حيكر يكتب: الدخول البرلماني أبريل 2024 بين الارتباك السياسي والتطاول على الدستور

تعتبر لحظة الدخول البرلماني بصفة عامة فرصة سياسية؛ بقدر ما تتيح للحكومة الترويج على الدفعة الجديدة من التدابير والإصلاحات التي تعتزم مباشرتها، فإنها تتيح للمواطنات والمواطنين استحضار ما يتطلعون إليه من إصلاحات جديدة، وفي الوقت ذاته يفتح نقاش حول تقييم الأداء الحكومي…
ولئن كان الدخول البرلماني لشهر أكتوبر يقترن أساسا بالخطاب الملكي لافتتاح السنة التشريعية، وأيضا بمستجدات القانون المالي السنوي؛ بينما يكون الدخول البرلماني لشهر أبريل عموما أقل إشعاعا بالنظر إلى أنه يكاد يكون عاديا؛ إذ يقترن -في الغالب الأعم- بما تبقى من الأجندة السنوية الحكومية والبرلمانية؛ وقد يطال أحيانا ما ينتظر من نتائج الحوار الاجتماعي في أفق العيد العمالي العالمي في الفاتح من ماي؛ غير أنه يمكننا القول إن الدخول البرلماني لشهر أبريل؛ الذي يصادف منتصف الولاية التشريعية، يكتسي أهمية إضافية لارتباطه بانقضاء النصف الأول من الولاية الانتدابية للحكومة؛ بما يتيح فرصة سانحة لتقييم أداء الحكومة بصفة عامة؛ سيما أنه في الغالب، كما جرى به العرف، يتم عرض ومناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة؛ كما يتم -أحيانا كثيرة- إلى إجراء تعديل حكومي سعيا إلى إعطاء دينامية جديدة للحياة السياسية.
ولعل من المفيد أن نخصص بعض السطور للوقوف على أبرز ما ميز الدخول البرلماني لدورة أبريل 2024؛ الذي يصادف النصف الأول من الولاية الانتدابية لحكومة السيد عزيز أخنوش والذي لم أجد لهم عنوانا غير تأرجح الأغلبية بين الارتباك السياسي والإمعان في التطاول على الدستور.
وفي هذا الإطار، ففي الوقت الذي عمل رئيس الحكومة على فرض يوم الأربعاء 17 أبريل 2024 كموعد لجمع البرلمان بمجلسيه في جلسة عامة مشتركة للاستماع لعرض حول الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة؛ وفق كيفية فيها مخالفات لقواعد النظام الداخلي لمجلسي البرلمان كليهما، تابع الجميع أن رئاسة مجلس النواب قد عملت، من خلال قصف السيدات والسادة النواب بوابل من الرسائل النصية القصيرة (SMS) التي تحثهم على الحضور إلى الجلسة العامة المشار إليها؛ حيث كانت آخر رسالة في الموضوع توصل بها كافة أعضاء مجلس النواب في التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة من يوم الثلاثاء 16 أبريل الذي صادف موعد إقدام حزب العدالة والتنمية على خطوة استباقية إلى تنظيم ندوة صحفية لتقديم تقييمه للحصيلة المرحلية لعمل الحكومة؛ وهي الندوة التي لم يعلَن عن اختتامها؛ حتى توصل السيدات والسادة والنواب برسالة نصية قصيرة، في الساعة الثانية عشرة زوالا وخمسة وعشرين دقيقة، يخبر من خلالها كل من رئيسي المجلسين بتأجيل الجلسة العامة المشتركة المذكورة إلى وقت لاحق!!
