بودراع: “المرتحل السياسي” يخون العهد الذي يربط بينه وبين الناخب

تعيش الساحة الحزبية بالمغرب خلال الأشهر الأخيرة المتبقية للاستحقاقات الانتخابية، عودة مكثفة واستثنائية لـ”المتحورين السياسيين”، حيث يعمد العديد منهم على تغيير “جلبابهم السياسي” و”قبعاتهم الحزبية”، في تناقض صارخ ومنبوذ لقيم العمل السياسي الأخلاقي والحزبي خاصة.

ومع استفحال هذه الظاهرة المقيتة، التي تضرب عرض الحائط رمزية ومعاني “المناضل الحزبي” الذي لا تهمه أفكار وتوجهات الحزب وأيديولوجيته بقدر ما يهمه ضمان الوصول إلى بر الأمان بقبة البرلمان أو بمجالس الجماعات الترابية، نتساءل كيف يمكن لعموم المواطنين أن يثقوا في نخبة تعتبر من “زبـــدة المجتمع” وهي تمارس هذا السلوك الانتهازي، خصوصا إذا علمنا أن “الالتزام السياسي” يعتبر أهم قيمة سياسية ينبغي أن نزرعها في الثقافة السياسية.

عهـــد بين النـاخب والمنتخب

وفي هذا السياق، أكد أحمد بودراع، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن العملية الانتخابية تعتبر بمثابة عهد بين الناخب والمنتخب، مبينا أن  “المرتحل السياسي”  عندما يبدل وجهته السياسية ، يكون بذلك قد خان الأمانة والعهد الذي يربطه بينه وبين الناخب.

وأوضح بودراع، في تصريح لـpjd.ma، أن ظاهرة الترحال السياسي متجذرة في الواقع السياسي المغربي، وتعني أن نائبا معينا أو منتخبا معينا، قد يصوت عليه ناخب في فترة زمنية معينة لكن بمجرد أن يتسلم المنصب يغير لونه السياسي والهيئة التي باسمها ترشح، موضحا أن هذه الظاهرة سلبية جدا في واقع سياسي لم تتجذر فيه الديمقراطية .

أسباب تغيير المنتخبين للونهم السياسي

وحول أسباب هذه الظاهرة غير الخلاقة، أشار أستاذ القانون العام، أن ظاهرة الترحال السياسي لها عدة أوجه وعدة أسباب مرتبطة بالمواطن في حد ذاته، لأن المواطن يمنح صوته وثقته للمنتخب، حتى ولو غير لونه السياسي، وهذا يطرح مستوى الوعي السياسي للمواطن، ويطرح معه سؤال تجذر ثقافة المواطنة والديمقراطية .

وتابع أن “هناك مسألة أخرى مرتبطة بالأحزاب السياسية، فعندما نتحدث عن ظاهرة  “الترحال السياسي”، فنحن أمام  ظاهرة ينتفع بها “المرتحل السياسي”، والحزب السياسي، مبينا أن حزب الاستقبال يوافق على هذا الترحال السياسي لهذا المنتخب، ومن طبيعة الحال، هناك نوع من “البرغماتية” والنفعية السلبية التي يمكن أن تدخل في ما هو سياسوي وليس سياسة.

واعتبر بودراع،  أن أحزاب “الاستقبال “، لا تستقطب النخب السياسية ولا الكفاءات ولا الرموز السياسية، بقدر ما تستقطب بعض المشتغلين في العمل السياسي، ولديهم تاريخ وارتباطات قوية وخزان انتخابي، مضيفا أن هناك منافع متبادلة بين المرتحل السياسي وحزب الاستقبال، بعيدة عن الديمقراطية والعمل السياسي النظيف والنبيل .

الحــل القانوني والدستوري

وبخصوص الحل القانوني والدستوري، أفاد بودراع، أن من طبيعة الحال الفصل 61 من الدستور كان واضحا، فهو يعاقب الذي يبدل الهيئة التي باسمها ترشح داخل الولاية التشريعية، ولكن بماذا يعاقبه؟ يعاقبه بالتجريد من العضوية، وأعتقد أن هذا العقاب مخفف لأن هذا المرتحل السياسي ارتكب مخالفة دستورية كبيرة جدا، وبالتالي فالعقاب كان ممكن أن يتجاوز ذلك، من خلال حرمانه من الحقوق السياسية لمدة معينة، أما تجريده من العضوية في البرلمان فهذا يعتبر عقوبة مخففة.

وشدد أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن المتن القانوني لا يمكن أن يغير الواقع، لأن الواقع يحتاج إلى تغيير في الوعي السياسي على مستوى المواطن والناخب .

وذكر الأستاذ الجامعي، أن هناك مشكلا على مستوى القوانين الداخلية للأحزاب السياسية، إذ هناك قوانين داخلية لأحزاب لا يمكن أن تمنح تزكية لشخص معين إلا بعد مرور فترة زمنية، لكن يمكن لرئيس حزب أو الأمين العام أن يتدخل وبشكل استثنائي ويمنح التزكية لهذا الشخص، وبالتالي فالمسألة متشابكة ومعقدة، فيها ما هو قانوني سياسي ومرتبط بمدى ترسخ مفهوم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية ونسبة الوعي السياسي للناخب.

التشبث بمشروع الحزب

وأوضح أن “الانتماء لحزب سياسي، يعني التشبث بأفكاره وإيديولوجيته وبعقائده، بمعنى أن هذا المنتمي لهذا الحزب السياسي يمكن أن يناضل ويدافع عن مواقف الحزب، لا أن يتجرد بكل سهولة من كل ذلك ويرحل إلى هيئة سياسية أخرى”.

 ولفت المتحدث ذاته، إلى أن هناك فعلا مجموعة من القوانين منها الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية المعدلة حديثا، والتي تسعى إلى تخليق الحياة السياسية.

وأردف مستدركا: “لكن التساؤل إلى أي حد هذه الترسانة القانونية ستفيد خصوصا أن هذه المرحلة هي نهاية الولاية التشريعية، وبالتالي الاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل، حيث بدت معالم “الترحال” بين هذا الحزب وذاك، بحثا عن مغانم سياسية”.

وخلص بودراع، إلى أن الانتماء ونبل العمل السياسي، هو الأجدر أن يعم الساحة السياسية في بلد يسعى للوصول إلى الديمقراطية في مفهومها النبيل، واصفا ظاهرة الترحال السياسي بالريع السياسي .

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.