محمد عصام يكتب: الديمقراطية المغربية من مسيرة ولد زروال إلى التشطيب على حامي الدين والسكال

محمد عصام

بعد ما تم رصده من خروقات شابت عملية التسجيل الاستثنائية في اللوائح الانتخابية، حيث تواترت عمليات التشطيب على مناضلين وأعضاء من حزب العدالة والتنمية وبعض المتعاطفين معه في مناطق مختلفة من التراب الوطني، ونقل قيد بعضهم دون إذنهم وعلمهم إلى جماعات لا تربطهم بها أية صلة، تفاجأ الرأي العام الوطني أمس بالتشطيب على القيادين عبد العالي جامي الدين عضو مجلس المستشارين ونائب رئيس جهة الرباط سلا القنيطرة، وعبد الصمد السكال رئيس مجلس الجهة نفسها، وكان لهذا التشطيب وقع الصدمة الممزوجة بكثير من الدهشة والاستغراب على الجميع سواء تعلق الأمر بأعضاء الحزب ومتعاطفيه، أو عموم المتابعين ممن يتقاسمون الغيرة على تجربة المغرب الديمقراطية، وممن يعنيهم أفق الديمقراطية وينحازون له قلبا وقالبا، فأسوأ السيناريوهات المحتملة للتدخل في عمليات التسجيل لم تكن تذهب إلى هذا الحد الغارق في السوريالية، والذي يرسل رسائل سيئة عن البلد وعن تجربته الديمقراطية ويسيء لهما إساءة بالغة !!!

أن يصل العبث درجة التشطيب على قياديين معروفين  لهم مواقع متقدمة في مسؤوليات ومؤسسات  انتدابية دون إحاطتهم علما بذلك ولا بدواعيه، يفتح المجال لقراءة هذا التطور ضمن نسق موحد يجمع عددا من المحطات الدالة التي وقع فيها أو تم فيها محاولة إعطاب العملية  الديمقراطية ضمن سلسلة مترابطة من التواريخ والوقائع التي لازمت رحلة المغرب في تحوله الديمقراطي المعطوب والصعب المنال إلى حدود الساعة.

لن نذهب عميقا في استنطاق هذا التاريخ ومحطات الإعطاب المتتالية ضمنه للديمقراطية، وسنكتفي بوقائع حديثة تؤكد منحى التراجعات التي ميزت رحلة التردد نحو الديمقراطية، وسنبدأ بواقعة مسيرة ولد زروال قبيل الاستحقاق الانتخابي التشريعي ل 2016، حيث تفاجأ المغاربة بمسيرة  دبرت بليل، وخطط لها في دهاليز الله أعلم الى حدود الساعة أين يصل عمقها وسمك ظلامها ومن يقف وراءها، لقد كانت مسيرة ولد زروال طعنة في خاصرة الديمقراطية، أبطلت مشيئة الله ووعي المغاربة مفعولها، مما يجعلنا نتساءل عن كيف كان سيصير واقع المغرب لو قدر الله أن تنجح تلك المؤامرة؟!! وبصيغة أكثر دقة ما هو المغرب الذي كان يخطط لإرسائه من خلال نجاح المسيرة/  المؤامرة تلك؟!!!

لقد كشفت تلك المسيرة والدعم الكبير وبلا حدود لحزب سياسي تلاحقه لعنة الولادة و أريد له أن يكون مهيمنا على الحياة السياسية عبر آليات التحكم وتخويف المنافسين وشراء الولاءات وتسخير الإدارة وإمكانياتها، عن وجود إرادتين في المشهد السياسي، واحدة بمضمون سلطوي  تحن إلى مغرب خارج زمن دستور 2011، وإرادة تنطلق نحو المستقبل بأفق ديمقراطي، الأولى ترى أن محطة الحراك الشعبي ودستور 2011، وانتخابات 2011 ومن حملته نتائجها الى قمرة قيادة العمل الحكومي، كل ذلك قوسا يجب إغلاقه وبسرعة والتخلص من كل مقتضيات تلك المرحلة والعودة الى المربع الأول، والثانية تؤمن أن قدر المغرب هو الانتقال نحو الديمقراطية وأن عقارب الزمن السياسي لا يمكن أن تعود الى الوراء.

