ابن الطيبي يكتب: برنامج فرصة بين الوهم والحقيقة

ياسر ابن الطيبي

برنامج فرصة بين الوهم والحقيقة

في ظل تفاقم أزمة البطالة وما يصاحبها من احتقان اجتماعي، تلجأ الحكومات الفاقدة للشرعية كما العادة إلى ابتداع أسماء جديدة لبرامج تمويهية لتمويل المشاريع، لعلها بذلك تمتص شيئا من الغضب الشعبي وتخفف من مظاهر البطالة، فكانت “مقاولتي” و”انطلاقة”، واليوم أتى الدور على برنامج “فرصة”.

ما هو برنامج فرصة؟

كثر النقاش مؤخرا حول برنامج فرصة لتمويل المشاريع الصغرى، وهو برنامج وصف بالمبتكر والطموح رغم انعدام أي دراسة أو معطيات تزكي ذلك. فقد خصص لهذا البرنامج  125مليون دولار ستصرف على شكل قروض اقصاها 10000 دولار تتحمل فائدتها الدولة مع احتضان المشاريع الرائدة لشهرين ونصف وكأن المغرب يتوفر على حاضنات من هذا النوع أصلًا بغض النظر على مدة الاحتضان المقترحة والتي لا تتناسب مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.

تم الإعلان عن هذا البرنامج من خلال بلاغ حكومي مما يعطيه صبغة رسمية، إلا ان البلاغ لم يتحدث عن أي دراسة جدوى لهذا البرنامج ولا عن توقيع شراكة مع إحدى الجهات أو المنظمات المختصة في هذا المجال بل أعلنت الحكومة عن إسناد عملية بلورة التوجهات الاستراتيجية إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية (SMIT) التي تحوم حولها الكثير من الشبهات، بل إن المجلس الأعلى للحسابات سبق أن دعا لحل هذه الشركة بمناسبة الاختلالات الكثيرة التي سبق ان كشف عنها تقرير لجنة مراقبة المالية بمجلس النواب المتعلق ب “قطاع المؤسسات والمنشآت العمومية: الحكامة والبعد الاستراتيجي في دورة أبريل 2021”.

ونحن لا نستغرب تجاهل أخنوش، بصفته رئيسا للحكومة، تقارير وتوصيات المجلس الأعلى للحسابات وضربها عرض الحائط، مادامت هذه الحكومة لا تلقي أي اعتبار للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.

طبعا كان يمكن أن ننوه بمثل هذه المبادرات التي تستهدف فئة الشباب على وجه الخصوص وإن كان البرنامج لا يتحدث عن السن الأقصى للمستفيدين، لكننا في نفس الوقت اعتدنا على أن لا نعلق الكثير من الآمال عليها، فكم من برنامج مماثل باء بالفشل لغياب الارادة السياسية الحقيقية لإنجاحها وانعدام الخبرة والدراسات في هذا المجال، و إسناد الأمور لغير أهلها كما حصل مع الكثير من البرامج السابقة..

لكن مع ذلك، دعونا نحاول الكشف عن خلفيات وحقيقة هذا البرنامج ..

هل هي أزمة تمويل أم ماذا؟

بنية البرنامج وصيغته توحيان إلى أن مصمميه اعتبروا ان الولوج للقروض والفائدة الناتجة عنها هي العائق الأساسي أمام إدماج الشباب في العجلة الاقتصادية، في حين أن منظمات دولية كالبنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية والأمم المتحدة يعتبرون أن الولوج للتمويل (Financial Inclusion) ما هو إلا أحد العوائق التي تحول دون التمكين الاقتصادي للفئات الهشة، وأن التمويل لوحده غير كاف لخلق أي قيمة مضافة.

وفي سياقنا المغربي، يمكننا أن نتساءل عن بقية المعيقات التي تحول دون توفير ظروف ملائمة لإنجاح مثل هذه المبادرات، ولعل أبرزها مرتبط بشكل كبير ببنية الاقتصاد المغربي الذي تهيمن عليه ثقافة الريع والاحتكار، وهو ما يمنع المستثمرين الجدد من أن يكون لهم موطأ قدم مع الحيتان الكبار، فتنتهي مشاريعهم إلى الفشل، وتؤدي بهم إلى السجن في حالة عجزهم عن تسديد الديون، ما يدفع الكثيرين للاكتفاء بالاستثمار في مشاريع تقليدية كالمقاهي والمطاعم… أو اللجوء إلى الهجرة إلى الخارج.

يضاف إلى هذا الأمر بقية الاختلالات المرتبطة بالسياسات الضريبية الفاشلة وبالمساطر الادارية المعقدة، وغياب التكوين المستمر والمواكبة،… وغيرها من الاختلالات التي تنخر اقتصادنا الوطني.

فالتشجيع على الاستثمار ينطلق من القضاء على الريع والاحتكار، وضمان الحق في الوصول إلى المعلومة وتبسيط المساطر الادارية ورقمنتها، وتحقيق استقرار وعدالة ضريبية، وإقرار قواعد المنافسة الشريفة، أما إغراء الشباب الحالم بالقروض فهذا يزيد من تأزيم وضعهم وهو أسهل شيء يمكن القيام به.

وقبل اجترار نفس البرامج التمويلية السابقة مع تغيير في الأسماء وبعض التفاصيل، كان لا بد من تقييم هذه البرامج والوقوف على مكامن ضعفها وأسباب فشلها كالتي ذكرناها سابقا.

