محمد عصام يكتب: أخنوش والعفاريت!!

محمد عصام


في لقاء حزبي نهاية الأسبوع الماضي صرح أخنوش أمام أنصاره وأعضاء حزبه، منتشيا و”مقطرا الشمع” على العدالة والتنمية وتحديدا على الأمين العام عبد الإله ابن كيران، بأنه ومنتخبيه لا يشتكون من العفاريت.
وفعلا فأخنوش لا يمكنه أن يشتكي من العفاريت والتماسيح، لسبب بسيط جدا، أنه هو جزء من منظومة العفاريت، والمغاربة عن بكرة أبيهم يعلمون أن العفريت الذي أوقف “بلاد على قدها” لمدة ستة أشهر، هو أخنوش!!
وأنه لاقدرة لأحد أن يفعل ذلك إلا إذا كان من جنس “العفاريت والتماسيح”، فهؤلاء وحدهم من يستطيع المقامرة بالبلاد ومن فيها، من أجل مصلحتهم الضيقة، وهم وحدهم من يملك القدرة على لي ذراع خصومهم بتلك الطريقة التي شهدها المغاربة والعالم بأسره !!
وهم وحدهم من يستطيع كما فعل “العفريت/ أخنوش” أن يجمع أربعة أحزاب تحت إبطه ويمتلك زمامها ويوجهها ذات اليمين وذات الشمال، ويصبح في طرفة عين أو أقل من ذلك ناطقا رسميا باسما!!
العفاريت هي من تستطيع في رمشة عين أن تعتلي قمرة حزب ولو كانت تخلت عنه من أجل مقعد في الحكومة، فلا شيء يضير في ذلك، ما دامت هذه العفاريت مسنودة بجبهة نافذة من “التماسيح” تذلل لها رقاب الأحزاب والعباد على حد سواء !!!
لا أحد يمكن أن يتصور أخنوش ومن معه يشتكي في يوم من الأيام من العفاريت والتماسيح، ولا يمكن ولو من باب الخيال العلمي أو حتى” الأسطوري”، أن نتخيل مسيرة لـ “ولد زروال” تستهدف الإطاحة به، أو إخراجه من الصحراء، كما صرح أحدهم ممن اقتيدوا لتلك المسيرة العار!!
لا يمكن أن نتخيل أعوان سلطة وحتى رجال سلطة يجيشون لإسقاط أخنوش كما فعلوا في تلك المسيرة بشهادة من كانوا فيها، والتسجيلات المصورة ما زالت حية ترزق.
لا يمكن أيضا أن نتصور الإدارة تنخرط في تعطيل قرارات حكومة أخنوش، والتلكؤ في تنفيذها، والحال أن كثيرا من القرارات المجمدة عرفت طريقها إلى التنفيذ بمجرد تولي سعادته رئاسة الحكومة!!
ابن كيران عندما كان يتحدث عن العفاريت والتماسيح، كان المغاربة يفهمونه، ويدركون مرامي كلامه، والدليل على ذلك أن ابن كيران جاب المغرب طولا وعرضا في انتخابات 2015، وأعاد الكرة في انتخابات 2016، وكان جواب المغاربة في كلا النزالين، أن قد فهمنا القصد، ونحن معك، وكانت بينات الصناديق أصدق إنباءً من كل اللغط، وأقوى وقعا من مسيرة ولد زروال وما شابهها.
ابن كيران حين حديثه عن التماسيح والعفاريت لم يكن مولوعا بلغة “كليلة ودمنة” لابن المقفع، أو LES FABLES للافونتين، بل هو اختار الترميز للدلالة على بنية تخترق منظومة الدولة، تشبه في خفائها عن الأعين والعمل من وراء حجاب العفاريت، وتشبه في شراهتها وقساوتها التماسيح، وتتوسل في عملها بالخديعة وعدم الوضوح، وتتموقع على الطرف النقيض من انتظارات الشعب وهمومه، وهي بنية قائمة الذات ولها قدرة كبيرة على تجديد نفسها وآليات اشتغالها وتطوع في سبيل ذلك الإدارة والمؤسسات والأحزاب والإعلام وتستخدم أهل الثقافة والفن ولاتنجو من سطوتها حتى الرياضة.
وأخنوش هو آخر من يمكن أن يتحدث عن العفاريت، يكفي أنه متورط إلى أخمص قدميه في تضارب المصالح، فكيف لأخنوش رئيس الحكومة أن يواجه أخنوش رجل الأعمال والمستحوذ الأكبر على سوق المحروقات في المغرب في ظل الحقائق الثابتة حول تواطؤ شركات المحروقات من خلال تقرير المهمة الاستطلاعية البرلمانية والذي تحدث عن 17 مليار درهم كأرباح غير أخلاقية سرقت من جيوب الشعب، كما أن مجلس المنافسة في نسخة ادريس الكراوي، أكد هذه السرقة ورتب عقوبات على الشركات، لكن العفاريت مرة أخرى بما تملكه من قدرات “خارقة” عصفت بالكراوي خارج المجلس، بل إنها استطاعت إلى يوم الناس هذا أن تمنع صدور أي نتائج للجنة التحقيق التي تم إنشاؤها مباشرة بعد ذلك، بل إن مجلس المنافسة الحالي لم ينف تهمة التواطؤ عن الشركات بل أكد ما أسماه “بإبطال المنافسة في قطاع المحروقات”، وهي صيغة مخففة تعني أن جيوب المغاربة استبيحت من طرف هذه الشركات وعفاريتها والسلام.
التاريخ “السياسي” لأخنوش يقول إنه ليس بينه وبين السياسة إلا الخير والإحسان، وأنه توسل للمواقع التي وصل إليها منذ أول يوم إلى أن أصبح رئيس حكومة، بأدوات خارج “السياسة”، وسُخرت له قدرات لا يمكن أن تتوفر لأي سياسي، وانتخابات 2021 دليل قاطع، على أن أخنوش ليس كائنا سياسيا، بل هو من جنس العفاريت التي تمتلك قدرات خارقة، والتي تسطيع أن تجعل في طرفة عين الكون كله أزرقا.
في منطق السياسة التراكم أساسي في بناء مجد وتاريخ الأحزاب والأشخاص، ودون ذلك مسيرة طويلة من الكدح والنضال، واجتراح للتضحيات ومكابدة للصعاب والتحديات، لكن في منطق العفاريت والتماسيح هذه المعادلة المختلة بل لا وجود لها بالمرة، فالصعود محكوم برضى الجهات النافذة وخدمة مصالحهم، لكنه صعود غير مأمون العواقب، لما فيه من تحايل على الإرادة الشعبية وتزييف وعيها، وهو ما ينكشف بسرعة في أول الامتحانات.
واليوم أخنوش تحاصره حيثما ولى وجهه أسئلة المواطنين، وتخنقه مطالبهم واحتجاجاتهم، وهو لا يملك لا القدرة ولا الشجاعة أن يخرج للناس بوجه مكشوف ليواجه أسئلتهم ويكابد امتحان التواصل كما تفرضه أصول السياسة في مثل هذا الواقع المأزوم، لذلك فهو يختفي وراء مثل هذه اللقاءات ويحتمي بقبيلته الحزبية، ليمرر بعضا من “ضعفه التواصلي”، ويتكئ على أسطوانة “الحكومة السابقة” و”الجفاف” و”حرب روسيا وأوكرانيا”، وهو بذلك ينسف نفسه بنفسه، فمن لا يملك حلولا لمثل هذه التحديات، فلماذا يصلح إذن يا ترى؟؟!!!

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.