محمد عصام يكتب: حتى لا يتحول ياسمين تونس إلى سراب

محمد عصام

بداية وحتى نقطع الطريق على مدمني الاصطياد في المياه الضحلة، ومن ينصبون أنفسهم أوصياء على الجميع، ويوزعون صكوك الغفران كما يشتهون، والذين يغيظهم من الكلام ما انحاز منه بلا قيد ولا شرط إلى الديمقراطية وتخندق أصحابه مع أهلها، وربطوا مصيرهم بأقدارها وتصاريفها.. لكل هؤلاء نقول شأن تونس الخضراء يهمنا، ومصيرها من مصيرنا، وأقدارنا التي وحدتنا في الجوار والجغرافيا والدين واللسان هي ذاتها من يوحدنا في حلم كبير نتعقبه أناء الليل وأطراف النهار.. حلم صنعنا بعضه في معركة التحرير الوطني التي تداعت لها شعوبنا موحدة.. وتردد على إثرها صدى استشهاد فرحات حشاد في الدارالبيضاء وغيرها من مدن المغرب.. حلم أضعنا كثيرا منه ونحن نخطو نحو ديمقراطية تعثرت في مسيرنا نحوها الخطوات وادلهمت في سعينا لها المسارات.. إلى أن جاءت ثورة الياسمين فتردد صداها في كل أرجاء إقليمنا المثخن بالانكسارات والنكبات.. وغدت تلك الثورة أملا مشتركا لنا جميعا، وحلما قاب قوسين أن يصبح حقيقة !!!
لكل هؤلاء نقول وبالوضوح اللازم.. إذا كانت الخلافات بين أهل البيت التونسي شأنا داخليا، لا نملك له من الأمر غير الدعاء لتونس وأهلها أن يلهمهم الله الرشاد والسداد، وأن يبعد عنهم أهل الشقاق والنفاق، وأن يتولى ثورتهم بالعناية والرعاية، فإن ما وقع  بتونس يعنينا.. لأن ثورة الياسمين لم تعد ملكا لأهلها فقط، بل هي أمل شعوب المنطقة برمتها، أفولها يعني اقتراب صحراء الاستبداد من الجميع، وأن الثورة المضادة التي كشرت عن أنيابها منذ 2013 الى اليوم، لم تكل ولم تمل، وأنها مصرة على قضم مساحات تلو المساحات حيثما أزهر بعض من ربيع الديمقراطية، وأنها لن يهدأ لها البال حتى تسترجع كل المجالات التي فقدتها تحت ضغط الحراك الشعبي.
فكما انتشينا يوم 14 يناير 2011 بسقوط الديكتاتورية وهروب رمزها المذل، فمن حقنا  اليوم أن نضع  أيدينا على قلوبنا بعد التدابير التي أعلن عنها الرئيس التونسي، من تعطيل للبرلمان وإقالة رئيس الحكومة و تولي مهام النيابة العامة وغيرها من الإجراءات، لأن التجارب علمتنا أن الانقلابات لا تكون دائما خشنة، وأن أفتكها تلك التي تتمظهر في شكل ناعم وتحاول أن تجد لها شرعية في الدستور والقانون ولو بشكل بالغ من التعسف والتأويل الفاسد !!!!
لقد تم خلال مراحل سابقة المبالغة في خنق الديمقراطية الواعدة في تونس، باختلاق استقطابات حادة، وتوريط المؤسسة التشريعية في متاهات من الصراعات الدونكتشوطية، في أفق خلق توجه عام متضايق من حالة الانسداد الديمقراطي داخل البرلمان  وبالتبع في الحكومة وفي عموم الشأن العام، بما يوحي أن هناك حالة من “التخمة الديمقراطية” غير المنتجة والتي تغرق البلاد في حالة من الجمود ولا جدوى المؤسسات، مع ما رافق ذلك من أزمة اقتصادية خانقة، وانحسار كبير في الخدمات الاجتماعية وارتفاع مؤشرات البؤس الاجتماعي، والتي زادته جائحة كوفيد 19 استفحالا، ودفع المواطن البسيط تحت ضغط القصف الإعلامي  الممنهج، إلى الكفر بالديمقراطية مطلقا وبنتائجها مادامت هذه الأخيرة حسب السردية المهيمنة إعلاميا لا تغني ولا تسمن من جوع، وجعله في نهاية المطاف فريسة سائغة لدعاوي النكوص والارتداد، والتي لم يعد خافيا أنها تشتغل بإمدادات إقليمية ودولية ودعم لا تخطئه العين.
ليس سرا أن التضايق من نجاح نموذج الديمقراطية الذي يأتي بالإسلاميين الى مربع الحكم والمشاركة بنسب مختلفة فيه، قد بلغ من جهات النكوص مبلغا عظيما،  وأن الأجندات المطروحة للرجوع الى المربع الأول، مربع الاستبداد والارتداد عن الديمقراطية، متعددة ومتداخلة،  وقائمة على تشابك مصالح جهات متعددة، تلتقي في المحصلة  في كراهية النموذج  الإسلامي، والعمل إن اقتضى الحال بالتضحية بالديمقراطية ذاتها في سبيل إزاحة هذا النموذج وإسقاطه، وخلق إجماع بكل الوسائل على ذلك وفي سبيله.
نضع أيدينا على قلوبنا، لأن تونس وديمقراطيتها جزء من حلم يجمعنا من المحيط إلى الخليج، ونحن واثقون من أن اخضرار تونس رهين بدوحتها الديمقراطية واستواء سوقها الذي يغيض البعض، وأن لتونس رجالها ونساؤها وأنهم قادرون بإذن الله أن يستردوا المبادرة وأن يصححوا الوضع، وأن يعيدوا  قطار تونس نحو الديمقراطية، وأن ينعشوا أمل شعوب المنطقة في طي ماضي الاستبداد والسير بثبات نحو الديمقراطية، فبلد “إذا الشعب يوما أراد الحياة////// فلابد أن يستجيب القدر” جدير بها وأهل لها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.