أكبر ورش للحماية الاجتماعية تحت رحمة ضعف الاستهداف

حسن بويخف

تعتبر الفترة 2021-2026 فترة استثنائية في تاريخ سياسات الحماية الاجتماعية في المغرب، في سياق تميز بالإكراهات التي فرضتها جائحة كوفيد 19 وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية المختلفة ، ومن الناحية السياسية، بإعداد النموذج التنموي ومختلف البرامج القطاعية لتنزيله. كما ستعرف هذه الفترة بداية تنزيل النموذج التنموي الجديد، والاستمرار في تنزيل الرؤية الاستراتيجية للتعليم 2015-2030، وسينضاف تطبيق منظومة الاستهداف الاجتماعي لأول مرة إلى هذه البرامج الهيكلية.

وقد أشار خطاب العرش لسنة 2020 ، إلى تعميم الحماية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة خلال الفترة 2021-2025. والذي سيتطلب تخصيص مبلغ إجمالي سنوي يقدر ب51 مليار درهم، منها 23 مليار درهم سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة[3]. كما خصص البرنامج الحكومي 2021-2026 محوره الأول ل “تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية”. وتضمن برامج جديدة في مجال الحماية الاجتماعية، ستنضاف إلى شبكة البرامج القائمة، والتي تشمل منظومتها 14 وزارة و8 هيئات تحت الوصاية، تشرف على ما يفوق 120 برنامجا للمساعدة الاجتماعية، بتكلفة مالية تقدر بعشرات الملايير من الدراهم.

إلا أن هذه البرامج تعاني من ضعف التنسيق والحكامة. فقد سبق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، في دراسة مسحية نشرتها سنة 2018، أن أحصت 140 برنامجا اجتماعيا يشرف عليه 50 متدخلا مؤسساتيا في المغرب. ولا يتضمن البرنامج الحكومي 2021-2026 أي إجراء أو إشارة تفيد الاهتمام بتقليص أو تجميع تلك البرامج وتنسيقها. مما يؤكد استمرار العديد من الاختلالات التي سبق ورصدتها تقارير رسمية في هذا المجال، ما يؤكد أن منظومة الحماية الاجتماعية تفتقد لآلية الاستهداف الاجتماعي، وتعرف هذه المنظومة تضخما سواء على مستوى كثرة البرامج والمبادرات، أو على مستوى كثرة المتدخلين، كما تهم ضعف الحكامة وغياب التنسيق لترشيد الجهود.

وقبل إعطاء الانطلاقة لمشروع تعميم الحماية الاجتماعية في خطاب العرش لسنة 2020، أعطيت تعليمات لوضع “السجل الاجتماعي الموحد” في خطاب العرش لسنة 2018، بصفته آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان النجاعة، لكن لا يعرف إذا ما كانت شبكة برامج الحماية الاجتماعية، خاصة “المشروع الضخم” المتعلقة بتعميم الحماية الاجتماعية المحددة تنزيلها في الفترة 2021-2025، سوف تستفيد من تلك المنظومة أم لا؟

إن التدقيق المُقارِن للجدولة الزمنية لتنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية والجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف تكشف عن وجود عدم التناغم بين الجدولتين. فالطبيعي أن يكون نظام الاستهداف قائما وفعالا لتأطير تنزيل برامج الحماية الاجتماعية، غير أن الذي تكشفه تلك المقارنة هو تأخر إعداد سجلات منظومة الاستهداف، مما يعني مواصلة حرمان برامج الحماية الاجتماعية من النجاعة.

إن الذي يعزز هذه الشكوك هو ضعف حضور الحديث عن ورش إعداد منظومة الاستهداف في الخطاب الحكومي: فالبرنامج الحكومي 2021-2026 لا يتضمن أي إجراءات تهم “منظومة الاستهداف” رغم أهميتها المحورية، كما أن أشغال اللجنة التوجيهية لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية، المنعقدة يوم الجمعة 18 فبراير 2022، والتي ترأسها رئيس الحكومة، لم تتم الإشارة فيها إلى ورش إعداد “منظومة الاستهداف”. كما أن العرض الذي قدمته وزيرة الاقتصاد والمالية أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالبرلمان بتاريخ 23 فبراير 2022، بمناسبة اليوم الدراسي حول ” استدامة أنظمة التقاعد في ظل تعميم الحماية الاجتماعية” تحت عنوان “تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية”لم يتضمن أي إشارة لمنظومة الاستهداف.