وغني عن البيان أن العامل الأقوى الذي أدى -في نظرنا- إلى فرض تأجيل هذه الجلسة العامة المشتركة؛ هو نجاح الندوة الصحفية لحزب العدالة والتنمية؛ على الأقل من ناحيتين:
أولاهما: وفرة وجدية المعطيات والمضمون التي تناوب على تقديمه كل من الأستاذ عبد الإله بنكيران: الأمين العام للحزب، والدكتور عبد الله بوانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، ثم إدريس الأزمي رئيس المجلس الوطني للحزب؛ وهو المضمون الذي تم تقديمه شفهيا وفي صيغة وثيقة مكتوبة تم الاشتغال على إعدادها -منذ مدة- من قبل ثلة من أعضاء منتدى الأطر للحزب، وأعضاء من أمانته العامة إضافة إلى أعضاء من المجموعة النيابية للعدالة والتنمية؛ مما يؤشر على جاهزية الحزب وأطره، بل يدل على الخبرة التي يحوزها الحزب وعلى كفاءة مناضليه؛ مما أسعفهم في الاشتغال على تقييم هذه الحصيلة قبل سماع رواية السيد رئيس الحكومة بشأنها.
ثانيهما: ذكاء قيادة الحزب في اختيار توقيت الندوة الصحفية؛ إذ فرض موضوعيا على رئيس الحكومة ومكونات أغلبيته، إضافة إلى عدد من الموالين له؛ أن يتحول من الفعل، إلى موقع رد الفعل؛ حيث بان له أن يراجَع ما كان قد تم تحضيره له، سعيا إلى إعداد خطاب يوفر -أساسا- إجابات على ما أثاره حزب العدالة والتنمية من خلال ندوته الصحفية المشار إليها، بعد أن كان يمني النفس بتدشين النصف الثاني من الولاية التشريعية الحادية عشرة بافتعال ‹حدث› إعلامي/ دعائي مع حرص غريب على التعجيل به؛ وكأنه يريد أن يتحلل من عرض هذه الحصيلة قبل حلول العيد العمالي العالمي؛ الذي يتطلع بمناسبته المواطنات والمواطنون بكل فئاتهم إلى إعلان الحكومة عن تدابير تهم ملفات حارقة من قبيل ملف التقاعد، وتدابير الحكومة لمعالجة معضلة البطالة التي فاقت 13%؛ وتدابيرها لبلوغ ما أعلنت عنه من توفير مليون فرصة عمل، ووقف نزيف إفلاس المقاولات، ومآل الوعود الحكومية بالزيادات في الأجور إلى غير ذلك من الوعود التي تبخرت…
ولئن كان تأجيل موعد الجلسة المشتركة لأعضاء مجلسي البرلمان؛ بعد كل تلك الجهود لحثيثة التي تمت تعبئتها لضمان حضورهم قصد الاستماع إلى السيد رئيس الحكومة، قد أربك حسابات رئيس الحكومة؛ بل وكشف عن ارتباك الأغلبية….، إلا أننا نكتفي -بخصوصه- بما أشرنا إليه آنفا؛ وذلك بغية الوقوف أكثر على ما نعتبره تطاولا خطيرا على الدستور وعلى القواعد ذات القيمة الدستورية متجلية في قواعد النظام الداخلي لمجلسي البرلمان بعد أن صرح القاضي الدستوري بمطابقتها للدستور وعدم مخالفتها لأحكامه؛ وذلك لأننا نعتبر أن هذا التطاول أخطر من الارتباك السياسي؛ باعتباره يعكس استباحة لأحكام القانون الأسمى بالبلد؛ مما يعتبر تهديدا حقيقيا لركائز دولة الحق والقانون؛ أو -على الأقل- تشجيعا مباشرا على ذلك…
وفي هذا الإطار، سوف نركز على مثالين شاهدين على هذا التطاول؛ يتمثل أولهما في عدم قانونية البرمجة الأصلية للجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان قصد الاستماع إلى عرض رئيس الحكومة في موضوع الحصيلة المرحلية لعملها، بينما يتمثل ثانيهما في الإخلال بعدم عقد جلسات الأسئلة الشفهية التي نص الدستور على ضرورة تخصيصها لهذا الغرض بالأسبقية كل أسبوع.
