حكومة الكفاءات أمام اختبار غلاء الأسعار

سعيد الغماز

 حكومة الكفاءات أمام اختبار غلاء الأسعار

     بعد تنصيب حكومة عزيز أخنوش، كثُر الحديث عن حكومة الكفاءات وتداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لوزيرات ووزراء يتحدثون اللغة الإنجليزية بلسان سلس ومتمكن. وعلَّق حينها العديد من الفيسبوكيين بأن التمكن من اللغة الإنجليزية ليس عنوان الكفاءة وإلا سنكون أمام حكومة وزراءها أكثر كفاءة من رئيسها لأننا لم نسمع شريطا للسيد رئيس الحكومة وهو يتحدث لغة شيكسبير. كما أن اختزال الكفاءة في إتقان لغة أجنبية هو مجانب للصواب إن لم يكن فقرا في فهم مقومات الكفاءة ذاتها.

     رغم هذه الملاحظات ذات الطابع المنهجي، كنا نطمح ونمني النفس أن نرى حكومة من كفاءات عالية قادرة على إبداع الحلول الناجعة من أجل مغرب نام متقدم وفي مصاف الدول الكبرى. كنا نمني النفس كذلك بأن نرى كفاءات قادرة على معالجة الاختلالات التي صاحبت العديد من البرامج والمشاريع. فلو أخذنا على سبيل المثال قطاع التعليم وما عرفه من برامج لم تُنتج سوى الفشل على رأسها المخطط الاستعجالي، لأدركنا حجم العجز في الكفايات لدى جميع من تعاقبوا على تسيير هذا القطاع. كما أن هذا العجز في الكفاءة يتضح جليا إذا قارنا الأموال المرصودة للعديد من البرامج مع مردوديتها الضعيفة. وإذا علمنا أن جل هذه البرامج لم تخضع للتقييم لمعرفة مدى نجاعتها ومكمن القصور فيها، أدركنا حجم العمل الذي ينتظر الكفاءات التي بشرتنا بها حكومة أخنوش. يكفي في هذا الصدد أن نشير إلى المخطط الأخضر والمخطط الأزرق والبرنامج الاستعجالي في التعليم وبرنامج الطاقة الشمسية.

     عندما نتحدث عن حكومة الكفاءات، فإننا بالتأكيد نتحدث عن وزراء سيأتون بقيمة مضافة في العمل الحكومي، وسيتركون بصمة جديدة من شأنها الرفع من مردودية ونجاعة المشاريع الحكومية. كما أن حكومة الكفاءات تعني القدرة على إبداع الحلول القادرة على معالجة الاختلالات القائمة سواء كانت داخلية أو خارجية. أما الوقوف أمام المشاكل ومحاولة تفسيرها بعوامل خارجية، فهو أمر ليس من الكفاءة في شيء. تفسير غلاء الأسعار بغلاء المواد الأولية في السوق الدولية وترك المواطن يعيش محنته بوسائله الخاصة، سلوك لا يمت للكفاءة بصلة. فلو قمنا بتعيين وزراء من عامة الشعب دون انتخابات لسمعنا نفس مبررات السوق الدولية. فأين هي هذه الكفاءات المزعومة؟

     العجز في الكفاءات (compétences) ليس مقتصرا على الحكومة بل يتعداه إلى المؤسسات العمومية. والغريب هو إجماع الجميع على تبرير الإخفاق بالعوامل الخارجية، وكأن هذا السلوك أصبح من مقومات الاستثناء المغربي. ويكفي أن نشير إلى العجز المالي الذي كان يعيشه المكتب الوطني للكهرباء في عهد مديره السابق، فقام بتفسير هذه الوضعية بالكهربة القروية. علما أن معالجة هذا الإخفاق في التدبير كلف الملايير من ميزانية الدولة، وهنا نتساءل أين هي الكفاءة التي ينبغي أن تتوفر في مدير عام لمؤسسة حيوية ويكلف ميزانية الدولة عشرات الملايين كل شهر؟ نشير كذلك إلى العجز المالي وكثرة ديون المؤسسة التي تشرف على القناة الثانية (SOREAD)، وبنفس المنطق تم تفسير هذه الوضعية بتراجع عائدات الاشهار، علما أن تحرير القطاع فتح المجال للعديد من القنوات والاذاعات الخاصة، ولم نسمع أنها أغلقت بسبب ضعف عائدات الإشهار. من جديد نتساءل عن الكفاءة التي ينبغي أن تتوفر في مدير عام لمؤسسة عمومية ويكلف ميزانية الدولة عشرات الملايين كل شهر؟ وما هي القيمة المضافة التي أنجزها في مهامه التدبيرية؟

     إن حكومة الكفاءات لا يمكن أن تتحول إلى شعار سياسي لكسب الانتخابات، وإنما هي حكومة لها قيمة مضافة في العمل الحكومي، ونجاعة ملموسة على أرض الواقع مصحوبة بمهارات فائقة في إبداع الحلول وابتكار الأفكار الجديدة لمعالجة الاختلالات وخلق واقع جديد يضع البلاد على سكة التنمية والرقي. أما الاختباء وراء العوامل الخارجية فمن شأنه أن يضعنا أمام حكومة ضعف الكفاءات.        

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.