السقوط المدوي لوكالة المغرب العربي

سقطت وكالة المغربي العربي سقوطا مهنيا مدويا، وهي تصدر نهاية هذا الأسبوع عددا جديدا من مجلتها  “باب”، ولسخرية الأقدار سمتها مجلة ذكية، وهي   أبعد ما تكون عن الذكاء، وخصصت غلافها للأستاذ عبد الإله ابن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، تحت عنوان : “كيف أضعف عبد الإله ابن كيران إخوانه”.

وبالمقابل وفي النسخة الفرنسية من المجلة، خصصت الغلاف لرئيس الحكومة الجديد عزيز أخنوش وبعنوان مغري: “التحدي”.

نقول سقوطا مهنيا حتى لا نقول شيئا آخر ، لأن من سيطلع على العددين لن يصدق بتاتا أن الجهة التي أصدرتهما هيئة رسمية، وسيعتقد بكل يقين أن الأمر يتعلق بحزب سياسي يمارس حقه الدستوري في الترافع عن قناعاته ومهاجمة خصومه بما يتيحه مجالا السياسة والإعلام من ضوابط وقواعد وأخلاق مهنية.

فهل تناسى القائمون على وكالة المغرب العربي للأنباء، أنهم يشتغلون في إطار قانوني واضح يؤطره قانون رقم 02.15 القاضي بإعادة تنظيم الوكالة والصادر بتاريخ 12 أبريل 2018، أم  أنه أوحي لهم بأن يدوسوا بكل صلف على هذا القانون؟

القانون حدد في فصله الثاني المتعلق بالمهام والأنشطة وبالنص ما يلي:

” تمارس الوكالة لحساب الدولة المهام التالية:

 • تثمين الهوية الوطنية وتعزيز إشعاع المغرب وتقوية حضوره على المستوى الدولي

•  المساهمة في إيصال صوت المملكة إلى المحافل الوطنية والدولية

 •  تحفيز النقاش العمومي الديمقراطي عبر تنظمي لقاءات فكرية وإعلامية كالمنتديات واللقاءات والحوارات والندوات

 •  القيام ببث كل خبر ترى السلطات العمومية الدستورية فائدة في إبلاغه إلى العموم”

فهل الاشتغال على حزب العدالة والتنمية وخلافاته الداخلية يدخل ضمن  المهام التي يمكن أن تمارسها الوكالة لحساب الدولة؟ وأي فائدة  للدولة أصلا في الاشتغال بالداخل الحزبي للهيئات السياسية؟

وهل إضعاف حزب العدالة والتنمية سيسهم في إيصال صوت المملكة في المحافل الوطنية والدولية؟ وكيف سيفيد الكشف عن “كيف أضعف ابن كيران إخوته” في تثمين الهوية الوطنية وتعزيز إشعاع المغرب وتقوية حضوره على المستوى الدولي؟

إن ما اقترفته وكالة المغرب العربي ليس فقط إخلالا مهنيا، بل تدنيسا بسبق الإصرار والترصد لمؤسسة عمومية، ورسالة سيئة للغاية نرسلها للداخل والخارج، مفادها أن عملية التطويع والتضبيع والتبضيع قد تجاوزت المقاولات الإعلامية “الخاصة” ولم تسلم منها حتى المؤسسات العمومية، التي يجب أن تبقى على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية وأن تنضبط للقوانين المنظمة لها.

ليس سرا بعد التقارير الإعلامية المتعددة والرصينة، أن عملية كبيرة استهدفت الحقل الإعلامي الوطني للتحكم فيه وضبط إيقاعه، بشراء المنابر والضغط على أخرى، وخنقها عبر حبل الإشهار المتحكم فيه من خلال كارتيلات المال والاقتصاد، وعبر إسكات الأصوات المزعجة، وكيف تحولت خطوط تحرير كثيرة بقدر قادر من تموقع إلى آخر،

 لكن أن يتحول صنف من الإعلام العمومي  وبشكل سمج الى “طبال” لجهة معينة تكيل المديح له ليل نهار، وتستهدف خصومه بتقارير مخدومة وضيوف يتم انتقاؤهم بعناية، ليتحولوا إلى ضيوف دائمين على البرامج ونشرات الأخبار، وأن تتحول الوكالة الرسمية إلى عضو في هذه الجوقة، فإن ذلك هو العبث عينه والاندحار الذي لا قاع له.

ويبدو أن وراء هذه الجرأة  والسرعة في هذا السقوط، وعيا من أن “مول العرس” عاجز تماما أن يقنع إعلاميا وتواصليا، ودليل ذلك جوابه على تدخلات الفرق والمجموعات البرلمانية في نقاش ما سمي برنامجا حكوميا، حيث كان جوابه أضعف رد وجواب شكلا ومضمونا في تاريخ الحكومات والبرلمان المغربيين،

يبدو أن حصص الكوتشينغ لن تجدي نفعا في رتق الهزالة التواصلية لرئيس الحكومة وأن شعارات الكفاءة وهبط تخدم لن تداري هذا الضعف والهوان،  ولهذا يتم تسخير الإعلام  العمومي والمؤسسات العمومية لتدارك هذا النقص.

لكن الذي يجب ان يتنبه له القوم أنهم يسيئون للبلد بهذا التنميط السمج، ويفرغون عمل المؤسسات من المعنى وبالتالي يصيبون مصداقيتها في مقتل، ويرسلون الرسالة الخطأ وفي التوقيت الخطأ، وأنهم بذلك يزرعون السراب وسيحصدون لا محالة السراب ومعه كثير من الهوان. 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.