افتقار منظومة الحماية الاجتماعية لآلية الاستهداف الاجتماعي

تعاني السياسات الاجتماعية في المغرب من جملة من التحديات، سواء على مستوى الحكامة والشفافية، والنجاعة. فقد أظهرت الدراسة التي أنجزتها الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة بدعم من اليونسيف سنة 2015، ونشرتها سنة 2018، أنه على الرغم من التقدم الكبير في تنفيذ برامج الحماية، إلا أن فاعلية ونجاعة نظام الحماية الاجتماعية لا تزال محدودة بسبب غياب الاندماج في إعداد السياسات، ونقص التكامل على مستوى البرامج، مع تضخم كبير في عدد مبادرات الحماية الاجتماعية، وعدم الاندماج على المستوى المؤسسي بوجود حوالي 50 جهة متدخلة، مما أنشأ بيئة مؤسسية معقدة. ولمواجهة تشتت المنظومة، وتجويد الدعم وتقليص أخطاء الإدماج والاستبعاد، أوصت الدراسة بعدد من التدابير منها اعتماد مقاربة مندمجة ترتكز على الأسرة بذل الفئات الفقيرة، وعلى اعتماد آلية استهداف موحدة، والسجل الموحد، ونظام تدبير معلوماتي موحد.

ومن جهته أكد البنك الإفريقي للتنمية في تقريرله سنة 2016، أن منظومة الحماية الاجتماعي تعاني من التشتت، مع وجود 140 برنامجا مختلفا، و50 متدخلا. وتأثيرات هذا التشرذم تتفاقم بضعف التنسيق بين الفاعلين في مجال الحماية الاجتماعية، وضعف الشفافية في فيما يتعلق باختصاصاتهم، وغياب نظام للاستهداف موحد مما ينتج عنه تداخلات في تغطية الحماية الاجتماعية.

وفي تقريره السنوي برسم 2016-2017، سجل المجلس الأعلى للحسابات، في محور مراقبة تسيير الحساب الخصوصي المسمى “صندوق دعم التماسك الاجتماعي”، غياب استراتيجية مندمجة لتفعيل برامج الدعم الاجتماعي تمكن من تحديد الأهداف المتوخاة والفئات المستهدفة ومصادر التمويل. ومن أجل تحسين أداء الصندوق أوصى المجلس بوضع استراتيجية مندمجة في مجال الدعم الاجتماعي بشراكة مع جميع المتدخلين، توضح الأهداف والفئات المستهدفة ومخططات التمويل.

وفي خطاب العرش لسنة 2018، قال الملك محمد السادس “ليس من المنطق أن نجد أكثر من مائة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام، وترصد لها عشرات المليارات من الدراهم، مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، والمتدخلين العموميين. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تعاني من التداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها”. وتساءل في نفس الخطاب “فكيف لهذه البرامج، في ظل هذا الوضع، أن تستجيب بفعالية، لحاجيات المواطنين وأن يلمسوا أثرها؟.”

وفي سنة 2019، أعدت الحكومة، بدعم من اليونسكو، “السياسة العمومية المندمجة للحماية الاجتماعية 2020-2030”، ورصدت في التشخيص العام، مختلف اختلالات منظومة الحماية الاجتماعية والتي منها اختلالات الاستهداف. وجعلت من بين المحاور الاستراتيجية الأفقية الثلاثة التي حددتها محور “تحسين نظام الاستهداف وتقوية نظم المعلومات”. حيث أكدت الوثيقة أنه من أجل تنزيل فعال وناجع لتلك السياسة العمومية، سيكون من الضروري التوفر على آلية الاستهداف الموحد. وأشارت إلى الجهود الجارية لإعداد السجل الاجتماعي الموجد والسجل الوطني للسكان.

وخصصت وثيقة النموذج التنموي الاختيار الاستراتيجي الرابع من الاختيارات الاستراتيجية التي اقترحتها للحماية الاجتماعية حيث تؤكد أن “الحماية الاجتماعية تتمم الخدمات العمومية، باعتبارهما معا استثمارا في الرأسمال البشري وركيزة للإدماج. وتتمثل هذه القاعدة في توفير حماية أساسية معممة على جميع المواطنين، وتقوية قدراتهم على التكيف، وحماية خاصة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة (الفقراء، الأشخاص في وضعية إعاقة، إلخ(. ولبلوغ هدف تعميم الحماية الاجتماعي وضعت الوثيقة توفير “الاستهداف الناجع للمستفيدين” ضمن شروط تحقيق الإجراءات الثلاثة الكبرى التي اقترحتها في هذا المجال.

وكما تشير إلى ذلك التقارير السابقة، فمنظومة الحماية الاجتماعية تعاني من التشرذم، والتضخم من حيث البرامج والمبادرات والمتدخلين، كما تعاني من ضعف الحكامة وغياب التنسيق، ومن بين الاختلالات التي أجمعت عليها تلك التقارير هي غياب لآلية استهداف موحدة.