وبعد مسيرة ولد زروال التي تملص الجميع من مسؤوليته عنها وغدت بلا أب شرعي ولا أم، جاءت واقعة البلوكاج الشهير، والتي كشفت أن القوم لن يستسلموا وأن جرابهم يحوي ما لا يخطر على بال أحد، وأنهم مستعدون للمغامرة بالبلد بكامله وتوقيف مصالحه لمدة نصف سنة، حتى يفرضوا مشيئتهم على الجميع وتصير 37 مقعد أكبر من 125 مقعد، ويحوز حزب بالكاد يملك فريقا نيابيا رئاسة مجلس النواب، في مشهد سوريالي عصي على الفهم والاستيعاب !!!!

ولم يكتف القوم بذلك، وحتى لا تتكرر هزيمة 2015 و2016، وحتى لا يتكرر حرج البلوكاج، تفتقت عبقريتهم على إبداع قاسم انتخابي يلغي المنافسة الانتخابية، ويوزع المقاعد بمنطق الصدقات، ويستنجد بالأموات والمقاطعين، ويكافئ الكسالى، ويعاقب المجتهدين، ويتحكم في مخرجات العملية الانتخابية بشكل قبلي، ويؤشر بذلك على انتكاسة ديمقراطية جديدة، عنوانها إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها التنافسي الشريف !!!

لقد أكدت هذه الوقائع على هشاشة تجربتنا الديمقراطية، وأننا ما نزال في حاجة لتحصين اختيارنا الديمقراطي، كما أنها تؤكد على أن ما اسماه الراحل عابد الجابري بالقوى الثالثة ما زال مفعولها بارزا في المشهد السياسي، وأنها تملك قدرة كبيرة على المناورة وامتصاص الضربات وأيضا على تحين الفرص والانقضاض عليها كلما سنحت الظروف في اتجاه تقوية مواقعها والدفاع عن مصالحها بكل الأشكال المتاحة بغض النظر عن شرعيتها وقانونيتها،

 لقد فهمت هذه القوى أن زمن سرقة الصناديق وتزوير النتائج قد ولى بلا رجعة، ولهذا فإنها تجتهد بكل قوة لإبداع أدوات ناعمة للتحكم في نتائج الديمقراطية التي قبلتها على مضض، والتشطيب على رمزين من رموز العدالة والتنمية من اللوائح الانتخابية، عبد الصمد السكال وعبد العالي حامي الدين،  يكشف بوضوح أن هذه القوى مازالت وفية لعادتها  القديمة، وأنها مستعدة لفعل أي شيء يقربها لتحقيق أهدافها كيفما كان الثمن.. فالرسالة بخصوص هذا التشطيب واضحة، هي منع المعنيين من حقهما الدستوري في الترشح، وليذهب بعد ذلك الدستور للجحيم..

هذا المنع يعني أن أطرافا معينة منزعجة من أداء هذين القيادين في المؤسسات التي ولوجوها بفضل أصوات المواطنين وعبر إرادتهم الحرة والنزيهة، وأن هذه الأطراف لم تعتد تحتمل عودتهما عبر صناديق الاقتراع الى مواقع انتدابية جديدة، وفي خلفية الرسالة إشارة إلى الشباب الذي يتأطر بأداء  المعنيين بالتشطيب، أن هذه الطريق غير سالكة وغير مرغوب فيمن يسلكها !!!

إنها باختصار فضيحة كبيرة وبكل المقاييس ورسالة سيئة وبالغة السوء، ستعمق جرح الديمقراطية في هذا البلد، وستحد من إشعاع نموذجه، فالمغرب المنفتح على عمقه الافريقي سياسيا واقتصاديا، والمغرب الذي يتوجه الى تعزيز جاذبية نموذجه الاقتصادي المؤسس على استقرار بنائه المؤسساتي وانسياب تجربته الديمقراطية، حتما سيكون المتضرر الأكبر من هذا العبث،  فهل يعقل القوم ويتوبون توبة ديمقراطية نصوحا !!!؟؟؟                

 

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.