من الإجماع، وهو في الواقع ليس حقيقيا ولا واقعيا، بل هو رأي افتراضي وقد يكون زائفا من ألفه إلى يائه.
الحكومة اتخذت قرارها طبقا لخلاصات علمية وبعد استشارة لأولي الاختصاص والخبرة.
والأرقام ولغة العلم لا تحابيان أحدا ولا يمكنهما إلا أن يكونا مطابقين للواقع، أوفياء له ولبيناته في المبنى والمعنى.
والعلم يقول إننا دخلنا المرحلة الثالثة من الوباء على الأقل منذ أسبوعين، وإن النسخة المتحورة  من الفيروس التي تحمل إمكانية انتشار تصل الى 70% ، قد استباحت سبع جهات من المملكة.
والنتيجة هي ارتفاع الطلب على قاعات الانعاش، وإصابة فئات الشباب بين العشرين وخمسين سنة، وارتفاع بشكل تدريجي لأرقام الإصابة.
فهل كان المطلوب من الحكومة أن تتعامى على هذه الوقائع والبينات الواضحات، وأن لا تستشرف عواقب ما يمكن أن يقع، خصوصا أن الفيروس  في نسخته المتحورة مقبل على طفرات بعضها قد تكون فتاكة وربما يكون معها التلقيح والتطعيم عاجزين لا قدر الله؟؟!
وهذا بعض من قول أهل العلم والاختصاص!
ثم ماذا كان سيقول هؤلاء الذين ينطبق عليهم المثل ” لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب” إذا وقعت الكارثة، هل سيرحمون الحكومة يلتمسون لها الأعذار لأنها استجابت لرغباتهم ولم تتخذ مثل هذا القرار الذي يقدم صحة المواطن واستباق كارثة تدل الوقائع والمؤشرات أننا لسنا بعيدين عنها مع ولوجنا المرحلة الثالثة من الوباء؟ أم أنهم سيشحذون ألسنتهم الطوال على عادتهم لجلد الحكومة وقول ما لم يقله مالك في الخمر؟!!
في مرحلة سابقة نفس الأصوات جلدت الحكومة جلدا ما زال بعض صداه يملأ الفضاءات الرقمية، بدعوى أنها لم تكن حازمة بما يكفي ولا حاسمة في تدابير عيد الأضحى الماضي، وأرجعت المسؤولية في التطورات المحزنة التي أعقبت ذلك العيد إلى ما أسمته تراخي الحكومة، بل إن من تلك الأصوات من احتج على الحكومة، أنها كان عليها أن تلغي الأضحية من الأساس حتى يلتزم الناس بالمكوث في مدنهم وأماكن إقامتهم، وهؤلاء هم اليوم من يتباكى على صلاة التراويح وعلى المشتغلين في قطاع المقاهي والمطاعم؟؟!!
لهذا نهمس في آذان هؤلاء وفي آذان مواطنينا عموما الذين يتعرضون لأنواع القصف الممنهج ومن كل اتجاهات، أن المرحلة مرحلة دقيقة، وأن الانحياز للوطن يجب أن يكون الآن أكبر همنا ومبلغ علمنا وعملنا، وأن صحة المواطنين وحماية الوطن من الفيروس يجب أن يكونا فوق كل الحسابات.
وأن الحسابات الضيقة التي يزعجها نجاح الوطن ..وربح الوطن.. في زمن تتولى فيه العدالة والتنمية تدبير شؤونه، هي حسابات من النوع الذي يقول فيه المغاربة ” لي كيحسب بوحدو كيشيط ليه”!! وعلى الحكومة أيضا أن تستمع بجد للتخوفات المشروعة لبعض الفئات، وأن تبدع إجراءات مواكبة لحماية هذه الفئات، وذلك ليس بعزيز عليها وهي التي ربحت أشواطا مقدرة في إقرار الدعم لفئات مختلفة من أبناء الوطن في مراحل صعبة أكثر من هذه المرحلة!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.