هل هي انتخابات أم فترة التنقلات للمرشحين قبل بداية البطولة؟

سعيد الغماز

المتتبع لما يقوم به بعض المستشارين الذين حظوا بثقة الناخبين في الاستحقاقات الماضية، يختلط عليه الأمر بين الاستعداد للانتخابات المقبلة وفترة التنقلات التي تعلن عنها المنظمة الدولية لكرة القدم للسماح للاعبين بالتنقل إلى أندية أخرى وللأندية بالتعاقد مع لاعبين جدد. فهل أصبح المنتخبون كلاعبي كرة القدم في تنقلاتهم، وهل تحولت بعض الأحزاب إلى فرق للعبة الأكثر شعبية؟  في البداية يجب أن نشير إلى أن جل الأحزاب الممثلة في البرلمان حسمت في العديد من المرشحين الذين نالوا تزكية الحزب وشرعوا في حملات سابقة لأوانها، باستثناء حزب العدالة والتنمية الذي لم يعلن إلى حدود كتابة هذه الأسطر عن تزكية ولو مرشح واحد. الأمر يعود إلى المنهجية الديمقراطية المعروف بها حزب الزعيم عبد الكريم الخطيب. الترشيحات في حزب العدالة والتنمية تكون في مؤتمرات محلية وإقليمية وجهوية، والمساطير التي يعتمدها الحزب تجعل سواء الأمين العام أو الأمانة العامة لا يتمتعون سوى بصلاحيات محدودة لا تتجاوز بعض الاقتراحات أو إعادة ترتيب الأسماء في اللوائح، وذلك في حدود نسبة معينة يتم تحديدها في برلمان الحزب. هذه الديمقراطية الداخلية، جعلت الحزب لا يقع في الممارسات المشينة والمسيئة للفعل السياسي كما حدث في حزب الزعيم عبد الرحيم بوعبيد، حيث قام الكاتب الوطني بتزكية ابنه في الرباط وكان قبل ذلك فرضه على وزير العدل ليرأس ديوانه الوزاري.  طريقة منح التزكيات التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية مكنته كذلك من تفادي السقوط في مستنقع استقطاب الصالح والطالح من الكائنات الانتخابية التي لفظتها أحزابها وأسقطت عنها التزكيات. هذه الكائنات شكلت تجمعا للهجرة نحو حزب هاجرته حمائمه التي انتقدت غياب الوضوح والاستغناء عن الأعضاء القدامى في الحزب، وراح يبحث في أقفاص المنافسين لتجميع الحمام الشارد في قفصه الذي يبدو أنه أصبح فارغا من الأعضاء الحقيقيين.
كما أن هذه الديمقراطية الداخلية، مكنت حزب البيجيدي من تجاوز ممارسات على شاكلة ما تقوم به المرأة الوحيدة من بين الأمناء العامين للأحزاب التي تريد أن تستفيد من ريع النساء في اللوائح الجهوية بدل قياس شعبيتها والترشح في إحدى الدوائر الانتخابية. وهو الأمر الذي كاد أن يعصف بالاجتماع الأخير للمكتب السياسي لحزب الأمينة العامة.  حزب الزعيم علال الفاسي تعرض لمحاولة الهيمنة على تاريخه بالبلطجة في العاصمة العلمية. عملية غريبة قام بها برلماني ترك مهامه البرلمانية لأكثر من سنتين، ولم تطأ قدماه عتبة المؤسسة التشريعية طيلة هذه المدة. رغم ذلك لم يعلن استقالته، بل أراد ممارسة السياسة كما يحلو له وفي تحد سافر لمغرب النموذج التنموي الجديد. الاجراء الذي قامت به قيادة الحزب يصب في الاتجاه الصحيح، وهو القرار الذي يجب اتخاذه ضد كل ممارسة حاطة بالفعل السياسية في بلادنا.  ريع التزكيات الذي تقوم به الكثير من الأحزاب، جعلنا نقف على ممارسات لا يكاد يفهمها المناضل المتشبع بقيم الديمقراطية، ومبادئ الممارسة السياسية المسؤولة، والقناعات البعيدة عن الانتهازية والوصولية. فأصبحنا نسمع عن استقالات من الأحزاب في الليل، وانضمام لحزب جديد عند الفجر، ونيل التزكية بعد طلوع الشمس. وكأن الحمام أصبح لا ينام حتى يستبدل المقام ليكون الكرسي في عداد اليقين.  الانتخابات التي نريد أن يشارك فيها الشباب، وتستقطب أكثر عدد من الناخبين، وتكون فيها نسبة المشاركة معبرة… تبدأ من سلوكيات المرشحين وتزكيات تبتعد عن ريع “باك صاحبي”. ليس الهدف الأسمى من الانتخابات هو أن يفوز هذه الحزب أو ذاك الحزب، فكم من انتخابات عرفتها بلادنا وفي كل مرة يفوز حزب معين، لكننا دائما نجد أنفسنا أمام معضلات من قبيل برنامج التقويم الهيكلي أو مغرب السكتة القلبية أو مغرب النموذج التنموي الجديد. الهدف الأسمى من الانتخابات هو ضمان الممارسة السياسية المسؤولة والنزيهة، هو الحياد الإيجابي للسلطة الوصية على الانتخابات، هو القطع مع ثقافة الحزب المفضل للدولة، هو القطع كذلك من ممارسات دعم حزب ضد حزب آخر، هو الامتثال الصارم للتوجهات الأخيرة لجلالة الملك القاضية بالسهر على سلامة العمليات الانتخابية من قبل اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات والتصدي لكل الممارسات التي قد تسيء إليها. بعد ذلك فليكن الفائز أيا كان ما دام يمثل إرادة الناخبين. الرابح في الانتخابات النزيهة ليس الحزب بل البلد الذي يبحث عن التنمية والتقدم، والرابح في انتخابات دعم حزب ضد حزب آخر هو بلد الأزمات والأعطاب التنموية.إننا نبني مغرب الغد فهل من مستمع وهل من مجيب؟      

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.