الفرع الأول: عدم قانونية برمجة جلسة عامة مشتركة لمجلسي البرلمان في 17 أبريل 2024
ينص الدستور على إمكانية أن “يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين” (الفقرة الأولى من الفصل 101)؛ مما يعتبر أحد أهم المستجدات الدستورية التي تندرج في إطار تعزيز سلطة البرلمان في مجال تتبع ومناقشة السياسات العامة والعمومية؛ كما يعتبر أحد تجليات ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة؛ كما يعتبر أحد توابع الثقة التي يمنحها مجلس النواب للحكومة؛ من خلال تصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم تصويتا إيجابيا لصالح البرنامج الحكومي…
وبالرجوع إلى منطوق الفقرة الأولى من الفصل 101 من الدستور، نلاحظ أنها لم تحدد أي موعد ولا أية وتيرة لهذا الاستحقاق؛ وإنما تركت أمر برمجته يرتبط بأحد أمرين: فإما أن يبادر إلى ذلك رئيس الحكومة؛ بشكل إرادي واختياري، وإما أن يطالب بذلك نفر من البرلمانيين تتوفر، في مجموعهم، الأغلبية الموصوفة التي اشترطها المشرع الدستوري (ثلث أعضاء مجلس النواب، أو أغلبية أعضاء مجلس المستشارين)؛ وبالتالي، فإن الدستور لم يحدد أي موعد زمني، ولا أي سقف لعدد المرات التي يجب على رئيس الحكومة أن يحضر من أجل عرض الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي…
وتجدر الإشارة إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب 1، وبعد أن جعل “الحصيلة المرحلية للحكومة المنصوص عليها في الفصل 101 من الدستور” أحد المواضيع التي يمكن أن تدرج ضمن جدول أعمال المجلس في إحدى جلساته العامة، فإنه خصص مادة فريدة تنص على أنه “طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 101 من الدستور، يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
يرأس الاجتماع المشترك رئيس مجلس النواب، ويحضر إلى جانبه رئيس مجلس المستشارين.
يحدد مكتبا المجلسين تاريخ انعقاد الجلسة المشتركة، ويقوم رئيسا المجلسين بعقد اجتماع لإصدار بلاغ مشترك في الموضوع” 2.
ولقد تبنى مجلس المستشارين نفس المقتضيات في نظامه الداخلي، مع تكريس إضافتين اثنتين؛ كما يلي:
الإضافة الأولى: تتمثل في التأكيد على أن مشاركة رئيسِ مجلس المستشارين رئيسَ مجلس النواب في تحديد تاريخ الجلسة وجدول أعمالها من خلال بلاغ مشترك، تتم “بناء على مداولات مكتب كل مجلس على حدة”.
الإضافة الثانية: تتمثل في تأكيد مبدأ مناقشة الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي على مستوى مجلس المستشارين؛ على أن يتم ذلك وفقا للترتيب المتفق عليه في ندوة الرؤساء 3، وهو ما ظل النظام الداخلي لمجلس النواب خاليا من أية إشارة إليه إلى غاية نهاية مراجعته مطلع سنة 2023؛ حيث أضاف المشرع البرلماني مادة جديدة تنص بدورها على أن مكتب مجلس النواب يحدد باتفاق مع الحكومة جلسة لمناقشة الحصيلة المرحلية ووفق الترتيب الذي تقترحه ندوة الرؤساء 4.
