بوزيدان يكتب: لماذا نجح هاشتاغ ارحل أخنوش؟

محمد بوزيدان

      سارعت الحملة المضادة لهاشتاغ ارحل أخنوش لترويج جملة من الإشاعات لإفشالها و النيل منها و تسفيه كل من يرفع شعارها. و لعل أول ما رَوجتْه هو أن هذه الحملة مدبرة من طرف خصوم سياسيين لم يستفيقوا بعد من هزيمة 8 شتنبر و المقصود هنا حزب العدالة و التنمية، كما قال أصحاب الحملة المضادة أن هذا الهاشتاغ هو تهديد لاستقرار المغرب، بل ذهبوا أكثر من ذلك في محاولة بائسة للنيل من ذكاء المغاربة، حينما ادعوا أن هذه الحملة تلتقي مع إرادة خارجية جزائرية لزعزعة استقرار المغرب!

ينبغي التأكيد على أن هذه الحملة الشعبية التي اقتربت من مليوني مشاركة لا تتوجه لعزيز أخنوش بصفته رئيس حزب سياسي و لا لكونه رجل أعمال، بل تخاطبه بصفته رئيساً للحكومة الموكول له تدبير المعيش اليومي للمغاربة، لاسيما أنه وصل لمنصبه بعد سيل من الوعود الانتخابية التي أوهمت الناس أن حزب الكفاءات سيكون قادرا على حل جميع الإشكالات الاقتصادية و الاجتماعية، بعدما شيطنت وسائل الإعلام التي تفوح منها رائحة المازوط التدبير الحكومي السابق، و كأن الحزب الذي يقود الحكومة حاليا لم يكن له نصيب من تدبير أهم القطاعات الاقتصادية في الحكومتين السابقتين، بل إن رئيس الحكومة الحالي كان وزيرا منذ سنة 2007.

     في عشر سنوات الماضية كانت زيادة نصف درهم في ثمن المحروقات كافية لإخراج مهنيي النقل للإضراب ـ دون التراجع عنه ـ و النقابات للاحتجاج و تدبيج البيانات التي تبشر بخروج الأمر عن السيطرة إن اقترب المازوط من عشرة دراهم للتر الواحد، أين هي النقابات الآن؟ كما كانت تشكل تلك الزيادة مناسبة لخروج بعض المنابر الإعلامية.

و الخبراء و الجامعيين ـ تحت الطلب الذين لا يسمع لهم حس اليوم ـ لمعارضة الحكومة السابقة و التقليل من شأنها و ربط تدبيرها باسم الحزب الذي ينتمي إليه رئيسها، كالقول مثلا: “حكومة العدالة و التنمية تضرب القدرة الشرائية للمواطن” مع صورة كبيرة و معبرة لرئيس الحكومة بنكيران أو العثماني، و هو الأمر الذي غاب مع أخنوش حيث لا يتم ذكر حزبه التجمع الوطني للأحرار و لا إرفاق صورته بأخبار الزيادات الصاروخية في المواد الاستهلاكية. بل حتى وكالة المغرب العربي للأنباء انحازت بشكل مفضوح لرئيس الحكومة الحالي، فأصبحت ناطقة باسمه، مبررة غلاء المحروقات، ناسية أن دورها الأساسي هو نقل الأخبار و حفظ الذاكرة الإعلامية للمغاربة. لماذا لم تفعل وكالة المغرب العربي للأنباء نفس الشيء مع رؤساء الحكومات السابقين؟ كلنا يتذكر تعرض المحتجين لسيارة رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران و مواجهته بالشعارات وسط الرباط، كما طوّق الممرضون رئيس الحكومة السابق د. سعد الدين العثماني بمدينة طنجة ـ كنت شاهدا على ذلك ـ مرددين شعارات غاضبة في وجهه، و في كلتا الحالتين لم تخرج وكالة المغرب العربي للأنباء ذات اللون الأزرق بسطر واحد تضامنا أو دفاعا عن رئيسي الحكومة السابقَين بل اعتُبر ذلك حرية للرأي و التعبير.

إن هاشتاغ ارحل أخنوش هو احتجاج حضاري على مسؤول عمومي يجمع بين السلطة

و سوق المحروقات، و تتضاعف ثروته في عز أزمة المواطنين الذين يدبر شؤونهم.

إن الذين يحتجون اليوم ليسوا فاعلين سياسيين و لا تهمهم الانتخابات و منهم من لا يذهب للتصويت أصلا و قد يوجد من بينهم من ضللته الحملات الإعلامية المدفوعة الأجر و صوّت للتجمع الوطني للأحرار أملا في تحسن حاله، لذلك فإن أغلبية المحتجين لا يقصدون رحيل أخنوش في حد ذاته، بل الهاشتاغ وسيلة للضغط على الحكومة لخفض الأسعار الملتهبة، لا سيما أن بين يديها جملة من الإجراءات للتخفيف من حدة غلاء المحروقات

و من بينها:

ـ التخفيض من الرسم على المحروقات الذي عرف ارتفاعا كبيرا.

ـ التخفيض من الضريبة على القيمة المضافة التي ارتفعت بارتفاع ثمن المحروقات.

ـ تخلي شركة إفريقيا المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش عن هامش من أرباحها، كمساهمة مواطِنة، كما فعلت طوطال الفرنسية في فرنسا.