تقدم إعداد واعتماد منظومة الإستهداف الاجتماعي

كانت أول خطوة في تنزيل خطاب العرش لسنة 2018 هي إعداد مشروع قانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجلات. أما الخطوة الثانية فتتعلق بفتح ورش تنزيل هذا القانون الحيوي.  وقد استغرق إعداد مشروع قانون رقم 72.18 وإخراج مرسومه التطبيقي قرابة ثلاث سنوات. وحسب ما هو موثق بالموقعين الرسميين للمؤسستين التشريعيتين، فالهدف من هذا المرسوم هو تعزيز بنية الخدمات الاجتماعية المقدمة، وتحسين مردوديتها في إطار منظومة وطنية متكاملة لتسجيل الأسر قصد الاستفادة من برامج الدعم أو الخدمات الاجتماعية التي تشرف عليها الإدارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية، وكذلك من أجل تعبئة الوسائل المتاحة لتيسير الاستفادة على قدم المساواة، ودون أي شكل من أشكال التمييز.

يبدأ تنزيل القانون 72.18 بإعداد مرسومه التطبيقي الذي صدر بالجريدة الرسمية عدد 7011 بتاريخ 9 غشت 2021، أي بعد سنة من صدور القانون. وبالرجوع إلى المرسوم التطبيقي لمشروع القانون نجد التأكيد على أنه بعد إعداد منظومة الاستهداف المتكونة من “السجل الوطني للسكان” و”السجل الاجتماعي الموحد” فإن تنزيل هذه المنظومة سيبدأ في مرحلة أولى بعمالة الرباط وإقليم القنيطرة ثم يعمم على باقي الأليم والعمالات في أفق 2025.

وأسندت تدبير السجلين إلى الوكالة الوطنية للسجلات، لكن إلى حدود اليوم لم يتم إحداثها، وقد قرر المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 20 أبريل 2021 بمناسبة المصادقة على مشروع مرسوم رقم 2.20.792 بتطبيق القانون رقم 72.18، أنه، و”في انتظار إحداث الوكالة الوطنية للسجلات وبصفة انتقالية تقوم السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بممارسة بعض المهام المنوطة بالوكالة.”، كما جاء بلاغ المجلس الحكومي المعني. وجاء في البلاغ الحكومي حول الموضوع أن مشروع المرسوم الذي تمت المصادقة عليه جاء لوضع الإطار المؤسساتي المتعلق بالوكالة الوطنية للسجلات حتى تتمكن من تحقيق الأهداف المنوطة بها.

نظام الاستهداف وبرامج الحماية الاجتماعية: تفاوت في الجدولة الزمنية

يروم نظام الاستهداف إلى تحقيق نجاعة برامج الحماية الاجتماعية، وخاصة فيما يتعلق باستفادة المستحقين من الدعم الاجتماعي، وتحقيق عنصر العدالة الترابية من حيث شموله جميع أقاليم المملكة. وكي تستفيد برامج الدعم من نظام الاستهداف ينبغي لهذا الأخير أن يكون جاهزا ومنزلا في جميع الأقاليم ليؤطر عمليات تنزيل تلك البرامج.

وهذا ما يجعل لعنصر مقارنة الجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف من جهة، والجدولة الزمنية لتنزيل برامج الحماية الاجتماعية، من جهة ثانية، أهمية حيوية في قياس مدى استفادة هذه الأخيرة من منظومة الاستهداف، وبالتالي تحقيق النجاعة المطلوبة ولتيسير عملية المقارنة بين الجدولة الزمنية لتنزيل نظام الاستهداف والبرمجة الزمنية لتنزيل أهم برامج الحماية الاجتماعية المشار إليها سابقا، يقدم الجدول التحليلي التالي، المعد بناء على المعطيات السابقة، مقارنة عملية بينهما.

وكما هو واضح من البرمجة الزمنية السابقة، فالسجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي الموحد، بصفتهما الآليتين التقنيتين الأساسيتين في تحقيق الاستهداف الاجتماعي والمعول عليهما في تحقيق عدالة ونجاعة برامج الدعم الاجتماعي، لن يكونا معممين على جميع الأقاليم والعمالات سوى مع نهاية سنة 2025.