ومن ناحية أخرى، فقد تداول مكتب مجلس النواب المنتهية ولايته بتاريخ 8 أبريل 2024 5 في أمر “مراسلة رئيس الحكومة حول عقد جلسة مشتركة للبرلمان من أجل تقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة برسم نصف الولاية التشريعية 2021- 2026، طبقا للفصل 101 من الدستور، وذلك يوم الأربعاء 17 أبريل 2024 على الساعة الخامسة مساء”؛ حيث قرر مكتب مجلس النواب “التنسيق مع مجلس المستشارين لعقد هذه الجلسة”…
وهكذا، ومباشرة بعد افتتاح الدورة التشريعية الربيعية يوم الجمعة 12 أبريل 2024، قام مجلس النواب بإعادة انتخاب السيد راشيد الطالبي العلمي رئيسا لمجلس النواب لما تبقى من الولاية التشريعية الحادية عشرة طبقا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 62 من الدستور. وفي مساء نفس اليوم (تمام الساعة 19و 59 دقيقة) توصل كافة أعضاء المجلس برسالة نصية قصيرة SMS جاء فيها أنه “طبقا لأحكام الفصل 101 من الدستور، يخبر السيد رئيس مجلس النواب والسيد رئيس مجلس المستشارين كافة السيدات والسادة النواب والمستشارين المحترمين، أن البرلمان بمجلسيه سيعقد جلسة عمومية مشتركة، تخصص لتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، وذلك يوم الأربعاء 17 أبريل 2024 على الساعة الخامسة مساء بالقاعة الكبرى للجلسات بمجلس النواب. لذا المرجو من السيدات والسادة أعضاء مجلسي البرلمان حضور أشغال هذه الجلسة”
بناء على المعطيات والوقائع آنفة الذكر يمكننا إبداء ملاحظتين أساسيتين:
الملاحظة الأولى: إن مراسلة رئيس الحكومة المشار إليها هي التي تضمنت/ فرضت تاريخ وساعة تقديم عرض حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي كما أرادها/ أمرَ بها رئيس الحكومة؛ مما يفيد أن هذا الأخير هو من قام ببرمجة الجلسة المشتركة المشار إليها؛ مما يؤكد ما أشرنا إليه من أنه قد تم تحويل البرلمان إلى ملحقة للحكومة؛ إذ أصبح اشتغاله يخضع لأجندة الحكومة ورئيسها ورغبة ذا الأخير…
ولقد كان الأمر يتطلب -أخلاقيا وقانونيا- أن يُبِين السيد رئيس الحكومة عن احترامه للبرلمان؛ فيقف عند حدود إبداء رغبته في تقديم عرض حول الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، وأن يطلب من رئيسي المجلسين برمجة جلسة عامة مشتركة لأعضائهما قصد الاستماع إلى العرض المذكور، ولا حرج إذا ما قدم السيد رئيس الحكومة مقترحا لتاريخ هذه الجلسة؛ على أن يبقى مجرد مقترح يحسم في شأنه مكتبا المجلسين؛ لا أن يذعنا له.
الملاحظة الثانية: إن برمجة الجلسات العامة بصفة عامة اختصاص حصري لمكتبي مجلس البرلمان؛ غير أن الأمر يستدعي أن يكون كل منهما مزاولا مهامه؛ لا منتهية ولايته؛ كما أنه لا يمكن لأي منهما أن يبرمج أية أشغال للمجلس المعني؛ خاصة منها الجلسات العامة، خارج فترة انتدابه.
وفي هذا الإطار، نذكر أن مكتب مجلس النواب كان قد تدارس موضوع مراسلة رئيس الحكومة المشار إليها أعلاه، وقرر الموافقة على برمجة جلسة يوم الأربعاء 17أبريل، مع التنسيق مع مجلس المستشارين في الموضوع؛ وذلك خلال اجتماعه الذي عقده بتاريخ 8 أبريل 2024؛ أي أربعة أيام فقط قبل تاريخ انتخاب رئيس المجلس لما تبقى من الولاية التشريعية الحادية عشرة (الجمعة 12 أبريل 2024)!! وهو القرار الذي نعتبره باطلا من الناحية القانونية؛ لأن مكتب مجلس النواب -المنتهية ولايته- لا يمكن أن يتخذ أي قرار يتعلق ببرمجة جلسة عامة؛ مهما كان موضوعها وجدول أعمالها، في يوم ينتمي إلى مجال زمني خارج ولايته الانتدابية.
