الغماز يكتب: هل نحتاج “سقراط” وزيرا للتعليم في المغرب؟

سعيد الغماز

هل نحتاج “سقراط” وزيرا للتعليم في المغرب؟

     لا شك أن سقراط هو أول رجل عرفه التاريخ دافع عن مجانية التعليم حين وقف في وجه “السفسطائيين” الذين كانوا ينشرون الحكمة بمقابل مادي. ورغم ظروفه المادية المزرية، وتحمله أعباء أسرة من ثلاثة أبناء، أبى هذا الفيلسوف إلا أن يسخر علمه في خدمة شباب أثينا مجانا ووقف ضد كل من يحاول جعل التعليم خصوصيا وبمقابل مادي كما جعل الحق في التعليم عاما على كل إنسان.

    من هذا المنطلق يأتي عنوان هذا المقال ليبرز أن المعضلات التي يعاني منها التعليم في بلادنا، يمكننا أن نبحث عن حلول لها في عهد سقراط الذي يعود للقرن الرابع قبل الميلاد. فمنذ هذا التاريخ، ناضل الفيلسوف اليوناني عن حق كل إنسان في التعليم، بمعنى مجانية التدريس، كما ناضل من أجل توطين الحكمة والفضيلة في طُرق التدريس وجعلهما خاصيتان ضروريتان في كل ممارس لمهنة التدريس. سنحاول إسقاط هذه المنهجية “السقراطية” على معضلتين في التعليم في بلادنا: محاولة تسقيف سن التدريس في ثلاثين سنة، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية حتى أصبح التلميذ يَدرس في الساعات الإضافية ولا يكترث للساعات التي يقضيها في فصل الدراسة داخل المؤسسة التعليمية.

 -1- تسقيف السن: فيما يخص القرار الأخير بتسقيف سن مزاولة مهنة التدريس في ثلاثين سنة، لا يمكن لعاقل أن يقتنع بمبررات القرار التي حددها الوزير الوصي على القطاع في تجويد التعليم والبحث عن المُدرس الذي لا زال يتمتع بالحيوية والطاقة القصوى في العطاء وبذل الجهد. وهو منطق مردود عليه من جانبين. أولا البحث عن طاقات شابة وقادرة على العطاء ليس مرتبطا بعامل السن وإنما هو مرتبط بالتحفيز وتوفير الشروط الضرورية التي ستعزز من فعالية الأطر التربوية وتعمل على حثهم لمضاعفة الجهود والانخراط التام في عملية النهوض بالمنظومة التعليمية وتجويد الأداء التربوي. وليس سرا إذا قلنا أن تسقيف التدريس في الثلاثين لا علاقة له بتجويد المنظومة التربوية، وإنما هو قرار مرتبط بتخفيف الضغط على صناديق التقاعد لأن من بدأ في الوظيفة مبكرا يشتغل مدة أكثر وبالتالي يساهم في الصناديق بنسبة أكبر. والقرار مرتبط من جهة أخرى بضغوط المدارس الخصوصية نظرا لكون أغلب أطر هذه المدارس تجتاز مباريات مهنة التعليم لكونها تفضل المدرسة العمومية على المدرسة الخصوصية. وهو أمر لا يمكن معالجته بالرضوخ للمدارس الخصوصية، وإنما الحل يكمن في تعزيز مكانة الأستاذ في القطاع الخاص وتحسين شروطه المادية ليكون القطاع الخاص أكثر جاذبية من القطاع العام.

   في زمن سقراط كان الحديث عن الحكمة في التدريس، وهو ما يقابله في عصرنا الحالي تراكم التجربة وبلوغ سن النضج وهما عاملان أساسيان في تجويد التعليم والرفع من قيمته. الفئة التي تجاوزت الثلاثين، لا يمكن اختزالها في فئة فاشلة لم تستطع شق طريقها في أي مجال من مجالات الحياة، وبالتالي يجب إبعادها عن التعليم نظرا لخصوصيته. بل عكس ذلك، نجد في هذه الفئة من راكم تجارب ناجحة في مجالات كثيرة من ضمنها التدريس في القطاع الخاص، وأراد أن يخوض تجربة جديدة في مجال التعليم. ثم إن ولوج هذا المجال مرهون بمباراة تسمح باختيار الأفضل بعيدا عن تسقيف السن. هذا إذا سلمنا بأن المباراة ستتم في إطار الشفافية وتكافئ الفرص.

-2- الساعات الإضافية: هذه المعضلة التي انتشرت في مجتمعنا بشكل كبير حتى سار التلميذ يشرع في الساعات الإضافية منذ سنته الأولى ابتدائي. وهذه الممارسة يتعاطى لها التلاميذ سواء الذين يدرسون في القطاع العام أو القطاع الخاص على حد سواء. هذه الظاهرة تطرح على المسؤولين عن وزارة التربية والتعليم الكثير من الأسئلة: هل أصبح التلميذ لا يفهم دروسه في القسم؟ كيف يفهم التلميذ في الساعات الإضافية ولا يفهم في الفصل الدراسي؟ علما أنه في كثير من الأحيان تجد نفس المُدرِّس في الفصل وفي الساعات الإضافية؟ كيف يعقل أن تجد في الساعات الإضافية أقساما من 100 تلميذ لفهم درس تلقاه هؤلاء وهم في فصل لا يتعدى الثلاثين؟ هل أصبح الأستاذ يركز اشتغاله على الساعات الإضافية ولا يكترث بعمله الوظيفي في المؤسسة التعليمية؟

الأكيد أن هذا الحديث سيثير حفيظة الأستاذ، لذلك تعمدتُ طرح الإشكالية في صيغة أسئلة، وأؤكد هنا أنني لا أعمم لأني أعرف جيدا أطرا تربوية تؤدي عملها بتفان وإخلاص، وأن من هذه الأطر من يبذل مجهودا مضاعفا في تعليم التلاميذ ويرفض القيام بالساعات الإضافية. لكن السؤال الذي قد يؤرقنا هو نسبة هؤلاء المخلصين من رجال التعليم أمام تنامي ظاهرة تشجيع الساعات الإضافية على حساب التدريس الجيد في فصول الدراسة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص؟

   هذه الأسئلة وغيرها تجعلنا نتساءل: هل نحتاج لرجل من طينة “سقراط” وزيرا للتعليم؟     

 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.