محمد عصام يكتب: لقجع وسياسة الهروب إلى الأمام !!

انتظرنا أكثر من أسبوع بعد صدور بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي أدان فيه الحزب اللجوء المتكرر للحكومة لفتح اعتمادات إضافية من باب مراسيم القوانين، وعدم لجوئها للطريقة الصحيحة دستوريا وقانونيا والمتمثلة في قانون مالية تعديلي، ليخرج إلينا وزير الميزانية فوزي لقجع بجواب بمجلس النواب ضمن الجلسة العامة يوم الإثنين الماض، أقل ما يقال فيه أنه هروب إلى الأمام.
لقجع قال في الجلسة ذاتها أن حكومته تفتح الاعتمادات ولم يسجل عليها أن حذفت اعتمادات مبرمجة أو أوقفتها، وهو بذلك يلمز حزب العدالة والتنمية وحكومة ابن كيران، التي أوقفت 15 مليار درهم مبرمجة في قانون مالية 2012 مخصصة للاستثمار.
ولقجع بهذا اللمز يدلس على المغاربة، ويحاول أن يقارن ما لا يقارن، فوضعية المالية العمومية كما ورثتها العدالة والتنمية كانت في أسوأ حال، وكانت أجور الموظفين مهددة بعدم الأداء، وكانت الحكومة تخرج للسوق الدولية للبحث عن ما تسدد به تلك الأجور، وارتفعت فاتورة المقاصة إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ المغرب إذ ناهزت 45 مليار درهم، في حين هذه الحكومة التي ينتمي لها لقجع ترفل بشهادته هو نفسُه في الجلسة ذاتها، في موارد استثنائية وفرتها مداخيل الفوسفاط التاريخية، وعائدات تحويلات مغاربة الخارج غير مسبوقة، وتطور قطاع صناعة السيارات وارتفاع حجم تعاملاته وانعكاسه على الميزان التجاري.
حكومة العدالة والتنمية ورثت مالية معتلة، وقامت بإصلاحات تاريخية، جنبت لقجع وزير الميزانية وحكومتَه، ثُقبا في الميزانية قدَّره في تصريح سابق ب 75 مليار درهم، ما يعني أن الهوامش التي يفتخر بها لقجع ومن معه، مدين فيها لحكومة العدالة والتنمية، وعوض اللمز في قناتها كان الأجدر به أن يعترف لها بالفضل ويشكرها، فالهامش الأساسي في المالية العامة والذي يوفر إمكانيات هائلة للسياسات الاجتماعية وللاستثمار أيضا، مرده بنسبة كبيرة للإصلاح التاريخي الذي قام به ابن كيران وحكومة العدالة والتنمية لصندوق المقاصة، وتحمل الأعباء السياسية المترتبة عليه.
حكومة العدالة والتنمية أورثت لقجع ومن معه مالية في غاية الصلابة والمتانة، يشهد على ذلك ما جاء في خطاب صاحب الجلالة في افتتاح الدورة الخريفية البرلمانية لسنة 2021، وما جاء في ذلك الخطاب من أرقام دالة يمكن الرجوع إليها لقراءة بيناتها الواضحات، حيث تسلم لقجع مالية حققت سنة 2021 أحد أعلى معدلات النمو في منطقة مينا وصل إلى 7 في المائة.
وبالعودة إلى ما طرحته الأمانة العامة للمصباح في بلاغها ليوم 27 ماي 2023، فإنها طرحت إشكالات دستورية وقانونية وسياسية مرتبطة بسلوك مسطرة المراسيم لفتح اعتمادات مالية إضافية، حيث إن هذا الفتح يجب أن يكون مشروطا بشرطين كما ينص على ذلك القانون التنظيمي للمالية، بأن يحقق مصلحة وطنية طارئة، وأن يكون نفقة غير متوقعة، وهو ما لا يتوفر بالنسبة للاعتمادات المخصصة لقطاعي السياحة والماء، خصوصا وأن الحكومة تقول أنهما قطاعين يحظيان بالأولوية لديها.
فكان الأحرى بلقجع عوض الهروب إلى الأمام، ومن باب احترام المؤسسة التشريعية التي كان يتحدث داخلها، أن يتفضل ببسط التأويل الذي اعتمدته الحكومة لتلك الشروط، وبذلك يفتح باب النقاش بين الفرقاء عموما كل واحد يدلي بدفوعاته “وكفى الله المؤمنين القتال”.
أما الإصرار على الهروب إلى الأمام، فهو ينمِّي الشكوك وينعشُها حول خوف الحكومة وأغلبيتها من سلوك مسطرة قانون مالية تعديلي، بما يتيحه من إعمال آليات الرقابة على المشروع وتجويده بالتعديلات، وتحصينه بأدوات الحكامة، والأهم فتح نقاش عمومي يجد المواطن نفسه في صلبه، ويساهم فيه عبر آليات الديمقراطية التشاركية، فهل هذه الحكومة بأغلبيتها المريحة في الغرفتين وصلت درجة من الخوف جعلها تتهرب من استحقاق دستوري وتمرين ديمقراطي عادي؟.. أم أنها تحتقر المؤسسات ومعها الشعب المغربي، بحرمانهما من لحظة سياسية هامة تتيح نقاشا عموميا، المشهدُ السياسي في أمس الحاجة إليه؟؟ !!!
إن الإمعان في سلوك مسطرة المراسيم هو في النهاية تهريب للنقاش العمومي، وإفلات من آليات الرقابة، وتملص من ترسيخ مبادئ الحكامة في الإنفاق العمومي، ولن تجدي كل وسائل الهروب إلى الأمام في نفي ذلك عن هذه الحكومة، التي ولدت بعقم تواصلي مزمن، وانكشفت “لاكفاءتها” بسرعة قياسية.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.