ـ و بالتبع تخلي شركات المحروقات الأخرى المشتغلة في المغرب (شال، طوطال..) عن نسبة من هامش الأرباح إسوة بشركة إفريقيا.

لا يمكن أن يدفع المواطن وحده فاتورة غلاء المحروقات و قد سَئم من تكرار الأسطوانة المشروخة التي تُحمل حرب أوكرانيا و روسيا و تداعيات كورونا أسباب الأزمة، و هو يتذكر أن عزيز أخنوش و حزبه كانا معارضين شرسين للدعم المالي المباشر الذي كان سيوزع على الأسر الهشة في حكومة بنكيران، كما أن هذا المواطن نفسه يلاحظ أن ارتفاع أسعار المحروقات يطبق في حينه في الأسواق المغربية عكس حال انخفاضه، مما يُشْتم منه رائحة جشع و تراكم أرباح غير مشروعة، و هو ما أشار إليه تقرير المهمة الاستطلاعية البرلمانية حول أسعار بيع المحروقات سنة 2018 الذي أدان هذه الشركات و على رأسها شركة إفرقيا لعزيز أخنوش بربح سبعة عشر (17) مليار درهم دون وجه حق، و لا شك أن هذا الرقم تضاعف مع الأزمة الحالية. و هذا ما يشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار الاجتماعي حيث يرى المغاربة أن مسؤولهم الحكومي الأول يزيد في ثمن المحروقات باليمين و يأخذ ما زاده بيده الأخرى كي يضعه في جيبه و يتسلق الدرجات في سُلم فوربس، في تضارب صارخ للمصالح و الجمع بين السلطة و الثروة.

إن سبب رفع هاشتاغ ارحل أخنوش هو تضرر جيوب المواطنين و تَكَدُّر معيشتهم و قد أصبحوا غير قادرين على مواكبة السوق و تلبية حاجيات بيوتهم، حتى في المناسبات الدينية التي كانت تدخل الفرحة على الأسر المغربية تحولت إلى مآثم سوداء، و ما عيد الأضحى عنا ببعيد حيث عجز الكثير من الآباء عن إدخال الفرحة على أبنائهم، في قطاع كان المسؤول الأول عنه لمدة تناهز عشر سنوات رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، و كلنا يتذكر منازعته رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران سنة 2015 صلاحية التوقيع و الإشراف على صندوق التنمية القروية الذي بلغت ميزانيته 55 مليار درهم، و النتيجة هي غلاء أضحية العيد، قلة المياه، مرض مجموعة من المنتوجات الفلاحية كالصبار (الهندي)..

بالمناسبة هذه الحكومة مكونة من ثلاثة أحزاب و حصدت 271  مقعدا بالبرلمان، و شلكت الأغلبيات في الجماعات و الجهات و مجالس العمالات و الأقاليم و لها الآلاف من المستشارين و قبلهم المناضلين ـ هكذا يُفترض ـ فأين تبخر كل هؤلاء للدفاع عن حكومتهم أو على الأقل على أحزابهم؟ و أين هو تواصل البرلمانيين مع الناخبين، أم أنه توقف بمجرد انتهاء الانتخابات؟ و ما دور الوزراء ـ الكفاءات ـ  في شرح السياسات الحكومية و الدفاع عنها؟ لا ضَير أن يغيب كل هؤلاء و هم يرون أن رئيس الحكومة يتهرب من الجلسات الشهرية بالبرلمان و هي جلسات دستورية.

إنْ كان رَبُّ البيت بالدُف ضاربا  ــــ فَشِيمَةُ أهل البيت كُلهم الرَقص.

   يوما بعد يوم تتبدد الثقة في هذه الحكومة التي أعلنت في برنامجها أنها حكومة اجتماعية،

 و أنها قادرة بكفاءاتها الوهمية أن تحل المصاعب الاجتماعية، و أن تدبيرها مختلف عن تدبير عشر سنوات الماضية، لكنها رسبت في أول امتحان يقع أمامها و وقفت عاجزة أمام غلاء الأسعار، لا إجراءات اجتماعية و لا مالية بل تكديس للثروات و حماية المصالح.

 و مما زاد في فقدان الثقة في هذه الحكومة التي ادعت أنها بجانب المواطنين و أنها ستتصدى لجميع أشكال الفساد، تخليها طواعية عن المبادرات النوعية التي سنتها الحكومتان السابقتان لمحاربة الفساد، و أولها سحب مشروع القانون الجنائي من البرلمان، الذي يجرم الإثراء غير المشروع دون إعطاء أجل لإعادته، ثم حل اللجنة الخاصة بمحاربة الفساد على مستوى رئاسة الحكومة التي لم يتم تعويضها إلى الآن، كما أن البرنامج الحكومي يخلو من أية إجراءات لمحاربة الفساد.

لكل هذه الأسباب فإن الهاشتاغ ناجح شعبيا و لا علاقة للمعارضة أو الجزائر به، كما يدعي بعض المنتمين لأغلبية هذه الحكومة ـ و يا ليتهم سكتوا ـ الهاشتاغ ناجح و سينجح في المستقبل ما دام رئيس الحكومة عزيز أخنوش هو الفاعل الأساسي في قطاع المحروقات

و كل زيادة فيها ستنعكس على باقي المواد الغذائية التي يستهلكها كل المغاربة. 

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.