محمد العراقي
الزيادات والزيادات المضادة
يعيش المغرب في الاشهر القليلة الماضية أحداثا كبيرة، لا نقول غير مسبوقة ولكنها تتسم بالغرابة وضعف التفاعل سواء من طرف السلطات العمومية أو الشغيلة أو المهنيين أو عموم الشعب، وإذا كان العنوان البارز هو الزيادة في الأسعار، وخاصة أسعار المواد الأساسية والمحروقات، فهناك زيادات أخرى لا يلتفت اليها الناس وتؤدي إلى زيادات مضادة، وسأكتفي بذكر بعضها لعلي أثير الانتباه الى أمور معنوية ونفسية تكون سببا في ردود أفعال فيها مبالغة من هذا الطرف أو ذاك.
ومن مظاهر الزيادة والمبالغة ما تعيشه بعض الملاعب من فوضى وشغب – والتي لا يمكن لعاقل أن يقبلها – ابتدأت في بركان، ثم انتقلت إلى الرباط بوتيرة متزايدة، إذ انطلقت من داخل أسوار الملاعب إلى خارجها ثم إلى الطرق العمومية، ومن تخريب تجهيزات الملاعب إلى الاعتداء على ممتلكات الغير من سيارات وحافلات وغيرها، هذه المبالغة يجد لها الخبراء والمحللون تفسيرا في المبالغة في تهميش الشباب وتراجع الأدوار التربوية للاسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، إضافة إلى المبالغة في صم الآذان عن مطالب التشغيل وتضيبق فرص التوظيف وإعطاء الظهر لمحاربة الفساد الذي عرت وسائط التواصل الاجتماعي بعض مظاهره، والتي كانت تتم في جنح الظلام.
ومن مظاهر هذه الزيادة ما يعرفه ملف الاساتذة وباقي أطر الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين من اضرابات واحتجاجات تجاوزت أربعة أسابيع منذ مطلع 2022 فقط وهو ما ضيع على التلاميذ – وخاصة في العالم القروي والمناطق النائية – زمنا مدرسيا غير هين في وقت لا زلنا نعالج آثار الجائحة على مستوى التحصيل الدراسي وجودته، ولا أحد ينكر أن هذه المبالغة في الاحتجاج جاءت كرد فعل على قمع الوقفات والمسيرات وما رافقها من اعتقالات ومحاكمات غير مسبوقة للأساتذة والأستاذات، وكذلك للتأخر في الحسم في الملفات المطلبية لهذه الفئة ولنساء ورجال التعليم عموما.
ومن المظاهر الأخرى لهذه الزيادات والتي تشغل بال أغلب فئات الشعب، زيادة وتيرة الاحتقان الاجتماعي التي يعبر عنها مهنيو النقل العمومي، ونقل البضائع ومختلف وسائل النقل الخاصة، وما نراه يوميا على وسائط التواصل الاجتماعي من وقفات ومسيرات وتصريحات الطبقات الهشة من الشعب والتي تكتوي بنار التهاب الأسعار، وتدني الخدمات الاجتماعية والصحية وغيرها، إضافة إلى ما خلفته ظروف الجائحة والجفاف الذي تعرفه بلادنا هذا الموسم، هذه الوتيرة الزائدة في الاحتجاج والغضب جاءت نتيجة لمبالغة الحكومة في صم الآذان امام الزيادات المبررة وغير المبررة للأسعار، وعدم اتخاذ أي إجراء للتخفيف على مهنيي النقل في مواجهة غلاء سعر المحروقات وعلى عموم الشعب في سائر المواد الغذائية وغيرها من مواد البناء واعلاف الماشية والاسمدة وهلم جرا.
ومن الأمور التي عرفت زيادة في وتيرة الاحتجاج وعدم الرضى المعارضة البرلمانية، والتي شكلت احزابها جبهة موحدة ضد سياسة استفراد الحكومة بالتشريع ورفض أغلب مقترحات القوانين الصادرة من نواب وفرق المعارضة وسحب مشاريع قوانين مهمة من طرف الحكومة، والتي وضعت أصلا للتضييق على الفساد وتعزيز الحكامة بعدما قطعت اشواطا في ردهات مجلسي البرلمان، وأقيمت لها أيام دراسية من قبيل منظومة القانون الجنائي وغيره، ويأتي هذا الرد الجماعي للمعارضة جوابا على مبالغة الحكومة في محاولة تهميش دور المعارضة البرلمانية، وبالتالي دور نواب الأمة في التشريع والرقابة على عمل الحكومة، وكذلك على تمرير خطاب التغليط ومحاولة تحميل الحكومات السابقة المسؤولية فيما تعيشه البلاد من جفاف وارتفاع للاسعار وتفشي البطالة وغيرها، والتملص من الوعود المبالغ فيها لاحزاب الاغلبية الحالية وخاصة حزب رئيس الحكومة.
إن ما تعيشه بلادنا اليوم من تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية بفعل الجائحة والجفاف وتربص دول الجوار، وما يعرفه العالم من أحداث آخرها الحرب الروسية على اوكرانيا وما سيترتب عن ذلك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يقتضي تحمل الجميع للمسؤولية في تجنيب البلاد التوترات والقلاقل، وأول من تقع عليه المسؤولية هي الحكومة، والتي تدعي أنها جاءت بإرادة الشعب – والشعب يعرف الحقيقة – فعليها إذن خفض الزيادات والزيادات المضادة علما أنها زيادات اشتعلت في الواقع حتى قبل الأزمة الاوكرانية وقبل اتضاح معالم السنة الفلاحية وقبل الارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد النفطية، أما معطى كورونا فقد كان واقعا قبل هذه الحكومة، عليها بخفض هذه الزيادات أولا بالتواصل والتجاوب الفوري والذي يرد الاعتبار لمؤسسات الدولة من برلمان ونقابات وغيرهما وللمواطن ولعموم الشعب، وثانيا باتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب قبل وقوع ما لا يحمد عقباه، ثم ثالثا بالضرب بيد من حديد على من يتلاعب بمصير البلاد من مصاصي الدماء ومستغلي الأزمات للإغتناء، ولتحقيق مكاسب حزبية أو شخصية ضيقة، ورابعا وأخيرا بتتبع البرامج الحكومية العادية والاستثنائية، هذه الأخيرة – والتي تتسم بالسرعة في التنزيل – ولا يعطى لها الوقت الكافي للمواكبة والتقييم، وهذه التدابير الأربعة هي الغائبة للاسف فيما مضى من عمر هذه الحكومة، نتمنى ان تتدارك الأمر وتصلح الوضع قبل فوات الأوان.
محمد العراقي، الكاتب الجهوي لحزب العدالة والتنمية بدرعة تافيلالت ونائب برلماني سابق.