عديلي يكتب: المغرب لم يشهد انتخابات تشريعية يوم 8 شتنبر 2021

حسن عديلي

توشك سنة أن تنقضي بعد انتخابات 8 شتنبر 2021، وأعتقد أن ما أفرزته من نتائج وما ترتب عنها من إعادة توزيع للخريطة السياسية، وما خلفته تداعياتها من نقاش لدى العديد من الفاعلين، كل ذلك يحتاج منا أن نسلط الضوء على بعض جوانب هذا الاستحقاق الانتخابي العجيب في تاريخ الممارسة الديمقراطية ببلادنا خلال العشرين سنة الماضية على الأقل. 
في هذا الإطار، يرى الكثير من المحللين أن المغرب لم يشهد انتخابات تشريعية يوم 8 شتنبر 2021، وأن ما حدث كان بعيدا عن أن يوصف بكونه انتخابات بالمعنى التقليدي المتعارف عليه في الممارسة الديمقراطية عبر العالم، أضف إلى ذلك الإجراءات النكوصية التي ميزت هذه المحطة سواء ما تعلق منها بالقاسم الانتخابي الفريد من نوعه أو بتخفيض العتبة، ولعلي واحد من المقتنعين بكون بلادنا لم تعش انتخابات تشريعية أصلا، فتعمد إجراء الانتخابات التشريعية والانتخابات الجماعية في يوم واحد لم تكن تمليه في نظري اعتبارات قانونية أو  تنظيمية (تزامن نهاية الولايتين الانتدابيتين التشريعية والجماعية)، ولم يكن مجرد تدبير تنظيمي يهدف إلى ترشيد جهود الدولة ونفقاتها، بل الأمر أكبر من ذلك بكثير، لقد كان اختيارا مدروسا بعناية فائقة ليشكل مدخلا غير مسبوق للتحكم في صناعة نتائج ومخرجات أصابت الجميع بالذهول، ولعل هذا ما يفسر وصف تلك النتائج في بيان القيادة السابقة لحزب العدالة والتنمية بغير المنطقية وغير المفهومة. 
إن الجمع بين الاقتراعين التشريعي والجماعي ترتب عنه أمر في غاية الخطورة، وهو أن المغرب يكاد يكون لم يشهد انتخابات تشريعية، فأغلب المرشحين في هذه الانتخابات لم يقوموا بحملات دعائية، ولم يكلفوا أنفسهم عناء إقناع الناخبين للتصويت عليهم، بل منهم من لم ينشر صوره ولا منشوراته أصلا، وكل ما في الأمر أنهم دخلوا جميعا في صراع محموم لترشيح أكبر عدد ممكن من المترشحين بنفس ألوانهم السياسية في الدوائر الجماعية خاصة منها التي تعتمد نمط الاقتراع الفردي، وتحديدا في العالم القروي، وقد تم ذلك مقابل مبالغ مالية وصلت إلى 30 ألف درهم عن كل ترشيح فردي، فكلفت هذه العملية البعض ممن أعرفهم شخصيا ما يقارب المليار سنتيم، على اعتبار السعي إلى تغطية أكبر عدد ممكن من الدوائر فاقت أحيانا 300 دائرة، فضلا عن النفقات المخصصة للدائرة التي تعتمد النمط اللائحي، وغير ذلك مما هو معلوم مما ينفق على الولائم والعطايا والرشاوى وغيرها…
لهذا لم يكن من الممكن إطلاقا أن يقوى حزب العدالة والتنمية على مواجهة هذا الوضع، وهو الحزب الذي خصص 1000 درهم لكل مرشح في الدوائر الفردية، فضلا عن كونه لم ينجح، لأسباب ذاتية وموضوعية، في دفع الفئات الكثيرة التي صوتت عليه في انتخابات 2016 للقيام بنفس الأمر يوم 8 شتنبر 2021. 
إن ما وقع يصدق عليه المثل المغربي “جري يا التاعس في سعد الناعس”، فقد كان المرشحون للبرلمان نائمين والمال هو من يتحدث، أما الذين خاضوا الانتخابات فهم المرشحون الصغار في الدوائر الفردية، لذا فأقل ما يمكن أن توصف به انتخابات 8 التشريعية أنها اقتراع غير مباشر لفرز (ناخبين كبار)، لم يكن المطلوب منهم سوى دفع كثير من المال، والاستعانة بسلطات اتخذت أقصى درجات الاح تياط مخافة وقوع مفاجآت من حزب العدالة والتنمية، فكان التضييق على مراقبي الحزب، وطرد بعضهم، وعدم تسليم المحاضر، وغيره من  الممارسات التي من شأنها عدم السماح بوقوع أية مفاجآت.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.