ومن دون الخوض كثيرا في هذا الجانب، وحتى إذا سلمنا -جدلا- بأن مكتب مجلس النواب المنتهية ولايته كان مخولا باتخاذ قرار من هذا النوع؛ فإننا نعتبر أن إعلان رئيسي مجلسي البرلمان عن يوم الأربعاء 17 أبريل موعدا لجلسة عمومية مشتركة من أجل تقديم رئيس الحكومة للحصيلة المرحلية للعمل الحكومي؛ باطل قانونا؛ وبالتالي فإننا نجزم بأن الجلسة المقررة هذه كانت باطلة قانونا؛ وذلك لجملة من الاعتبارات نختزلها في اثنين:
أولا: يمكننا المجازفة بالقول -نظريا- إنه كان بإمكان السيد الطالبي العلمي؛ بصفته رئيسا سابقا لمجلس النواب؛ والسيد رئيس مجلس المستشارين؛ إذا كان مكتب هذا الأخير قد تداول -هو الآخر- في الأمر قبل 12 أبريل؛ ووافق على برمجة الجلسة المذكورة وفي التاريخ الذي “اقترحه” رئيس الحكومة ووافق عليه مكتب مجلس النواب؛ غير أن الوقائع تشهد على أن الإعلان عن تاريخ عقد هذه الجلسة المشتركة قد تم بعد افتتاح دورة أبريل، وبعد انتخاب رئيس مجلس النواب 6، وقبل انتخاب باقي أعضاء مكتب هذا المجلس؛ مما يعني أن الرئيس المنتخب حديثا -بغض النظر عمَّن هو الشخص- كان مطالبا -طبقا للمادة 248 من النظام الداخلي – بأن يعرض الأمر على أنظار مكتبه قصد التداول؛ لأنه هو المخول -قانونا- ببرمجة جلسة عامة من هذا النوع ولهذا الغرض؛ لأن التاريخ المقرر هو ضمن المجال الزمني لولايته الانتدابية، وهو الأمر الذي لم يتم لعدم وجود هذا المكتب أصلا؛ وبالتالي فإن برمجة أي جلسة عامة، في غياب ذلك، باطل قانونا ولا يكتفي فيه إرادة ورغبة رئيس مجلس النواب 7.
ثانيا: إن الجلسة المشتركة المذكورة تتطلب أن يهيأ محضر بوقائعها ينشر في الجريدة الرسمية للبرلمان؛ وهو الأمر الذي يتطلب توقيع أمين كل مجلس على المحضر الذي يعني كل واحد منهما.
وحيث إن أمين مجلس المستشارين موجود ويواصل ممارسة مهامه إلى غاية أكتوبر 2024، ولا يمكنه أن يقوم بمهامه إلا لصالح مجلس المستشارين، كما لا يمكنه أن يحل محل أمين مجلس النواب؛
وحيث إن أمين أي من المجلسين لا يمكنه التوقيع على محضر أية جلسة عامة إلا إذا كان حاضرا لأشغالها وهو مكتسب لصفة أمين؛
فإن عدم توفر مجلس النواب على أمين كان من أقوى الأسباب التي تجعل الإقدام على برمجة الجلسة العمومية المشتركة المشار إليها باطلا قانونا.
صفوة القول؛ بالنظر إلى المعطيات المشار إليها آنفا؛ فإن إصرار الأغلبية؛ وخاصة رئاسة مجلس النواب، على عقد الجلسة العامة المشتركة المذكورة، رغم هذه المخالفات الصريحة لمقتضيات النظام الداخلي؛ المكتسبة لقيمة دستورية بعد أن صرح القضاء الدستوري بدستوريتها؛ يعكس تطاولا خطيرا على القواعد التشريعية الدستورية منها وذات القيمة الدستورية؛ مما يعد تهديدا خطيرا لدولة الحق والقانون؛ علما أن تأجيلها الاضطراري، وبناء على ما توفر لدينا من معطيات؛ قد تم لأسباب سياسية أشرنا إلى مجملها في مطلع هذه المقالة، وليس لتعذر استكمال باقي أعضاء مكتب مجلس النواب مطلع الأسبوع المعني؛ لأنه لم يكن قد تقرر عقد أي جلسة عامة بمجلس النواب؛ لا يوم الإثنين 15 أبريل ولا يوم الثلاثاء 16 أبريل للقيام بذلك؛ أو على الأقل لم يتدارسه رئيس مجلس النواب مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية خلال اجتماعه بهم مباشرة بعد رفع الجلسة العامة التي انتخب خلالها رئيسا، كما لم يخبرهم -على الأقل- بعزمه على برمجة أي جلسة لهذ الغرض.
