الهلالي يكتب: المساواة في الارث بين أحكام الشريعة الإسلامية والمطالب الحداثوية

امحمد الهلالي


المطالبة بالمساواة التطابقية والمناصفة في الميراث هي في جوهرها مطالبة بالتسوية في الجزئي والفردي والتطفيف في الكلي والجمعي أكثر من أي شيء آخر. وتغليب الفردي والجزئي في قيمة المساواة ليس سوى إخراج المساواة من دائرة القيم الى فضاء الايديولوجيا.
لذلك فالمقابلة في النقاشات الجارية حول نظام الارث في الشريعة الاسلامية ليست بين المساواة ما يضادها من تمييز أو تطفيف، وإنما بين مساواة تنتمي إلى فضاء تراحمي حيث تطابق قيمة العدل والتعادلية، وبين مساواة تنتمي إلى فضاء فرداني تعاقدي تناظر التسوية التطابقية الكمية، رغم أن المراكز المراد التسوية بينها تعتبر متمايزة ومختلفة في الأعباء وفي المسؤوليات وفي الواجبات وكذا في الحاجيات.
فالتسوية بين المختلفين هو عين التمييز وهو عين التطفيف، بينما العدل بين المتمايزين المختلفين بإعطاء كل ذي حق حقه كل بحسب أعبائه ووفق حاجاته وتبعا للتكاليف الملقاة على عاتقه، هو عين المساواة الحقيقية لا الشكلية.
والمساواة هي العدل عندما يؤلف بين شبكة من معايير متنوعة ويجمع بين عناصر منظومة كاملة من القيم المتظافرة والمتراكبة، لتشكيل نظام اجتماعي مرحمي، يلازم بين القيادة (القوامة) والمسؤولية والمحاسبة (الحماية والانفاق)، ويوسع وعاء الاستحقاق عموديا (الأصول والفروع) وأفقيا (الأخوة والعمومة)، ويربط الحق بالواجب والأخذ بالعطاء، والاستحقاق بالمسؤولية ويربط قيمة الاستحقاق زيادة أو نقصان بمستوى الحاجة (تقديم المقبل على المدبر على الحياة بتمييز إيجابي للابن على الأب).
وفي العمق فإن “المساواة السائلة” تريد هدم هذا النظام لإحلال نظام “أميسي” مكان نظام تسميه “أبيسي”، وتريد أن تفكك “علاقة المرحمية”، وتعويضها بعلاقات تعاقدية مبنية على الصراع ومقايضة المرحميات والروحيات والمعنويات بمقابل مادي، وتختصر فيه العلاقات الرحمية في أضيق نطاق في حدود الأبوة والبنوة، وتجعل الفيصل في هذه المساواة هي الذكورة والأنوثة.
إن نظام الإرث في الشريعة الاسلامية هو أكبر منظومة لتحقيق المساواة الكلية والجمعية في أبعادها القيمية والتعادلية والتناصفية.
وفي غير هذا النظام تظل الدعوة إلى اختزال المساواة في صورة أحادية ونمطية وميكانيكية مجرد ادعاءات ومزايداتـ تلتقي في هدفها النهائي، سواء بوعي أو بدونه، مع مساعي الطعن في شرع الله والانتقاص من الشريعة الإسلامية، لكن هيهات.

شاهد أيضا
شارك برأيك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.