وإذا افترضنا أن عملية تعميم تنزيل منظومة الاستهداف المرتكزة على السجلين، تسير بوتيرة مستقرة فيمكن اعتبار أنه في كل سنة من السنوات الثلاثة (2023-2024-2025) سيتم تعميم تنزيل ذلك النظام في حدود ثلث الأقاليم والعمالات، أي أنه خلال سنة 2023 سيتم تعميم النظام على ثلث الأقاليم، وفي سنة 2024 سيشمل التعميم ثلثي الأقاليم والعمالات، ومع نهاية 2025 سيتم التعميم الشامل للنظام. وهذا يعني أن جميع برامج الدعم الاجتماعي التي سيتم تنزيلها قبل هذه سنة 2025، لن تستفيد من نظام الاستهداف المحدث ب”القانون رقم 72.18″ إلا بقدر تعميم تنزيل السجلين في مختلف الأقاليم والعمالات.

وفي ظل الملاحظة السابقة، والمقارنة التي يوفرها الجدول السابق، يمكن التوقف عند كل نوع من أنواع البرامج الثلاثة السابقة المتعلقة بالحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي كما يلي:

برامج تعميم الحماية الاجتماعية:

نجد أن تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض سيتم خلال سنتي 2021 و2022، وهي فترة بياض بالنسبة لتنزيل نظام الاستهداف، وإذا علمنا أن من بين الفئات التي يستهدفها هذا البرنامج نجد “الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية” “راميد”، سندرك خطورة هذا الأمر باستحضار ما شاب عملية تعميم نظام “راميد” سابقا من اختلالات. وهذا يعني أننا قد نعيد نفس التجربة في تعميم هذه الخدمة الاجتماعية التي أبانت تقارير تقييم نظام “راميد” وجود مشاكل تتعلق بتحديد الفئات المستهدفة. حيث لاحظ المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي برسم 2016-2017، “أن هناك صعوبة في تحديد وضبط الفئات المؤهلة للاستفادة من نظام المساعدة الطبية خصوصا مع تنامي القطاع غير المهيكل واعتماد النظام التصريحي فيما يخص التصريح بالدخل. كما لوحظ اعتماد قواعد معقدة لتحديد الأهلية بشكل تصعب معه دراسة طلبات الاستفادة أو تفعيل المراقبة البعدية للنظام”.

أما تعميم التعويضات العائلية الذي سيتم خلال سنتي 2023 و2024، فلن يستفيد من نظام الاستهداف إلا بقدر نسبة تغطية تنزيل هذا النظام للأقاليم والعمالات، وباستحضار الملاحظة السابقة، فإن ثلث الأقاليم والعمالات، في التقدير، ستستفيد من نظام الاستهداف خلال تعميم التعويضات العائلية خلال سنة 2023، ليصل حجم تلك الاستفادة إلى الثلثين فقط مع نهاية سنة 2024. وهذا يعني من جهة أخرى أن ثلث الأقاليم والعمالات سيتم تعميم الخدمة فيها دون الاستفادة من منظومة الاستهداف.

أما توسيع قاعدة المنخرطين في أنظمة التقاعد، وتعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل، الذي سيتم خلال سنة 2025 فسيكون شاملا بقدر شمول تنزيل نظام الاستهداف خلال نفس السنة، والذي يتوقع أن يكون شاملا مع نهايتها.

برامج الدعم الاجتماعي الواردة في البرنامج الحكومي 2021-2026:

يوضح الجدول السابق أن تنزيل جميع هذه البرامج سيتم في غياب كلي لنظام الاستهداف سنة 2022، مع استثناء واحد لبرنامج تعميم منحة الولادة للأسر والذي سيبدأ سنة 2023 التي هي نفس سنة تنزيل نظام الاستهداف في عمالة الرباط والقنيطرة فقط. ولن تستفيد تلك البرامج من ذلك النظام فعليا إلا بقدر تعميمه التدريجي، كما أوضحناه سابقا.

مختلف البرامج القائمة قبل سنة 2021:

ستتم مواصلة تنزيل هذه البرامج في غياب شامل لنظام الاستهداف المحدد بالقانون 72.18 إلى غاية دخول تنزيل السجلين حيز التنفيذ وفق السيرورة المتدرجة التي أشرنا إليها سابقا. إن الجدول السابق، يبين بشكل واضح التفاوت غير المنطقي بين الجدولة الزمنية لتعميم منظومة الاستهداف والجدولة الزمنية لتنزيل برامج الحماية الاجتماعية والدعم الاجتماعي. وذلك التفاوت سيحرم بشكل كبير معظم تلك البرامج من اعتماد منظومة الاستهداف. وهذا يعني حرمان تلك البرامج من المزايا الحيوية لتلك المنظومة، والتي تظافرت جهود كبيرة في إعدادها وتنزيلها.