الفرع الثاني: الإخلال بوجوب تخصيص جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية
تنص الفقرة الأولى من الفصل 100 من الدستور على ما يلي: “تُخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة”، مما لا يمكن اعتباره دليلا قاطعا على وجوب عقد هذه الجلسات بشكل منتظم أسبوعيا وحسب؛ وإنما -فوق ذلك- ألا يسبق عليها أي من أشغال البرلمان مهما كانت.
وفي سياق مقالتنا هذه، نشير إلى أن رئاسة مجلس النواب قد أخلت بهذا الواجب الدستوري المؤكد مرتين؛ حيث إنه كان من الواجب أن يخصص المجلس جلستين اثنتين لمساءلة الحكومة؛ أولاهما يوم الاثنين 15 أبريل 2024، وثانيهما يوم الاثنين 22 من نفس الشهر؛ غير أن أيا منهما لم تنعقد!!
وتجدر الإشارة إلى أنه كان من الواجب، بعد انتخاب رئيس مجلس النواب عشية يوم الجمعة 12 أبريل، أن يعلن الرئيس المعاد انتخابه عن جلسة عامة تخصص، يوم السبت أو الأحد؛ لاستكمال انتخاب أجهزة المجلس؛ أو على الأقل لانتخاب أعضاء مكتب المجلس؛ كي يتولى برمجة جلسة يوم الاثنين الموالي تفاديا للوقوع في هذه المخالفة الصريحة لأحكام الدستور؛ ولو بتخصيص سؤال واحد لكل فريق ومجموعة نيابية نظرا لطابع الاستعجال كما اقتُرِح على السيد الرئيس.
ولئن كان يمكن التعذر بعدم تشكيل مكتب المجلس قبل يوم الاثنين 15 أبريل، ولئن سلمنا -جدلا- بذلك؛ فإن رئاسة المجلس لا عذر لها في الإخلال بهذا الواجب الدستوري يوم الاثنين الموالي (22 أبريل)؛ بعد أن قام مجلس النواب بانتخاب أعضاء مكتبه منذ يوم الخميس 18 أبريل؛ خاصة وأن الرئيس اتفق مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية خلال اجتماع معهم قبل ذلك على عقد جلسة مقلصة زمنيا يمنح خلالها لكل فريق ومجموعة نيابية طرح سؤال واحد؛ بل إن المكتب الجديد، ومباشرة بعد انتخابه اِلْتَأَمَ في اجتماع عاجل له كان من المفترض أن يُرَسِّم اتفاق رئيس المجلس مع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية المشار إليه آنفا. بل إن أعضاء المجلس فوجئوا بتوصلهم عبر رسالة نصية قصيرة، يدعوهم الرئيس من خلالها إلى حضور جلسة عمومية “لاستكمال انتخاب هياكل المجلس وذلك يوم الاثنين 22 أبريل 2024 في الساعة الثالثة بعد الزوال”؛ أي في نفس الموعد الذي كان يجب أن تفتتح فيه الجلسة الأسبوعية للأسئلة الشفهية. وواضح أن في ذلك مخالفة صريحة ومباشرة للفقرة الأولى من الفصل 100 من الدستور؛ سيما أن الأمر يتعلق بانتخاب رؤساء اللجان الدائمة؛ وهو الأمر الذي كان من الممكن برمجته إما يوم الاثنين صباحا، وإما مباشرة بعد الفراغ من جلسة الأسئلة الشفهية؛ وفي جميع الأحوال لا يمكن أن يكون انتخاب رؤساء اللجان الدائمة، الذي لا يؤثر قانونيا في وجوب وصحة انعقاد هذه الجلسة الأسبوعية الدستورية؛ والتي -كما سبق أن أشرنا إليه- يجب أن تنعقد بالأسبقية؛ ولا يصح لمكتب المجلس ورئاسته أن يلغيها بله أن يبرمج غيرها…
وهكذا؛ يتبين أن هناك إصرارا على الإخلال بأحكام الدستور سواء من ناحية عدم عقد الجلسة الأسبوعية المذكورة؛ والتي يترتب عليها -من ناحية ثانية- مخالفة دستورية أخرى؛ تتجلى في مصادرة حق أعضاء البرلمان في مساءلة أعضاء الحكومة؛ وهو حق شخصي ودستوري لا يحق لأي كان أن يصادره لأي سبب من الأسباب.
