علي فاضلي
عندما اتهم اخنوش في خرجته البئيسة قبل أسابيع العدالة والتنمية وبنكيران بالتسبب في ارتفاع الأسعار نتيجة اصلاح صندوق المقاصة رد عليه بنكيران والمغاربة لماذا لا تقوم بصفتك كرئيس للحكومة بإعادة الدعم للمحروقات !؟
الحقيقة هي أن أخنوش عبر في تلك اللحظة عن موقفه الطبيعي الرافض لإصلاح صندوق المقاصة، ففي التحليل الأخير فهو المستفيد الأول من الدعم الذي كان يؤدى من أموال المغاربة، ولأن أخنوش قبل إصلاح صندوق المقاصة كان يصور للمغاربة كرجل “ملائكي” يرفض أخذ تعويضاته كوزير، قبل ان يكتشف المغاربة أن ما كان يأخذه أخنوش من صندوق المقاصة في سنة واحدة كاف لأداء تعويضات كل وزراء المغرب من قبل بداية التاريخ وحتى يوم القيامة.
لقد عرى إصلاح صندوق المقاصة الفساد الفظيع الذي كان يعشعش في ذلك الصندوق، وفضح الفساد وتعريته هو الخطوة الضرورية الأولى لمحاربته، ولهذا فأخنوش في نظر المغاربة قبل إصلاح صندوق المقاصة ليس هو اخنوش بعد إصلاحه.
لكن الوزير المنتدب في المالية فوزي لقجع –وهو رجل يعرف بحكم موقعه حقيقة الوضع- أقر في جلسة في البرلمان بأهمية الإصلاح التاريخي لصندوق المقاصة الذي أقدم عليه بنكيران، وحتى دون أن يعبر لقجع عن هذا الإقرار صراحة، إلا أنه أكد بكل وضوح أن العودة لدعم المحروقات أمر مستحيل، وبأنه سيتطلب إضافة أزيد من 60 مليار درهم (6.000 مليار سنتيم) لصندوق المقاصة، والأهم في كلمته أنه أكد على ان العودة لدعم المحروقات يعني وقف الاستثمار العمومي والتخلي عن مجموعة من الأوراش وفي مقدمتها ورش الحماية الاجتماعية وورش إصلاح التعليم العمومي والقطاع الصحي والأمني، باختصار فالعودة لدعم المحروقات يعني توقف الدولة عن دعم القطاعات الاجتماعية، بل إن العودة لدعم المحروقات سيؤثر حتى على قطاع الأمن !!
ومن أخطر ما قاله فوزي لقجع “ان منحى ارتفاع أسعار المحروقات لازال تصاعديا، ولا أحد يمكنه التكهن بمستقبل هذه المواد، ولا بأسعارها ولا بضمان التزود العادي بها”.
هل يذكركم هذا الكلام لفوزي لقجع بكلام أحدث ضجة قبل أيام؟ نعم، انه يذكر بكلام بنكيران حول الزيادة في أجور الموظفين، وحول خطورة الوضع عالميا، وغموض المستقبل.
لقد أكدت لحظة كورونا حقيقة التوافق المغشوش الذي حكم المغرب على حساب تنمية حقيقية تشمل جميع المغاربة، كما أكدت لحظة كورونا على أهمية الإصلاح التاريخي والشجاع الذي أقدم عليه بنكيران بإصلاح صندوق المقاصة، وهو ما منح الدولة الإمكانيات المالية لتقديم دعم مالي لملايين المغاربة، وتجاوز أزمة كورونا بأقل الخسائر الممكنة، وهو ما جعل صندوق النقد الدولي يعتبر المغرب من بين الدول التي استجابت بأسرع ما يمكن لأزمة كورونا.
واليوم تؤكد لحظة الحرب الروسية-الأوكرانية وأزمة الجفاف التي يمر منها المغرب أهمية الإصلاح التاريخي الذي أقدم عليه بنكيران، فهو إصلاح أنقذ ميزانية الدولة ووفر لها هوامش كبيرة للتعاطي مع الأزمات.
قد لا يدرك أصحاب الوعي المزيف أهمية وخطورة الكلام الذي قاله الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع، وقد لا يدركون ما معنى توقف جزء كبير من الخدمات الاجتماعية، بل وحتى تؤثر القطاع الأمني، إنه يعني تهديد الاستقرار في المغرب، ويعني دخول المغرب في مرحلة قد تكون أكثر تقشفا من لحظة برنامج التقويم الهيكلي لسنة 1983، وهو برنامج دخله المغرب بالرغم من قوة المعارضة في تلك اللحظة، وبالرغم من الصراع السياسي القوي، وبالرغم من الحرب الدائرة في الصحراء المغربية، فقد طبق المغرب برنامج التقويم الهيكلي لأنه كان ضروريا للحفاظ على الدولة، وعندما يتعلق الأمر بالحفاظ على الدولة واستقرارها تهون كل التضحيات.
وهنا ينبغي لأصحاب الوعي المزيف أن ينظروا لدول أفضل بكثير من المغرب اقتصاديا مثل اسبانيا كيف اضطرت إلى تخفيض الأجور وإيقاف التوظيف وطرد مئات الآلاف من المنازل بسبب ازمة 2008 الاقتصادية، والأمر أكثر في اليونان والأرجنتين والمكسيك وغيرها من الدول التي مرت من ازمات اقتصادية، ويكفي ما يقع اليوم في تونس ومصر لكي ندرك خطورة الوعي المزيف والخطاب الشعبوي غير الواعي.
لقد كان كلام فوزي لقجع ردا مباشرا على كلام “الميكروب” السياسي الذي اتهم بنكيران بالتشجيع على الفوضى عقب كلامه حول الزيادة في أجور الموظفين، فلقجع يقول لزميله الطالبي العلمي “راك كتخربق”.