هل من سبيل للتدارك؟

يمكن اعتبار أصل المشكلة في عدم تناغم الجدولة الزمنية بين مشروع تنزيل وتعميم منظومة الاستهداف، وبين مشروع تنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية، في طول المدة المخصصة لإعداد وتنزيل وتعميم منظومة الاستهداف، والتي يمكن القول إنها تتطلب قرابة 7 سنوات، ابتداء من تاريخ خطاب العرش لسنة 2018 إلى غاية سنة تعميم المنظومة سنة 2025. غير أن تدارك الخصاص الزمني وضعف حكامة البرمجة الزمنية بين المشروعين يتطلب قرارات سياسية وتواصلا فعالا وجهدا تقنيا.وبهدف تمكين مختلف البرامج من الاستفادة الشاملة من آلية الاستهداف التي يوفرها “السجل الوطني للسكان” و”السجل الاجتماعي الموحد”، وبالتالي ضمان حد معقول من النجاعة لتلك البرامج، يمكن العمل على ثلاثة مستويات:

المستوى الأول: يتعلق بتسريع عمليات تعميم اعتماد منظومة الاستهداف (السجل الاجتماعي الموحد والسجل الوطني للسكان). فبالرجوع إلى الجدولة الزمنية لتنزيلهما نجد أن هناك من جهة تخصيص سنة 2022 لدخول السجلين في مناطق نموذجية هي عمالة الرباط وإقليم القنيطرة، ومع تأكيد ما لهذه العملية من أهمية حيوية في تجريب نظام الاستهداف، وإغنائه وتقويم ما قد يظهره التنزيل من ثغرات ونقائص، غير أن أولوية توفير شرط الاستهداف في تحقيق نجاعة مختلف برامج الحماية الاجتماعية، يتطلب تقليص المدة المخصصة لذلك لتكون في أقل من نصف السنة، والعمل على تسريع تعميم المنظومة على باقي الأقاليم والعاملات ليشملها جميعا مع نهاية سنة 2023. وهذا تحدي يطرح إكراهات تقنية كبيرة ينبغي على الحكومة العمل على تعبئة ما يلزم من الموارد والجهود لرفعها، وحماية جهود تعميم الحماية الاجتماعية من الهدر والضياع.

كما ينبغي في هذا الإطار الإسراع بإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، بذل إسناد القيام ببعض مهامها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية في مرحلة انتقالية، مع تحديد هذه المرحلة الانتقالية وتقليصها ما أمكن. ذلك أن القيام ببعض مهام الوكالة دون باقي المهام، وخلال مرحلة انتقالية قد تطول، من شأنه إفراغ المنظومة من معناها على اعتبار أنها تمثل الإطار المؤسساتي الطبيعي للوكالة.

المستوى الثاني: خلاف المستوى الأول الذي تطرح فيه إكراهات تقنية بالخصوص، ففي هذا المستوى تطرح إكراهات سياسية بالأساس. ويتعلق الأمر بتأجيل تنزيل مختلف البرامج الكبرى إلى حين تعميم اعتماد منظومة الاستهداف. وهذا يتطلب من جهة، رفع ملتمس بذلك إلى الملك بالنسبة للبرامج التي وردت برمجتها الزمنية في الخطابات الملكية. ومن جهة ثانية، إدخال تعديلات استدراكية تهم الجدولة الزمنية بالنسبة للبرامج التي تضمنها البرنامج الحكومي. وهذا الشطر الأخير يتطلب جهدا تواصليا بالأساس حول جدوى التأجيل ومزياه وأهميته، مع استحضار الهدر التي كشفت عن تجارب تنزيل مختلف برامج الدعم الاجتماعي.

وإذا تم تسريع وتيرة تعميم السجلين ليتم سنة 2023 (المستوى الأول)، وتم تأجيل تنزيل البرامج إلى بداية سنة 2024 (المستوى الثاني)، ستستفيد أغلب البرامج من آلية الاستهداف المحددة بالقانون 72.18.

والمستوى الثالث: يتعلق بمراجعة شبكة البرامج الاجتماعية وشبكة المتدخلين في تنزيلها، وكما سبقت الإشارة فنحن أمام قرابة 140 برنامجا تباشره قربة 40 متدخلا، وهذه المنظومة تعاني، حسب عدة تقارير في الموضوع، من ضعف الحكامة والالتقائية، ما يعني هدر الجهود وضعف ترشيدها. وقد جاء البرنامج الحكومي 2021-2026 خالية من أي إشارة إلى هذا التوجه، مما يفرض تدارك استمرار هذه الشبكة الواسعة من البرامج والمتدخلين في اتجاه عقلنتها وفرض الحكامة عليها، وترشيد تدبيرها.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.