صفوة القول؛ إن الجرأة على مخالفة أحكام الدستور الصريحة منعطف خطير في سلوك الأغلبية الحالية؛ وفي ثقافتها السياسية؛ خاصة وأنه يصدر عن مسؤولين يحتلون مناصب متقدمة في المسؤولية على مستوى هرم الدولة، وهو ما لا تملك معه للمعارضة إلا أحد أمرين: إما مضاعفة الاحتجاج والتصدي لهذه الممارسات التي توشك أن تهدد الأمن الدستوري والقانوني لبلادنا، وإما اللجوء إلى تحكيم ملكي باعتبار أن هذا نزاعا بين المعارضة كمؤسسة؛ ومكتب المجلس ورئاسته كمؤسسة؛ سيما أنه ليس بالإمكان اللجوء إلى المحكمة الدستورية قصد مطالبتها بالبت في هذا النزاع؛ لعدم الاختصاص.

 

1-المادة 138 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 كما أقره مجلس النواب بـالتصـويت فـي جلـسته العـامة المـنعقـدة يـوم الثلاثاء 8 أغسطس 2017، وقضت به المحكمة الدستورية بموجب قرارها رقم 17/65 بتاريخ 30 أكتوبر 2017.
2- المادة 248 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017- مرجع سابق.
3- المادة 274 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين لسنة 2020- مرجع سابق، وقد نصت على ما يلي:” يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين طبقا للفقرة الأولى من الفصل 101 من الدستور.
يحدّد رئيسا المجلسين تاريخ الجلسة وجدول أعمالها ببلاغ مشترك، وتتم المناقشة في مجلس المستشارين بناء على الترتيب المتفق عليه في ندوة الرؤساء”.
4- المادة 283 من النظام الداخلي لمجلس النواب الذي أقره بالتصويت في جلسة عامة بتاريخ 30 يناير 2023، وهو النظام الداخلي الذي لم يدخل بعد إلى حيز التنفيذ إلى غاية كتابة هذه السطور (20 أبريل 2024)، لأن المحكمة الدستورية قد قضت بعدم دستورية بعض مواده، بموجب قرراها عدد 23/ 209 بتاريخ 8 شعبان 1444 (فاتح مارس 2023) صادر بالجريدة الرسمية عدد 7177 بتاريخ 20 شعبان 1444 ( 13 مارس 2023)- ص: 3008.
5- هذا التاريخ يوافق الفترة الفاصلة بين انقضاء النصف الأول من الولاية التشريعية الحادية عشرة؛ وقبل افتتاح دورة أبريل 2024، وهي الفترة التي يكون معها مكتب مجلس النواب قد انتهت ولايته؛ حيث يتعين على مجلس النواب أن ينتخب أعضاء هذا المكتب وكذلك كافة أجهزة المجلس لما تبقى من الولاية التشريعية.
6- في تمام الساعة 19 و59 دقيقة توصل أعضاء مجلس النواب برسالة نصية قصيرة ترمي إلى إخبارهم بالجلسة العمومية المشتركة بين مجلسي البرلمان للاستماع لعرض السيد رئيس الحكومة حول الحصيلة المرحلية، وذلك بعد انتهاء الجلسة العامة التي خصصها المجلس لافتتاح دورة أبريل ثم لانتخاب رئيس للمجلس لما تبقى من الولاية التشريعية.
7- تنص المادة 248 من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2017 (مرجع سابق) على ما يلي:
طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 101 من الدستور، يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين.
يرأس الاجتماع المشترك رئيس مجلس النواب، ويحضر إلى جانبه رئيس مجلس المستشارين.
يحدد مكتبا المجلسين تاريخ انعقاد الجلسة المشتركة، ويقوم رئيسا المجلسين بعقد اجتماع لإصدار بلاغ مشترك في الموضوع.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.