قيمة وصيغة القروض

اعتماد قيمة 10000 دولار كحد أقصى للقروض المعروضة تظل غير كافية لخلق أي قيمة مضافة في غياب منظومة شاملة تهيء المناخ الاقتصادي واللوجستيكي عن طريق الاستثمارات الداعمة والشراكات الذكية، والتي تعالج التحديات والحاجيات التي قد يواجهها الشباب من بناء القدرات وهندسة مالية ضرورية لإنجاح أي مشروع كيفما كان. كما أنه ينبغي للمشرفين على البرنامج فتح المجال أمام المشاريع التضامنية التي تسمح لأربع أو خمس مستفيدين من الاتحاد ورفع رأسمال المشروع الى 40000 أو 50000 دولار عوض 10000 دولار كحد أقصى.

إبداع الأفكار وهندسة المشاريع

وبما أن البرنامج يسعى الى تقديم 10000 قرض فهل فكر مصممو البرنامج في من سيتقدم بالأفكار المؤطرة للمشاريع ومن سيشرف على هندستها؟ أم أنهم سيعتمدون على شباب يفتقد لأبسط الآليات للقيام بذلك؟

ففي غياب جهة تشرف على دراسة السوق المغربي وإبداع الأفكار وهندسة المشاريع (Business Development Centers) سيجد البرنامج نفسه امام آلاف المشاريع المنسوخة (صالونات الحلاقة، دكاكين، محلبات…) وغيرها من المشاريع المتداولة والفاقدة لأي روح إبداعية، لينتهي بها المطاف في منافسة شرسة فيما بينها، أو ستنتهي بالفشل في أسوأ تقدير. وقد يلجأ بعض الشباب إلى اقتناء سلع وعرضها على الرصيف كباعة متجولين مما يختلف تماما مع توجهات الدولة في مواجهة هذه الظاهرة.

الحاجة لخبراء دوليين مغاربة

قد يقول قائل أن إنجاح مثل هذه البرامج الاستثمارية يتطلب الاستفادة من خبرات وتجارب دول سابقة ومكاتب دراسات أجنبية، إلا أن الحقيقة أن العديد من المشاريع التنموية الناجحة في العديد من الدول العربية والأفريقية كانت بإشراف خبرات مغربية خالصة.

فمن المؤسف جدا أن تكون كفاءات مغربية مسؤولة عن إنشاء برامج تنموية مماثلة وإنشاء صناديق في عشرات الدول عبر افريقيا والشرق الاوسط وألا يتم الاستفادة من خبرتها داخل الوطن.

فصندوق التمكين الاقتصادي للشعب الفلسطني والذي يصل حجمه ل500 مليون دولار أو شركة زيتون تمكين في تونس، أو برنامج إرادة في السودان، أو جائزة ECW للأمم المتحدة، أو برنامج إعادة توطين اللاجئين في سوريا، أو الاستدامة المالية للأنوروا UNRWA بعد أزمة إيقاف الدعم الأمريكي لها والذي كان يصل إلى 300 مليون دولار كانت كلها من نصيب شركات وكفاءات مغربية.

إلا أن الوزارة الوصية تركت كل هذه الطاقات والكفاءات التي تزخر بها بلادنا وهرولت نحو مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي للتسويق لهذا البرنامج، كما لو أن برنامج فرصة منتج استهلاكي يتطلب تسويقا وبهرجة إعلامية الغرض منها الإيهام بإشراك الشباب والاهتمام بهم. وهو ما يؤكد كون هذا البرنامج فارغا بالأساس ويخلو من أي مضمون أو قيمة مضافة.

فقصة بلادنا تشبه إلى حد كبير قصة “الجزار لي معشي ولادو باللفت” حسب المثل المغربي الدارج، أما الحديث عن الشركة المشرفة على البرنامج فتلك قصة أخرى.

الشركة المشرفة

إنه لمن الضروري ان نتساءل عن الغاية وراء تكليف الشركة المغربية للهندسة السياحية بهذا البرنامج الذي يندرج في مجال التمكين الاقتصادي، وهو المجال البعيد تماما عن ما أسست من أجله هذه الشركة أو الخدمات التي تقدمها. كما أن هذه المؤسسة عرفت انتقادات لاذعة منذ تأسيسها من جهات مختلفة آخرها كان المجلس الأعلى للحسابات الذي اعتبر أن نموذجها المالي مبني على وضعية ريعية بامتياز وأوصى بحلها كما سبقت الإشارة.

برنامج فرصة بهذا الشكل الذي جاء به، و بتفويضه إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية السيئة الذكر لا يعدو أن يكون محض برنامج للاستهلاك الإعلامي ولإضاعة الوقت، وتوزيع المال بشكل غبي يتضح أن الغرض منه أن يشاع أن الحكومة تهتم بالشباب ولو كان بتوزيع بعض الفتات، وما يفضح هذا الأمر أكثر، بروز معطيات على السطح تشير لكون الوزارة أنفقت 23 مليون درهم على التسويق الاعلامي لهذا البرنامج، ما يعني أن برنامج “فرصة” لا يخرج عن كونه فرصة للبعض لتبديد المال العام ونهبه كما ألفناه في عهد الحكومات التقنوقراطية السابقة، وما برنامج ” فرصة” إلا فرصة جديدة لحكومة أخنوش للتغطية على عجزها في الوفاء بالتزاماتها وعهودها الانتخابية واعتماد سياسة الهروب للأمام عبر الاستثمار في التسويق الإعلامي الذي سرعان ما سيتبخر مفعوله لتتضح حقيقة شعار “تستاهلو أحسن”.. فحبل الكذب قصير.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.