خيرون يكتب: الحكومة والتواصل أية علاقة؟!

نزار خيرون

الحكومة والتواصل أية علاقة؟ سؤال يستحق أن تُكتب حوله أطروحة، ذلك أن السياسة والتواصل شيء واحد لا يتعدد، كما أنه عن علم السياسة تفرع التواصل السياسي، الأمر الذي يجعل ضبط نظرياته وآلياته فرض عين على كل مُمارس للسياسة، وخاصة من انتُدِب للنيابة عن المواطنين في تدبير شؤونهم العامة.

إن تدبير شؤون العامة لا يقتصر على الإنجازات الميدانية، إن وجدت، بل يتعداها أولا إلى إطلاع المواطنين على حصيلة العمل والأنشطة، ثانيا لإبلاغهم بالقرارات المتخذة وشرحها لهم وفتح نقاش عمومي حولها، خصوصاً أن التواصل اليوم أصبح متاحاً وسهلاً مع مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تكفي تدوينة بفيسبوك أو تغريدة بتويتر أو فيديو قصير بشكل دوري حول ما يهم الرأي العام وحول ما نعيشه من أزمات متتالية (ارتفاع أسعار المواد الأساسية، المحروقات، حرائق الشمال…..)، لتحقيق الغرض من السياسة/التواصل، عوض دفن الرؤوس في الرمال كالنعامة، والاستعانة بشعار “كم حاجة قضيناها بتركها”.

بالمناسبة، كل من درس التواصل أو اشتغل به يعرف أن في الأزمات هناك نظرية “crisis communication” أو “تواصل الأزمات” وتتمحور على ثلاث محاور ISE Inform, Support, Empower، أي الإخبار بالمعلومات، والتجاوب مع كل تساؤل أو إشكالية تُطرح، ثم التمكين من المعلومات الدقيقة أولا بأول؛ ذلك لأن الأوقات الاستثنائية تتطلب تواصلا استثنائيا.

وغالبا ما يكون تزويد الرأي العام والمواطنين بمعلومات موثوق بها في الوقت المناسب مساهماً أساسياً في عدم انتشار الشائعات، كما يعين على حفظِ الأمن والحفاظ على سلامة الناس، في إطار طمأنة المجتمع، الأمر الذي يُعد جد محوري في التغلب على أي أزمة.

وإذا تذكر الجميع في بداية جائحة كورونا انتشرت الشائعات وساد الهلع في صفوف المواطنين، إذ أن الأزمة الصحية التي مررنا منها وما صاحبها من تداعيات، أكدت الحاجة الماسة والملحة إلى التواصل السريع والواضح والمباشر مع المواطنين.

وفي هذا الباب، أتذكر أيضا أنه في عام 2018 انتشرت شائعة ارتفاع أسعار غاز البوتان، وكان يوم جمعة مساء، أي أننا مقبلون على يومي عطلة، فإذا انتظرنا حتى تنتهي العطلة للرد على هذه الشائعة سيكون النفي والعدم سواء، وبالتالي تم إعداد النفي بشكل سريع ونُشر على شكل تدوينة في الصفحة الرسمية للوزير المسؤول عن القطاع آنذاك، شُرح فيها كل ما يجب، وتم نفي الإشاعة بالوقائع.

الأهم أنها لقيت تفاعلا كبيرا من قبل المواطنين والصحافة والتواصل الاجتماعي، ذلك لأن الرأي العام كان في حاجة لمعلومة وقد وجدها في تلك التدوينة، ونجحت الحكومة آنذاك في نسف الإشاعة في بدايتها وطي الموضوع.

غير أنه مع الأسف الشديد لا شيء من هذا قامت به الحكومة الحالية لحدود اليوم، بل لم تقم بأدنى مجهود في هذا الباب، رغم أنها تريد تسويق نفسها كحكومة كفاءات وحكومة التواصل من خلال فكرة صفحات الحكومة التي مع الأسف الشديد تعيد نشر البلاغات الرسمية على شكل تصاميم ولا تأتي بأي جديد يذكر، وهنا أفتح قوساً وأنصح به حكومتنا الموقرة، أن طريقة الترويج المعتمدة لما تقوم به الحكومة لن تجدي نفعاً، إذ أن تلك الطريقة تصلح ربما للشركات التي لديها تروج لمنتوج معين، لكنها لا تصلح للتسويق السياسي، وبالتالي لا تعلقوا آمالكم على الشركات التي تعتمدوا عليها في شركاتكم من أجل التسويق الرقمي ولا على بعض المدونين أو الصفحات الممولة، لأن كل هؤلاء، لا يمكن أن يقوموا مقام الحكومة والوزراء في التواصل الحكومي والسياسي وتحقيق التواصل المنشود، هذا التواصل الذي  يستدعي جرعة كبيرة من السياسة والشجاعة وتقدير الناس واحترام تطلعاتهم وحتى انتقاداتهم، ولا يستدعي بالضرورة صرف الملايين في تمويل المنشورات التي تصبح بلا قيمة إذا كان المحتوى ضعيفاً ومجرداً من كل ما يهم المواطنين سياسيا واجتماعياً.

إن دس الحكومة رأسها في الرمال كالنعامة حتى تمر الأزمات المتتالية، دون تواصل مع المواطنين وإخبارهم بما يجب، وشرح ما يجب شرحه، يعد احتقارا لهم، ويظل التواصل إلى اليوم بريئاً من الحكومة براءة الذئب من دم يوسف، وإن كان قميصه مليئا بالحُمرة، فالحكومة اليوم، لم تقم بأي تواصل لا سياسي ولا مؤسساتي ولا رقمي، وما تقوم به بعض الصفحات المحسوبة عليها، لا يعدو أن يكون اجتراراً لبعض البلاغات لا أقل ولا أكثر.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.